الثلاثاء 07 مايو 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الدكتور إمام حسنين يكتب: إرهاب القانون في مواجهة إصلاح التربية والتعليم

القاهرة 24
تقارير وتحقيقات
الجمعة 24/أبريل/2020 - 05:06 م

تعلمنا ونعلِّم طلابنا في كليات القانون (الحقوق) في أول سنة دراسية لهم، أن القانون هو مجموعة قواعد تنظِّم سلوك الأفراد داخل المجتمع ويلتزم بها الجميع، ومن يخرج عليها يوقع عليه جزاء يقرره القانون ذاته، وتحكم به المحاكم وَفق إجراءات حددها القانون.

والقانون نشأ مع نشأة المجتمعات البشرية لينظم سلوكياتها، والبشر يضعون ما يناسبهم من قواعد تحكمهم، ولذلك فإن القواعد القانونية، لا بد أن تعكس وتعبر عن المجتمع الذي تطبق فيه، ومن ثم تختلف القواعد القانونية من مجتمع لآخر ومن زمن إلى زمن آخر، ولا يمكن أن يكون القانون عائقا في سبيل تطور المجتمعات أو تنفيذ السياسات أو وضع الخطط اللازمة للنهوض بالمجتمع وتطوره، وإذا تعارضت الأخيرة معه فيجب تعديل القانون وليس السياسات، ومن ثم فالسياسات تصاغ أولا ثم يوضع لها الإطار القانوني الذي يمكن من تنفيذها وفق رؤية السلطات المعنية داخل الدولة، ووفق الإجراءات التي يحددها الدستور.

وقد انتهجت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، سياسة إصلاحية لمنظومة التعليم المصري الذي ظل يعاني طيلة عقود من مشكلات أساسية عكفت العديد من المراكز والمؤسسات والهيئات البحثية المتخصصة علي دراستها وتحليلها واقتراح الحلول المناسبة لها (المجالس القومية المتخصصة، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، المركز القومي للبحوث التربوية، المركز القومي للتقويم التربوي والامتحانات، فضلا عن الجامعات وكليات التربية ومئات البحوث التربوية المتخصصة)، وتمثلت أهم تلك المشكلات في تكدس الفصول الذي يزيد عاما بعد عام، بسبب الزيادة السكانية المضطردة، وضعف أداء بعض المعلمين في الفصول، وعزوف الطلاب عن الحضور للمدارس، ومن ثم استشراء الدروس الخصوصية كبديل شعبي موثوق للتفوق، ليس فقط في الشهادات العامة، ولكن في سنوات النقل كذلك، فضلا عن المشكلات المتعلقة بالمناهج الدراسية وخطط التدريس ومخرجات العملية التعليمية، وبعيدا عن أولويات الإصلاح في تلك المشكلات والتي قد نختلف حولها، فقد بدأت الدولة فعلا في تطبيق خطة إصلاحية منذ أكثر من عامين مطبَّقة حاليا حتى الصف الثاني الابتدائي بمرحلة التعليم الأساسي، وعلي الصفين الأول والثاني الثانوي.

وجاءت جائحة فيروس كورونا لتزلزل عروش أباطرة المستفيدين من عوار المنظومة القديمة التي بدأت الوزارة في تفكيكها على مراحل، واعتبرت الوزارة أن ما تفرضه إجراءات مكافحة هذا الفيروس من تباعد اجتماعي وحجر صحى إجباري في المنازل، فرصة لتطبيق خططها المؤجلة من استخدام منظومة التعليم عن بعد، والتي لم تلق نجاحا بالنظر إلى ضعف البنية التكنولوجية بشكل عام، وارتفاع تكلفتها على أولياء الأمور وضعف التأهيل اللازم للمدرسين على استخدامها، فقررت وقف العام الدراسي حتى 15 مارس فقط؛ وهو آخر يوم في التدريس المباشر في المدارس.

وحيث إن قانون التعليم يلزم وزير التعليم بضرورة إجراء تقييم للطلاب للنقل من سنة إلى أخرى، ولم يحدد القانون طبيعة هذا التقييم فيما إذا كان اختبارا أو تكليفا بعمل دراسي (بحث)، وما إذا كان التقييم يتم ورقيا أو إلكترونيا، وترك ذلك لقرار يصدر من وزير التربية والتعليم ينظم ماهية وإجراءات وقواعد هذا التقييم، فقررت الوزارة أن يتم تقييم الطلاب في الصفوف من الثالث الابتدائي حتى الثالث الإعدادي بعمل بحث واحد محدد العناصر التي تشمل المواد الدراسية الأساسية (الدراسات الاجتماعية، العلوم، اللغة العربية، الرياضيات، اللغة الإنجليزية)، وفي تواصل غير مسبوق خرج وزير التربية والتعليم في فيديوهات مصورة بنفسه ليبين قواعد وإجراءات وشكل تلك البحوث ومصادر المعلومات فيها، مؤكدا أن جميع الطلاب الذين يقدمون الأبحاث يعتبروا ناجحين ومنقولين للصف الأعلى بالعلامة الكاملة للتيرم الثاني، للحفاظ علي مبدأ تكافؤ الفرص، وحدد فترة زمنية لتقديم البحوث خلالها، وطريقة رفعها على المنصة الإلكترونية بشكل واضح ودقيق.

