الجمعة 26 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

هل أعددت حسابك

القاهرة 24
الأربعاء 13/نوفمبر/2019 - 03:29 م

يحثّنا السيد المسيح قائلاً: “ماذا ينفعُ الإنسانَ لو رَبِحَ العالمَ كُلَه وخَسِرَ نفسه؟ وماذا يُعطي الإنسانُ فداءً عن نفسه؟”(متى 26:16). ما أكثر الذين يعيشون على هذه الأرض من أجل ذاتهم فقط، حتى أنهم لا يتذكّرون الله خالقهم! وما أكثر الذين يحصرون اهتمامهم في الحياة الأرضية فقط دون النظر إلى الحياة الأبدية! كُتب على قبرٍ قديم في ساحة إحدى الكنائس بإنجلترا: “تذكّر أن الإنسان زائل! كما أنت الآن حيٌ، كنتُ أنا كذلك، وكما أنا الآن ميتٌ، كذلك ستموت أنت أيضاً! فهيئ نفسك لتتبعني”.

من اليسير أن نحيا في هذه الدنيا بلا هدف، دون التأمل والتفكير في الحياة الأبدية التي لا بد منها شئنا أم أبينا. ومصير كل واحدٍ منّا يتوقف على أعماله سواء كانت خيّرة أو شريرة، وسينال كل واحدٍ إما الحياة الأبدية أو الشقاء الأبدي. لذلك يجب أن نعيش على هذه الأرض دون أن ننسى الآخرة، كما يجب علينا أن نضع الله خالقنا نصب أعيننا مهما كانت مشغولياتنا واهتماماتنا، لأننا مسافرون نحو الأبدية. إذا طرحنا على كل شخص هذا السؤال: “ما أهم شيء بالنسبة لك في هذه الحياة؟” ستكون الإجابة كالأتي: “النجاح، مركز مرموق في المجتمع، الزواج وتأمين مستقبل الأبناء، الغنى والصحة والستر، وأشياء آخرى…”. مما لا شك فيه أن كل هذه الأمور هامة وضرورية، ولكن يجب علينا أيضاً أن نستعد للساعة التي لا نعلمها، لأن الموت يأتي في كل لحظة، وكم من الأشخاص الذين فقدناهم، حتى أن الذهول جعلنا لا نصدق هذا! كل يوم يموت ملايين من البشر، فما المانع أن يكون أحدنا من جملة هؤلاء اليوم أو غداً؟ مَنْ يستطيع أن يجزم بأنه يصل إلى نهاية النهار الذي بدأه؟ مَنْ ذا الذي يثق في أن يستيقظ من نومه؟ ليس المقصود من هذه الأفكار أن تقلقنا أو تزعجنا؛ بل لِنَصِل إلى الحكمة التي بها نعيش على هذه الأرض رغم مشغولياتنا دون إهمال العناية والاستعداد لآخرتنا، وكما يقول داود النبي في المزمور: “علّمنا يا رب أن نُحصي أيامنا فتبلغَ الحكمة قلوبنا”(12:89).

نجد في كل بيت بمقاطعة ساڤوي لوحة مكتوب عليها: “افهم جيداً قوة هذه الكلمات: “الله والدقيقة والأبدية. الله الذي يراك وقلما تعبده؛ الدقيقة التي تهرب منك ولا تنتفع منها إلا قليلاً؛ الأبدية التي تنتظرك وبطياشة تخاطر بها”. فالإنسان الحكيم والفطن يعرف كيف يقضي حياته على الأرض في أعمال الخير والبر ومخافة الله ومحبة الناس، لأن الله سيطلب منّا حساباً عمّا فعلنا على هذه الأرض، لأنه خلقنا من أجل تحقيق هذا الهدف. كل مَنْ يعيش حياته اليومية ويضع نُصب عينيه فكرة الموت؛ لن يخسر أبداً، لأنها تجعله يسعى في عمل الخير، ويستثمر الوقت فيما هو نافع، ويتجنّب ما يهين الله، ولا يصبح عبداً للملذات الأرضية. مما لا شك فيه أننا نعلم أن حياتنا قصيرة، وأفضل مقياس لها، القيام بالأعمال الصالحة والخيّرة، فالموت يزيل هذه الحياة وأباطيلها، ولن يبقى سوى ما أتيناه من خير في سبيل الله والآخرين، وهذا كله يجعلنا ألا نخاف ساعة الموت، بل نشعر برضى القلب في هذه الحياة، والطمأنينة والسكينة ساعة الموت.

الموت لا بدَّ آتٍ، ولن نُسأل لماذا متنا، ولكن في سبيل أي هدف متنا. ونقرأ هذا الحوار في رواية للكاتب هنري بوردو تحت عنوان “العيون التي تنفتح”: “لا يا صديقي! عيناك لم تنفتحا بعدُ!” – “أعيناي أنا؟!” – “نعم، أنت! لأن الغالبية العظمى من الناس، لا يفتحون عيونهم إلا مرةً واحدة! في الحياة!” – “مرةً واحدة؟!” – “نعم مرة واحدة! عند ساعة الموت! أي بعد فوات الأوان!”. هذه هي حال الذين لا يفكرون في الله الذي خلقهم ليعبدوه، ولا بالآخر الذي جعله الله على طريقهم ليحبّوه ويعطفوا عليه، لكنهم يتعبدون للمال فقط، حتى أنهم يضعونه مكان الله في حياتهم، كما أن قلوبهم تتحجر نحو الغير، وعندما تصل ساعة الموت فجأةً، تنفتح عيونهم بعد فوات الأوان، ويبدأون في الإدراك بأنهم كانوا في وهمٍ نتيجة تعلّقهم بالمال والخيرات الأرضية دون النظر إلى الله والاهتمام بالآخرين. هل نحن في انتظار كارثة تحلّ بنا حتى توقظنا من غفلتنا، فنعود إلى الله الذي أهملناه والأخ الذي تركناه؟ ونختم بكلمات فيلسوف الصين كونفوشيوس: “ما أشقى الإنسان الذي يملأ بطنه طوال اليوم، دون أن يجهد عقله في شيء يفيد روحه والغير… مثل هذا الإنسان، وباء!”.

تابع مواقعنا