الزفاف الأخير.. عروس حادث المنيا تودع أسرتها وأصدقائها بـ”تابوت أبيض” في ليلة حزينة
الحزن يخيم على كافة الأرجاء، عددٌ غفيرٌ من الأفراد مجتمعون يرتدون الأسود ما بين مسلم ومسيحي، والدموع تُزرف من العيون، وأصوات الألحان الكنائسية تتصارع مع صوت العويل والبكاء، ويتوسط السواد العظيم تابوت أبيض اللون، والأنظار ملتفة حوله، حيث ترقد به شابة عشرينية، ملفوفة في ثوب أبيض “الكفن” تزف في عُرس السماء.. هنا كان اللقاء الأخير للدكتورة سماح نبيل، العروس التي غيبها الموت في حادث التدريب الإلزامي لطلاب التكليف بالمنيا.
انقطعت الألحان الكنائسية وظل النواح والبكاء، واصطف الجميع، ليستكملوا صلواتهم على روح “سماح”، وبعد انتهاء الجنازة، توجهت الأنظار صوب التابوت، وانهالت الدموع من الرجال والسيدات، حيث انتاب الحزن الجميع، واصطفوا يمينًا ويسارًا مفسحين الطريق للعروس لتمر من منتصفهم، في الزفاف الأخير، والبعض يمد يده ليعانق التابوت الصاعد للسماء، لتنطوي صفحة الدكتورة سماح.
الزفاف الأول.. ما هي قصة سماح نبيل؟
لم يمر على الزفاف الأول لسماح، سوى شهرين فقط، وبينما هي برفقة زوجها يقضيان أوقاتهما السعيدة وبداية أيامهما في عش الزوجية مع بعضهما البعض تغمرهما فرحة جمع شملهما، إلا أن رسالة مفاجئة من مديرية الصحة كانت كفيلة بقطع تلك السعادة، وإحداث حالة من الصخب الذي قتل الهدوء، حيث تم إبلاغها أنها ستسافر إلى قاهرة المعز، بعد 24 ساعة فقط من وصول الرسالة.
“نرجو من سيادتكم التنيه على الطبيبات المشاركات في حملة سرطان الثدي الحضور غدًا ولن تقبل أي اعتذارات.. ومن لا يرغب في العمل بالحملة سيتم انتدابه خارج الإدارة الصحية”، رسالةٌ حملت لهجة التهديد، أرسلت على جروب خاص بأطباء المنيا على “واتس آب”، كانت هي الرد على بعض المعترضات على السفر لظروف خاصة، من بينهن الدكتورة سماح، والتي رأت أن هناك صعوبة لكونها عروسا وتسافر بعد أيام من انتهاء شهر العسل.
وبعد محاولات من الدكتورة سماح، للحصول على استثناء لعدم السفر للقاهرة لحضور التدريب، لا سيما أن ضيق الوقت لم يمكنها من الحجز في القطار، باءت بالفشل، حيث شددت المديرية على دعوة الوزارة للطبيبات بالحضور، وإلا فليتحملن العقوبات المنتظرة التي ستوقعها عليهم الوزارة، لذا وجدت “سماح” نفسها مضطرة إلى السفر.
وفي الساعات الأولى من صباح اليوم، ودّعت سماح زوجها “العريس”، الذي ستتركه وتسافر بعد أيام من شهر العسل، إلا أن ما صبرهما أنها ستحضر الدورة التدريبية وتعاود فور انتهائها، وفي تمام الساعة الثالثة فجرًا كان تجمع الطبيبات أمام مستشفى جامعة المنيا، حيث السفر تجاه القاهرة.
الرياح جاءت بما لم تشتهِ السفن، فعلى الرغم أنهما تواعدا على سرعة العودة بعد انتهاء الدورة لاستكمال فرحتهما بزواجهما، إلا أن القدر كان له رأي آخر ولم يمهلهما أياما أخرى من الفرحة، حيث غيب “الموت” روح الدكتورة، مع عدد من زميلاتها، إثر حادث مروع للميكروباص الذي كان ينقلهم في الطريق الصحراوي بالكريمات، مما أسفر عن مصرع طبيبتين وسائق وآخر وإصابة 16 آخرين، لتُزف إلى السماء، ويعم الحزن أرجاء البيت السعيد.
60 يومًا بين زفاف الأرض وعُرس السماء.. قصة طبيبة ودعت زوجها لتلقى ربها في حادث المنيا (صور)
