السبت 27 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

يارب تبارك وتزيده.. حكايات حصاد “القمح” الذهب الأصفر في زمن كورونا (صور)

القاهرة 24
تقارير وتحقيقات
السبت 18/أبريل/2020 - 01:52 م

“الليلة ليلة عيده يا رب تبارك وتزيده يارب تبارك وتزيده”، يردد محمد سالم مزارع فيومي وآخرون يعملون إلى جواره هذه الكلمات، مع ابتسامات تغلب على وجوههم وضحكات تتعالى بين زوجاتهم وأطفالهم، فرحة ينتظرها سالم ووأسرته  كل عام منذ أكثر من 15 عام يوم أن ورث هذه الأرض عن والده.

يعزف الأطفال وتغني النساء وينشد الرجال بأصوات تتآلف جميعها في نغمة واحدة وكلمات حماسية “لولى ومشبك على عوده و الدنيا وجودها من وجوده عمره ما يخلف مواعيده يا رب تبارك و تزيده”، يستمرون في الغناء والطرب وأيضا العمل والحصاد في أيام يعتبرها فلاحو مصر هي عيدهم.

أشهر طويلة قضاها المزارع محمد سالم في حقله الزراعي بمحصول القمح، حرثه وجهزه للزراعة واشترى تقاوي القمح حسب المحافظة التي يعيش فيها، ثم واصل عمله بالري والتسميد ورش مبيدات الحشائش الضارة، حتى وصل إلى يوم عيده وفرحته هو وأسرته القاطنة في محافظة الفيوم بمركز يوسف الصديق، متجاهلا الأخبار المتعلقة بفيروس كورونا المستجد.

كان محمد سالم المزارع الأربيعي من ضمن عشرات المزارعين الذين افتتحوا موسم حصاد القمح هذا العام، بأغاني متاورثة ينشدونها كل عام مع أول سيقان قمح يتم حصادها بأياد خشنة يملكها مزارعون يعملون دون كلل رغم كل ظروفهم الحياتية، وما مروا به على مدار عام كامل من معاناة في الري والتسميد والمبيدات المغشوشة.

الغناء ما زال مستمر، حر الشمس تزيد مع مرور ساعات الصباح، وقت الضحى يقتحم لحظات الندى ثم الظهر، تأتي وجبات طازجة من المنازل يحملها الأطفال من “المش والفطير والعسل”، راحة أقل من ساعة ثم يستمر الحصاد، التعب يسطير على الجميع مع تعامد الشمس على رؤوس الجميع، ومع الساعة الوحدة تأتي فترة راحة الظهرية، مع اتفاق للعودة إلى العمل قبل أذان العصر.

وتحولت مصر خلال السنوات الماضية من سلة غذاء العالم لأكبر مستورد قمح في العالم، فعلى الرغم من مساحات القمح التي تُزرع سنويا والتي بلغت هذا العام 3 ملايين و400 ألف فدان، إلا أن مصر تستورد كميات من القمح أكبر من تلك التي تنتجها.

وحسب آخر إحصائية صادرة عن الحجر الزراعي المصري التابع لوزارة الزراعة، فإن مصر استوردت ما يقرب من 13 مليون طن خلال العام الماضي 2019، مقارنة بإنتاج يصل وربما يزيد عن 9 ملايين طن سنويا، ما يمثل فجوة غذائية تزيد عن نصف الاحتياجات، بسبب الزيادة السكانية الكبيرة وثبات وحدة المساحة.

عاد سالم والعاملين الذي يتقاضى الواحد منهم أكثر من 150  جنيه يوميته في الحصاد، استمر العمل على غروب الشمس، جهزوا المحصول في “أجران” كما يطلقون بعد جمعه في صورة حزم مربوطة بخيوط بيضاء رفيعه جهزها “سالم” منذ أكثر من شهر استعداد للحصاد، لينتهي عمل أول يوم من عيد سالم وأسرته في حصاد محصول كثيرا من حلم به في لياليه التي كان يشعر فيها بالأرق والإرهاق بعد عمل يوم كامل في حقله.

ويعاني مزارعون في مصر من انخفاض أسعار التوريد التي تعلنها الحكومة لأردب القمح، لكن هذا العام تقبلوا السعر الذي أعلنت عنه الحكومة والبالغ 700 جنيه للأردب فرز 23.5 وهو أعلى درجة نقاوة من القمح، بينما الدرجات الأقل بمقدار درجة أو اثنين ينخفض سعر الأردب منها بمقدار 20 جنيه، وهو ما أكده سالم “كنا نأمل في أن يكون السعر 800 جنيه، المزارع هيفرح والخير هيزيد بدل ما بنستورد القمح اللي جودته أقل وسعره أعلى من المصري”.

منذ انتهاء سالم من الحصاد مرت 4 أيام عمل فيهم على متابعة “جرن” القمح في أرض الزراعية التي تبعد مسافة لا تزيد عن كيلو متر من منزله، ليجهز للمرحلة التالية من العمل وهي “الدريس”، موضحا أن متوسط إنتاجية القمح تبلغ حوالي 18 أردب للفدان، لكن إنتاجية في بعض الأحيان تصل إلى 22 أردب وتنخفض إلى 12 أردب حسب الصنف والموقع والظروف المناخية.

اتفق سالم كغيره من المزارعين على أن يحصل صاحب ماكينة دراسة القمح المعروفة باسم “الدراسة”، على “كيلة” من القمح على كل أردب ينتج من عملية الدراس، بعد أن خيره بين الدفع مقابل كل ساعة عمل أو أن يأخذ “كيلة” قمح مقابل كل أردب، لكنه اختار في النهاية ألا يدفع أموالا بل أيضا قمح.

وعلى مدار 3 مواسم ماضية كان هذا الموسم أشرسهم، عانى سالم وآلاف المزارعين في مصر أزمة كبيرة بسبب ظروف الطقس السيئة الناتجة عن التغير المناخي الذي تزيد ضراوته كل عام، تسبب في “رقاد” القمح، وتلف الكثير من الحقول الزراعية، في موجهات الأمطار الغزيزة والسيول.

وهذه التحديات دفعت مركز البحوث الزراعية متمثلا في معهد المحاصيل الحقلية في وضع خطة استراتيجية لاستنباط أصناف عالية الإنتاجية ومقاومة للأمراض والتغيرات المناخية والآفات، ما يحقق خطة الدولة في تقليص الفجوة بين الإنتاج والاستيراد والاستهلاك، حسب ما أكد الدكتور علاء خليل مدير المعهد.

زرع سالم ثم حصد ثم درس وأنتج، أعد عربية “الكاروا” التي يجرها الحمار نفسه منذ 5 سنوات حتى حفظ الطريق من الأرض إلى المنزل، يحمل سالم أجولة القمح يعاونه عاملون وأفراد أسرته على عربية الكارو، يحكم ربطهم بالحبال، ثم يجر الحمار إلى المنزل، ويضع محصوله في غرفة مخصصة لإنتاج أرضه، منتظرا توريد القمح إلى صوامع التموين.

تابع مواقعنا