“صحاري” بمجرد أن يدق الاسم مسامعك يتبدى لك للوهلة الأولى طبيعة المكان، صحراء قفراء ليس فيها كثيرٌ من مظاهر الحياة، بالفعل هي كذلك أو كانت في السابق، قبل أن تعمرها سواعد مصر شبابا ورجالا ونساء ممن طلبتهم الدولة ممثلة في مختلف الهيئات والوزارات للقيام على المشاريع المقامة بمحافظة أسوان (مصنع كيما – السد العالي –خزان أسوان- محطات توليد الطاقة) وغيرها كثير من الصروح إبان نهضة مصر الصناعية، لبى الجميع نداء الوطن وشدوا رحالهم إلى المناطق المختلفة داخل المحافظة لإنجاح مشروعات وخطط الدولة، فما بين مهندس وعامل وخبير وصانع شارك أهالي صحاري بأسوان الجميع في البناء والتعمير، وبدورها الدولة عملت جاهدة على إنجاح مشروعاتها الناشئة هناك، بتوفير وتسخير طاقاتها من أجل قيام كلٍّ بدوره وواجبه، ومما وفرته الدولة حينها وحدات بعمارات وبلوكات، ليسكنها مهندسو وعمال المشروعات المختلفة داخل محافظة أسون منهم من تملكها؛ وفاء من الهيئات والجهات التى تؤول إليها ملكية تلك الوحدات، ومنها من ظل أصحابها يسدد بدل انتفاع كما كان الحال وقت تسلمها.

19/2/2020 كان قاطنو الوحدات التابعة للهيئة العامة لخزان أسوان على موعد مع مفاجئة لم تدُر بخلدهم، ليتبدل حالهم من حال إلى حال، إذ باغتتهم لجنة من الهيئة العامة لخزان أسوان، تدعمها قوات شرطية وأبلغوا معظم السكان أنهم جاءوا لتنفيذ أمر صادر من الهيئة، التابعة لوزارة الري، بإخلاء الوحدات كافة (عددها نحو 400 وحدة) وكان بحوزتهم أمر إداري (اطلع بعض السكان على فحواه ورفض أعضاء اللجنة إطلاع معظم السكان عليه) وظل الأمر على هذا الحال، تطرق اللجنة الأبواب على ساكني الوحدات وتبلغهم أنها جاءت لتنفيذ قرار الهيئة، وبالفعل كان هناك بعض الوحدات ما زال ساكنوها ما بين أعمالهم وقضاء مصالح أخرى لم تتمهل اللجنة لإخبارهم أ إنذارهم –حسب اتفاق رواية السكان- وقامت اللجنة بتغيير “كالونات” بعض الوحدات، ومن لم يسعفه الظرف بالوجود وقت تنفيذ القرار وحضر متأخرا رفض أعضاء اللجنة تمكينه من وحدته أو دخوله، مما دفع هؤلاء المتضريين لتحرير محاضر إدارية بقسم شرطة أسوان كون الوحدات التى وضعت الهيئة يدها عليها في غيابهم تحوي متعلقاتهم.

ليس هذا وحسب، الغريب في الأمر –كما روى الأهالي لـ”القاهرة 24″- أن الهيئة العامة للسد وخزان أسوان لم تخطرهم مسبقا بأي قرارات إخلاء، أيضا هناك العديد من التجمعات السكنية، منها ما هو في نفس المنطقة (صحاري) ومنها ما لا يفصلهم عنها سوى أمتار قامت الهيئات المسؤولة عنها بتمليكها لأصحابها وفاء لهم على من قضى نحبه منهم في التعمير والعمل بمختلف الهيئات التنموية الموجودة بالمحافظة، ناهيك بأن هناك حالات مشابهة لحالاتهم.

وزارة الرى تستهدف تأهيل الترع بمحافظات بني سويف وأسوان (صور)

كما أصدرت فيها محكمة القضاء الإداري أحكاما ضد الجهات التي تقع تحت سلطتها وحدات سكن إداري، مما يدفع لها سكانها مقابل (حق انتفاع) باستمرار أحقيتهم في استخدام الوحدات مقابل استمرار تحملهم مقابل لحق الانتفاع مع سدادا كافة رسوم المرافق نظير استخدام السكان لها في تلك الوحدات والتزامهم بأعمال الصيانة الدورية التي تحافظ على سلامة الانشاءات، خاصة أن معظم تلك الوحدات مر على إنشائها ما يربو على 40 سنة.

ملحمة مصرية بالإمارت.. تكريم مجدى يعقوب وجمع 360 مليون جنيه تبرعات لمستشفى القلب بأسوان

أهالي صحاري بأسوان يفتحون قلوبهم لـ”القاهرة 24″ 

“حروح فين أنا والولاد” بتلك الكلمات بدأت المهندسة “إ. ف” (65 سنة) حديثها لـ”القاهرة 24″ وذلك خلال شرحها لأبعاد المشكلة، وذكرت أنها قَدِمت من سكن إداري بمنطقة “كيما”، وارتضت بالسكن في منطقة صحاري، موضحة تملك سكان وحدات كيما لوحداتهم الآن، كون أغلب المشروعات القومية حينها كانت تابعة لوزارة السد العالي التي أصدر عبد الناصر مرسوما لإنشائها، بعد ذلك أصبحت كل وحدات بمنطقة تتبع هيئة أو وزارة (الري – الكهرباء –الزراعة- تنية بحيرة ناصر).