إلا أن البعض أبى أن تمر هذه الأمور بسلام وبشكل ميسر على أبنائنا الطلاب، فنصَّب نفسه متحدثا بلسان الطلاب على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التي تضاعفت أعداد مستخدميها، في ضوء الحظر المفروض علي الجميع بالبقاء في المنزل، وخرجت الانتقادات من عالمها الافتراضي إلى الواقع العملي، حيث تفتق الذهن عن استغلال تلك الموجة الافتراضية من عدم رضا البعض (اللذين لا يمثلون السواد الأعظم من أولياء الأمور) عن هذا البديل (البحث) من خلال استخدام القانون وما وفره من حرية اللجوء للمحاكم، ورأى في ذلك فرصة لتحقيق الشهرة أو مكاسب سياسية على حساب اللعب بمشاعر بعض أولياء الأمور اللذين لم يكلفوا أنفسهم عناء ترك الفرصة أمام أبنائهم للمحاولة في كتابة البحث، فراح يروج لمخالفة القرارات الوزارية للقانون ويهدد بحبس وزير التعليم لامتناعه عن تنفيذ أحكام القانون، ملوحا في فيديو مصور بالنصوص القانونية، وكأنها سيف مسلط لتعوق حركة الإصلاح ومهدد ومسترهب كل من انخرط في تلك المنظومة.

وأعد صحيفة دعوى قضائية لإلغاء القرار الإداري الصادر من وزير التعليم باستبدال البحوث بالاختبارات، مطالبا بإلغاء قرار الوزير واعتماد نجاح الطلاب جميعا في التيرم الثاني دون تقييم بالنظر إلى ما تمر به البلاد من ظروف استثنائية، فضلًا عما حملته الصحيفة من وصف الوزير بالإجرام واستحقاق العقاب، كما لم تخل من بعض العبارات التي تلعب على مشاعر البسطاء من الناس وتعمد إلى استغلالها لتحقيق أهداف خبيثة، الله وحده يعلم بكنهها. وعلى الرغم من أن قيد صحيفة الدعوى القضائية في قلم كتاب المحكمة لا يعني أبدا أنها مقبولة، بل لم يتم بعد تحديد موعد لنظرها، بالرغم من أن موعد تقديم البحوث قارب على الانتهاء، إلا أن الفرحة العارمة التي عكسها رافع الدعوى من مجرد قيدها تدعو للتساؤل، بل وتثير القلق، خاصة عندما يفتخر بزيادة أعداد متابعيه علي وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم مما تعكسه الصحيفة من ضعف حجتها وقلة أسانيدها وحيلتها وهوانها على المحاكم بمختلف درجاتها.

وبعيدا عن ذلك أو توضيح بعض الأمور التي قد لا تخفى على المتمرسين في العمل القانوني ولا عن فطنة الغالبية العظمى من أولياء الأمور؛ وهي أن استبدال البحوث بالاختبارات هو إعمال صحيح لحكم القانون رقم 139 لسنة 1981 بشأن تنظيم التعليم؛ حيث استخدم الوزير صلاحياته في المادة 18 لوضع نظام التقييم في ضوء الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم، وهذ ما انتهجته العديد من دول العالم المتقدم والكثير من الجهات الدولية التي تمنح الشهادات الدولية مثل كامبردج والدبلومة الأمريكية في العديد من الدول؛ حيث تطلبت أعمالا صفية للطلاب لإثبات جدارتهم الأكاديمية، بل إن الوزير لو كان قد اعتبر جميع الطلاب ناجحين دون إجراء أي نوع من التقييم، لكان في ذلك مخالفة صريحة لنص المادة 18 التي تتطلب صراحة مثل هذا التقييم، وهنا كان الأمر يتطلب تعديلا تشريعيا لهذه المادة لاعتماد نتيجة التيرم الأول كنتيجة نهائية للعام.

أما وصف الوزير في صحيفة الدعوى بالإجرام، فهو بالإضافة لكونه يتضمن سبًّا وقذفًا في حقه، إلا أنه غير قانوني، حيث إن جريمة الامتناع عن تنفيذ أحكام القانون المستوجبة للعقاب في قانون العقوبات المصري تستلزم صدور حكم قضائي ملزم بالتنفيذ؛ ذلك أن نصوص القانون غير قابلة للتطبيق بذاتها لأن هناك فارقا بين نص القانون الذي هو العبارات التي ورد فيها، وبين حكم القانون وهو السلوك أو الإجراء الذي يتطلب القانون اتخاذه، والذي يعد الامتناع عن تنفيذه جريمة ويستلزم ثبوت هذا التنفيذ ووجوبه صدور حكم قضائي بات يحمل الصيغة التنفيذية، وهو ما لم يتحقق في الحالة المعروضة. أما عن غاية القرار الإداري، وما ورد فيها من تعسف الوزير في استعمال السلطة وإساءة استخدامها، فإنه لا دليل عليه؛ حيث إن إجراء التقييم بهذا الشكل هو الطريق الوحيد والصحيح للتوافق مع أحكام القانون، في حين أن عدم إجراء أي نوع من التقييم، فيه مخالفة صارخة لنصوص القانون القائم والمطبق.

فلا يجوز اللجوء للقانون لإرهاب يد الإصلاح والتطوير، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها، فتلك سياسات وخطط وبرامج ساحاتها الأساسية هي المؤسسات والهيئات التشريعية والنقابية والحزبية والأهلية، من خلال طرح رؤى وبدائل مناسبة، وليس الاستناد لسيف القانون وإشهاره والتهديد به للنيل من تلك السياسات والخطط والبرامج، أو استغلال أحلام البسطاء في إنهاء العام الدراسي دون أي تكلفة إضافية، بالنظر لما يعانون منه من آثار ضارة، جراء ما سببته تلك الجائحة التي نسأل الله أن يرفعها مع قدوم الشهر الكريم.

تابع مواقعنا