الأربعاء 24 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

حسام السويفى يحاور عبد الرحيم الليبي أشهر متهمى حادث الواحات داخل “حبسخانة” النيابة (خاص)

القاهرة 24
سياسة
الجمعة 17/أبريل/2020 - 08:58 م

بينما كنا نقف في صفوفٍ متراصة استعدادًا لأداء صلاة الظهر داخل حبسخانة نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس، التي كانت تضم بين جدرانها عددًا من المحبوسين احتياطيًّا على ذمة قضايا متنوعة، لفت انتباهي أحد المتهمين يجلس منزويا على نفسه، واضعًا رأسه على ركبتيه، متخذًا ركنًا من أركان الغرفة الواسعة كمتكيء له، رافضًا الاصطفاف بجوارنا لإقامة الصلاة.. وظل يرمقنا بين الحين والآخر بنظراتٍ ثاقبةٍ تفصح عن امتعاضه للمصلين.

ازدادت حيرتي ودفعتني غريزة الصحفي إلى معرفة أسباب رفضه الصلاة بجوارنا، رغم مظهره الدال على التدين الظاهري، فلحيته تكسو وجهه النحيل، بشكل عبثي، وتعلو جبهته علامة الصلاة التي تؤكد حرص ودأب صاحبها على أدائها.

مرَّ الوقت وانتصف عقارب الساعة لدى أحدهم عند الثالثة عصرا، ليؤذن أحد المتهمين معلنًا إقامة الصلاة، فاصطف الجميع لأدائها، إلا ذلك الشخص، مكررًا نفس فعلته بعدم أداء صلاة الظهر معنا قبلها، الأمر الذي دفعني لمتابعته والاقتراب منه بعدما وجدت الكثير من المتهمين يتراصون حوله، في مشهدٍ حمل دلالاتٍ توحي بمدى أهمية تلك الشخصية.

 ثوان معدودة كانت كافية لإزالة حيرتي وفضولي، خاصةً بعدما علمتُ أن ذلك الرجل هو “عبد الرحيم المسماري”، الشهير بعبد الرحيم الليبي، أحد المتهمين الرئيسيين في حادثة مجزرة الواحات الشهيرة التي وقعت في سبتمبر 2017، وراح ضحيتها 16 شهيدًا من قوات الأمن، وأصيب 13 آخرون، كما اشترك في اختطاف الضابط محمد الحايس، قبل تحريره من قوات الأمن، الجرائم التي كانت كفيلة بصدور حكم الإعدام ضده.

اقتربتُ منه وجلست إليه لاستمع إلى ما يقوله للمتحدثين معه، وفجأة تداخلت الأسئلة فاحتلت علامات الاستفهام خلايا تفكيري، وألقت بفروعها فأدت كثرتها إلى حدوث ارتباك، كاد أن يصاحبه خلل من حيث الأداء المهني في إجراء حوار مستوفي الشروط والقواعد المهنية مع شخصيةٍ تكفيريةٍ إرهابيةٍ مثله، خاصةٍ وأن الأجواء المصاحبة لإجراء الحوار، جاءت في مكان وزمان لا يصلحان لترتيب الأفكار وطرح الأسئلة وصياغة العبارات بشكل احترافي، إلا أنه ورغم كل ذلك، حاولت قدر المستطاع انتزاع إجابات أسهمت في حل بعض الألغاز، وأدت إلى فك الكثير من شفرات الحادث، ولم يكن إجراء ذلك الحوار بالأمر اليسير، مع عقلية مغتربة ومنفصلة تمامًا عن حاضرنا، وتعيش في عالم موازٍ آخر، بحيث إنه كلما حاول إحياء وبعث الماضي، يصطدم بمدى التغيير الجذري، الذي يكتشفه تباعا من خلال حديثي معه.

عبد الرحيم المسماري
عبد الرحيم المسماري

ولم أكن لأدع المصادفة التي جمعتني معه داخل مقر الاحتجاز تمر، دون الاستماتة في إجراء هذا الحوار، فشخصيةٌ مثل هذه، هي جزء من محور اهتمامي في عملي الصحفي الممتد لنحو 18 عاما، تخصصت خلالها في متابعة ملف الإسلام السياسي والجماعات الأصولية والتكفيرية.

