الثلاثاء 23 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

شهيدات المنيا

القاهرة 24
الخميس 16/يناير/2020 - 01:16 م

كان لدي شك وهاجس وظن دائم بأن الطبيب المصري فقد قيمته الأدبية والمعنوية خلال الثلاثين سنة الأخيرة.

وحاولت مرارًا وتكرارًا أن أتخلص من هذا الهاجس وأقول لنفسي: “كفاكِ ظنونًا وأوهامًا” وأحاول أن استرشد بتجارب ناجحة وملهمة لأطباء مصريين من جيلي، رغم ندرة هذه التجارب إلا أنها كانت تعطيني بعض الأمل، ولكنه أمل ضعيف لا يسمن ولا يغني من جوع. لغة التعميم ليست علمية، ولكني أعتقد أننا لو ذهبنا إلى البحث والتحليل، وتم إجراء استطلاع رأي بشكل موسع وعلمي عن حال الطبيب المصري والصورة الذهنية له، لكانت النتيجة محزنة ومؤسفة.

لم تعد كليات الطب مطمع الأهالي ولا طلبة الثانوية العامة أصحاب المجاميع العليا، أصبحوا ينفرون منها، فلم يعد الطبيب المصري “عريس لقطة” وحلم الفتيات بالارتباط به، بل إنني أعرف عائلات يرفضن تزويج بناتهن لأطباء، وأعرف طبيبات شابات قلت فرصهن في الزواج بسبب المهنة ومتاعبها، وطول مدة دراستها وعدم تحقيق عائد منها إلا بعد فترة طويلة.

يبدو كلامي محبطًا وكئيبًا، ولكنه كان محبوسًا كان مكتومًا في قلبي لا أبوح به لأحد، حتى لا أُتهم بأني أنشر الطاقة السلبية والمناخ التشاؤمي.

أمس بالذات، قررت البوح بما يكمن في صدري ودافعي هو الحادث الأليم، حادث استشهاد طبيبات المنيا، لا أعلم كواليس الحادث ولكن ما سمعته عن الحادث كان مؤلمًا ومثيرًا للشجون والأحزان والغثيان.

القصة باختصار، طبييات شابات في التكليف، يعني في مقتبل حياتهن المهنية والاجتماعية، طُلب منهن الحضور إلى القاهرة لحضور مؤتمر تابع للوزارة خاص بحملة الكشف عن أورام الثدي في القاهرة. الفتيات منهن المتزوجة حديثًا والحامل والتي تحمل رضيعها، كلهن يعملن بكفاح وفي ظروف صعبة لا يتحملها بعض الرجال الأشداء. ظروف الفتيات جعلت بعضهن يعتذرن عن الحضور، ولكن الاعتذار قوبل بالرفض الشديد، وتم تحذيرهن والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور، إذا لم يحضروا على وجه السرعة وكان التهديد من رؤساهم في العمل. فاضطروا أن يحضروا مجبرين على وجه السرعة في ميكروباص وكان هذا الميكروباص هو النعش الطائر ولقي بعضهن حتفه.

إنهن فتايات من نفس المهنة، مكافحات، وفي بداية حياتهن، ولم يجنين ثمار تعبهن وكفاحهن بعد، لم يحققن مجدًا أدبيًا أو ماديًا بعد. رحمة الله عليهم. البعض يقول لي، إن المسؤولين الكبار يلقون باللوم على المسؤولين الصغار، والصغار يتنصلون ويقولون أنهم كانوا ينفذون الأوامر. يذكرني هذا الحادث المؤلم -رغم صعوبة ومرارة المقارنة- بحادث قفز الشباب من القطار لعدم وجود الأجرة معهم، المشترك هنا التعنت والروتين القاتل. الأسئلة المطروحة هنا: هل ستذهب هذه الأرواح الطاهرة هدرًا؟ هل أرواح من ينقذون أرواح البشر ويخففون الجروح رخيصة؟ هل الطبيب المصري قيمته قليلة؟ هل السكوت والتعتيم على هذا الحادث واعتباره قضاءً وقدرًا هو الحل؟ خوفًا من أن ينتهز الإخوان وأبواقهم الحادث ضد مصر؟ أكتب في هذا الأمر وذهني “مشوشر” وأشعر أني قليل الحيلة وعاجز عن فعل أي شيء.

تابع مواقعنا