الخميس 25 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الخطاب الديني وفيروس كورونا

القاهرة 24
الخميس 19/مارس/2020 - 06:49 م

أحد أهم المقومات والركائز التي يقوم عليها أي خطاب معني بالمجال العام وبشئون المجتمع بما في ذلك الخطاب الديني، تتمثل في فقه الأولويات وإدراك الواقع وعدم الانفصال عنه، وتقديم الأصول على الفروع، وتقديم الأهم على المهم، وبطبيعة الحال فإن الخطاب الديني في مجتمعاتنا العربية والإسلامية هو جزء من الخطاب العام الذي من المفترض أن يكون تعبيرا عن حاجات المجتمع وأزماته المختلفة ومدخلا لمناقشة أوضاعه وتقديم رؤية بشأنها تضمن التعاطي معها بالشكل الأمثل، خصوصا في مجتمع كالمجتمع المصري، هذا المجتمع الذي دائما ما يوصف بأنه “متدين بطبعه” في إشارة إلى موقع الخطاب الديني وتأثيره الكبير على المجتمع المصري. كان المتوقع بالنسبة لي شخصيا أن تقوم وزارة الأوقاف في مصر في ظل ما تشهده الإنسانية من تفشي فيروس “كورونا” والحالات التي ظهرت في مصر، بلعب دور محوري من خلال خطبة الجمعة الماضية في توعية الناس بخطورة الوضع والتأكيد على عدد من النقاط التي من شأنها أن تخفف من حالة الفزع التي بدأت تنتشر لدى قطاعات واسعة، وتؤكد على ضرورة وجود ثقافة وقائية واتباع تعليمات الجهات المختصة من أجل ترسيخ وعي حقيقي إزاء هذا الملف الخطير لدى المواطنين، على اعتبار أن الخطاب الديني كما ذكرنا هو جزء من الخطاب العام المعني بالقضايا الملحة والأزمات التي يشهدها المجتمع بل والعالم، وفي ضوء التأثير القوي للخطاب الديني في المجتمع المصري، لكن الحاصل أن الأوقاف وبطبيعة الحال خطباء الجمعة ضربوا عرض الحائط بفقه الأولويات، وبالأزمة التي يشهدها العالم، وبحالة الفزع التي تسيطر على قطاعات واسعة من البشر، وأخذوا يرددون على مسامعنا الخطب والكلمات التي سمعناها منذ أن وطأت أقدامنا هذه الدنيا عن “يوم الشهيد”. الحقيقة أن الحديث عن شهداء الوطن لا يجب أن ينقطع أو يتوقف وهو حديث مهم في ظل ما قدمناه ولازلنا نقدمه من شهداء “بعيدا عن ما يعتري هذا الحديث من أزمات متعلقة بالتكرار والشعارات الرنانة والخلو من أي مضمون مفيد أو يتسم بالنضج والتجديد”، إلا أن حالة الطوارئ التي أعلنها العالم ككل بما في ذلك مصر ضد فيروس كورونا من جانب، ومن جانب آخر ظهور بعض الأفكار الشاذة المتشددة الغير ناضجة التي تروج لأفكار تعادي الرحمة والانسانية والعقل والمنطق والتي تقول بأن كورونا ما هو إلا جند من جنود الله سلطه الله على البشر ليريهم عجائب قدرته، كان يقتضي من الأوقاف القيام “بدورها” الطبيعي على محورين: أولا- باعتبارها أحد الأدوات الفعالة توعويا في استراتيجية الدولة، كان المفترض أن تؤكد على ضرورة وجود ثقافة صحية وقائية لدى المواطنين. ثانيا- في إطار الحرب على الأفكار المتطرفة الناقمة على الانسانية، كان المفترض أن تشير إلى هذه الروايات الشاذة وتدحضها وتبين جهالة القائلين بها. سلطت أزمة كورونا الضوء على أزمة كبيرة تتعلق بالخطاب الديني، وهي أزمة الانفصال عن الواقع وعدم إدراكه، والحقيقة أن مهمة أي خطاب في أساسه معني بالشأن العام ليست القبض على التاريخ وقضاياه، وتكرار حزمة من الكلمات والقضايا التي أتقنها الناس نظرا لتكرارها، لكن المهمة الرئيسية تكمن في ملامسة الواقع والتوعية بالطرق المثلى للتعاطي مع هذا الواقع المأزوم وتقويمه والنهوض به، وقد استرعى انتباهي في هذا السياق صورة متداولة منذ الأمس لطبيب فلسطيني في الأراضي المحتلة، ألقى خطبة الجمعة الماضية بدلا من الخطيب وقام بتوعية الناس بطرق الوقاية من فيروس كورونا وأكد على مجموعة مهمة من المفاهيم في هذا الصدد، أحسب أن هذا الطبيب والخطيب الذي رتب معه هذا الأمر قمة في الوعي بمقاصد الخطاب الديني ودوره في أوقات الأزمات، فالفكرة تكمن في المقصد من الخطاب الديني والانتقال بهذا الخطاب من فلسفة “الموت” إلى فلسفة “الحياة” ومنها إلى فلسفة “الإحياء” وهي الإشكالية المحورية التي نحتاج أن نوجه جهود تصويب الخطاب الديني إزاءها، وأذكر أن هذه الفكرة كانت قد طرحت من قبل أحد علماء الأزهر البارزين في أحد الجلسات الحوارية المرتبطة بقضية تجديد الخطاب الديني ولاقت قبولا وترحيبا كبيرا من حضور متنوع ما بين باحثين ومفكرين وعلماء وكتاب.

تابع مواقعنا