ولم يمنعي ارتداء ملابس السجن البيضاء التي يطلق عليها السجناء مصطلح “السترة”، ولا تواجدي داخل مقر نيابة أمن الدولة للتحقيق معي، ولا الزحام الناتج عن عشرات المتهمين المتراصين بجوار بعضهم داخل الحبس خانة، لم يمنعني كل ذلك من محاولتي إجراء حوار قد يكون منقوصا من وجهة نظري المهنية لتلك الأسباب التي ذكرتها سالفا، فضلا عن تكفيري من المتحاور معه؛ وهي الأجواء التي لم تمكنني من معرفة كل التفاصيل، وإن كنت جاهدت في الكشف عن أهمها.

وما بين محاولتي مواجهته بالتفكير، وإصراره على اتهامي بالتكفير، كان لي هذا الحوار معه متناسيا ملابس السجن البيضاء التي كنت أرتديها متهمًا، ومحاولًا التحرر من السجن وأصفاده وقضبانه، في محاولة مني للعودة ولو لدقائق محدودة، صحفيا كما كنت قبيل حبسي.

 

وكان لي هذا الحوار معه:

بدأ عبد الرحيم المسماري حديثه حينما وجهت سؤالا له عن أسباب تسلله إلى مصر، رغم كونه يحمل الجنسية الليبية، للقيام بعمليات إرهابية ضد ضباط وجنود القوات المسلحة والشرطة والأقباط قيبل إلقاء القبض عليه.. فكان رده أنه يجب علي كل مسلم الجهاد ضد “الطواغيت” -على حد وصفه- ومن لم يفعل ذلك فهو ليس مسلمًا، ومن المعروف أن إسقاط النظام المصري يعني سهولة السيطرة على باقي دول المنطقة العربية، كما أن الإسلام لا يعترف بتلك الحدود التي فرضها الغرب على الدول العربية .. فسألته ومن هم الطواغيت؟ فأجاب: الطاغوت هو كل شخص في السلطة لا يطبق شرع الله ويستبدله بالقوانين الوضعية.. فقاطعته: أتقصد تطبيق الحاكمية التي نادي بها سيد قطب في ستينيات القرن الماضي عبر كتابه “معالم في الطريق؟”.

فشعرت أنه لم ينتبه لسؤالي وأكمل منفعلًا: الجهاد ليس فرض كفاية حتى يكون بعض الناس فقط ملزمون بتطبيقه، ولكنه فرض عين يقع عبء تطبيقه على جميع المسلمين، ومن ينكر ذلك فهو كافر لأنه ينكر ما جاء ثابتًا قولُا وفعلًا ونصًّا من القرآن والسنة، ولذلك يجب تطبيق شرع الله في كل أمور حياتنا.

 

عُدت لأسأله وهل يستحل قتل مسلم لأخيه المسلم لمجرد خلاف فكري أو فقهي أو سياسي؟

فأجاب متهكما: ولماذا يقبل أي شخص العمل مع تلك السلطة، إلا لو كان موافقًا موافقةً ضمنيةً على أفعالها وحكمها البعيد عن شرع الله، ولذلك فإن من يعمل مع تلك السلطة هو كافر ومن الطواغيت، ويجب الجهاد ضده.. فقلت له: وإذا لم يقتنع الناس بذلك ولم يجاهدوا السلطة وضباطها كما تطالبهم فهل يكونوا آثمين في نظرك ؟.. فأجاب دون تردد وبلهجة حازمة: “بل يكونوا قد كفروا لإنكارهم فرض الجهاد الذي نادى به القرآن والسنة”. 

عبد الرحيم المسمارى

 

حاولتُ الابتعاد عن الحديث عن التكفير فسألته: كيف استطعتَ النجاة أنت والضابط محمد الحايس المختطف لديكم، رغم أنه لم ينج أحد من التنظيم بعد الضربات الأمنية لمكان تمركزكم في الواحات؟.. فأجابني: لانني قفزت من السيارة التي كانت تقودنا أنا والحايس، قبل أن تطلق القوات الأمنية الطلقات تجاه السيارة، وهي لا تعرف من بداخلها، وحينما وجدنا أنفسنا على الأرض، ونجونا من الانفجار الذي دمر السيارة، قامت القوات الأمنية بإلقاء القبض علي، ونقلت الحايس إلى السيارات التابعة لها لمحاولة إنقاذه.