وأضافت: الغريب إن ممكن يبقى جنبي في نفس العمارة ساكن تبع الكهرباء، تملكه الهيئة وحدته وأنا جاره سنين كتير تيجي هيئة الخزان ووزارة الري تخرجني أنا وهو الجهة تقدر تعبه وشقاه وتملكه الوحدة؟ وبتوجه بمناشدتي لسيادة الرئيس السيسي: هل ده العدل ياريس؟ اعتقد إن الرئيس ما يرضهوش اللي بيحصل، الريس عمل عام للمرأة عشان تكريمها عارف إنها تعبت وشقيت كتير، وانا في السن ده اروح فين وأنا لسه عندي ولاد معايا مقيمين لا اشتغلوا ولا اتجوزوا؟!

أما الأستاذة “إ. د” فلم تكن أحفضل حالا من الآخرين، حيث إن والدتها تقطن بالوحدة، وترفض مغادرتها، وتذهب هي للاطمئنان عليها بين الحين والآخر، ويوم الواقعة فوجئت بالجيران يتصلون بها وبوالدتها يخبرونها أن اللجنة اقتحمت الوحدة وغيرت الكالون، لتسرع نحو المنزل لاستطلاع الأمر، لتفاجأ بصحة الواقعة ورفض اللجنة تمكينها من الوحدة او دخولها لجمع أغراضها، متعللين بقولهم: القرار نفذناه، مما دفعها لتحرير محضر إداري بقسم شرطة أسوان حمل رقم: 1498 لسنة 2020 لإثبات الحالة، متسائلة: الناس اللي معاها أولادها والارامل اللي أزواجهم قضوا عمرهم في تعمير المنطقة وصبروا على نقص الخدمات وبعده عن أي مستشفى وغيره من المرافق حيعملوا ايه؟ الولاد اللي في مدارس حينقلوا ازاي لمدارس وحيغيروا حياتهم في يوم وليلة، صحاري منطقة بعيد عن قلب مدينة أسوان بحوالي 15-18 كم حنغير ده بعد أكتر من 40 سنة ازاي، الهيئة ووزارة الري المفترض تعمل زي باقي الوزارات والهيئات اللي ملكت الناس بعد سنين كتير باقساط تناسب مرتباتهم ومعاشتهم وسنينهم اللي راحت عشان يعملوا حاجة للأجيال اللي جاية، ما اعتقدش إن أي مسؤول من سيادة الرئيس السيسي لوزير الري الدكتور محمد عبد العاطي يوافقوا بالكلام ده ويقبلوا أن 400 أسرة يقضوا حياتهم في الشارع بعد العمر ده.

أما المهندس “م. س” (70 سنة) فاستهل كلامه بقوله: أنا زعلي الأكبر مش على الوحدة اللي عايزين ياخدوها اللي حز في نفسي وزعلني إني حسيت إني ضيعت العمر ده كله بدون أدنى تقدير في الوقت اللي الدولة بتذلل فيه كل صعب لأرباب المعاشات وبتقدر اللي عملوه في أماكنهم ووظائفهم، بس واثق إن القرارات اللي زي كده القيادات الصغيرة المحلية هي اللي بتاخدها دون أي تفكير أو ربما فيه سر مش عارفينه أو سبب خفي؟ مستنكرا: اشمعنا العمارات ده بالذات وإحنا ملتزمين بكل شيء من الألف للياء حتى الصيانة الدورية وتجميل المنطقة وحدائقها بنعمل أغلبه بالمجهود الذاتي، مطالبا باستمرار دفع مقابل لانتفاعهم بالوحدات، أو تمليكها لهم بدفع أساط ربع أو نصف سنوية مراعاة لظروف أغلبهم.

وعانى سكان المنطقة من حملات بين الحين والآخر تطالبهم بإخلاء الوحدات دون سند من قوانين أو أحكام باتة أو أية إنذارات –حسب نص كلامهم- مع صدور عدة توصيات من مجلس الشعب الحالي، بلجنة الزراعة والري والأمن الغذائي، بتاريخ 21/11/2017 حضره مندوبون من من وزارة الري ومصلحة الكهرباء وإدارة ري محافظة أسوان (المهندس محمد علي إبراهيم)،  أوصت بإرجاء تأجيل تنفيذ أي قرارات بالإخلاء ودراسة الوزارة تمليك هذه الوحدات لقاطنيها أسوة بتمليك الوحدات الواقعة بمنطقة خزان أسوان والسد العالي ومنطقة البيارة بكوم أمبو.

وناشد السكان في نهاية لقائهم بمراسل “القاهرة 24” الأب الرئيس عبد الفتاح السيسي بالنظر إلى عمرهم الذي أفنوه لتعمير المنطقة، وصعوبة تغيير سكنهم والجهات التي يدرس بها أبناؤهم بعد هذا العمر، وكذا دخولهم التي لا تعينهم لتوفير مساكن بديلة بالأسعار الحالية، وغيرها من الاعتبارات،  وناشدوا أيضا مجلس الوزراء والجهات المعنية كافة لرفع الظلم عنهم واستمرار دفعهم مقابل انتفاع لوحداتهم،  أو تملكيها بأقساط تراعي حالتهم ومعاشاتهم.

شقيق سائق ميكروباص “حادث أسوان” يكشف مفاجأة بشأن اتهامات وزير النقل

وقد تواصل موقع “القاهرة 24” مع المتحدث الرسمي لوزارة الري والموارد المائية  السيد محمد السباعي، وأطلعناه على المشكلة بأبعادها ووعد بالرد، وسنقوم بنشر رد وزارة الري فور إرساله لنا.