لم يجبرني أحد على أي كلمة قلتها في حواري مع عماد الدين أديب 

حاول أحد المتهمين المستمعين للحوار التدخل بأسئلة بعيدة عن محل النقاش، ففكرت في حيلة للاستئثار بالحوار منفردا معه، بعيدَا عن المداخلات بالتعقيب تارة والأسئلة الموجهة إليه منهم تارة أخرى، فبادرته بسؤالٍ لفت انتباهه فقلت: شاهدت حوارك مع الإعلامي عماد الدين أديب قبيل حبسي بشهرين، ومازلت اتذكر جملةً ما زالت تتردد في ذهني حتى الآن، وهي قولك بأن الرسول قتل أعمامه، في محاولة منك لتبرير العمليات الإرهابية التي تقوم بها.. فأجابني منفعلا: لم أقل إن الرسول قتل أعمامه، ولكني قلت إن الرسول قاتل أعمامه.. فسألته: وما الفارق بين المصطلحين؟.. فقال: إن مصطلح “قاتل” يعني الجهاد ضد الكفار، أما مصطلح “قتل أعمامه” فمعناه إزهاق روحهم، فقلت له: أنت تحاول فقط تخفيف أثر المعنى الذي قلته، رغم أن المصطلحين لهما نفس الدلالة ونتيجتهما واحدة، فحينما يقاتل شخص آخر، فإن النتيجة المحتملة هي قتله وإزهاق روحه، وليس هناك من ضمانة لعدم إزهاق الروح عند القتال.. لم يمهلني فرصة إكمال حديثي، ورمقني بنظرة دلت على امتعاضه لي ومن إجابتي غير المقنعة بالنسبة له، فحاولت تخفيف حدة الجدال وفك الإشكالية الناتجة عن اختلاف وجهات النظر، وجاهدت نفسي لاستخلص منه مزيدا من المعلومات التي اعتبرتها كَنزا وانفرادا صحفيا، فقلت له: وهل كان الحوار بينك وبين “أديب” متفق عليه بينكما من حيث تحديد إجابات معينة ترددها حينها؟ وهل حاول أحد أن يملي عليك ما قلته خلال الحوار؟.. فقاطعني جازما بأن كل ما قاله هو ما يعتقده من أفكار، ولم يتدخل أحد لإجباره على أي شيء، بل أن أحدا لم يحدد له نقاطا بعينها للحديث عنها، فكان حديثه حينذاك نابعا عن أفكاره ومعتقداته التي يؤمن بها.

أنا لا أعرف عقيدتكم حتى أشارككم في الصلاة فقد تكونوا من الطواغيت

فاجأة تذكرت أهم سؤال كان يطاردني منذ أن رأيته داخل الحبسخانة، فسألته: لماذا لم تصلِ معنا صلاتي الظهر والعصر، واكتفيت بالنظر إلينا ماقتًا كارهًا وأنت تتمتم بعبارات غير مفهومة ؟.. فجاءت الإجابة الصادمة: أنا لا أعرفكم ولا أعرف عقيدتكم وأفكاركم حتى أشارككم في الصلاة، فقد يكون من بينكم من يظنون أنفسهم مسلمين، وهم من الطواغيت والكفار أو يرفضون الجهاد ضدهم مثلك.. قلت له ولماذا تتهمني بالكفر ؟.. فقال لي: يكفي أنك تعلنها جهارة، بأنك ضد الجهاد ضد الطواغيت.

 

حاولت تمالك أعصابي بعد اتهامه لي بالكفر لأحاول استكمال الحوار، لكن لم استطع كظم غيظي، فنهرته قائلا: أمثالك فقط هم البعيدون كل البعد عن صحيح الإسلام، ولم يمنعني من الاشتباك معه بعد تكفيري، إلا صوت أحد أفراد الأمن الذي صاح مناديًا اسمي لحضور الجلسة.

تابع مواقعنا