الخميس 25 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

التجديد في مواجهة التأصيل الفقهي للدم

القاهرة 24
السبت 09/مايو/2020 - 01:39 ص

في كل مرة يقع حادث إرهابي، تطفو على السطح مسألة ضرورة الإصلاح الديني، التي تحدث  عنها الرئيس  عبد الفتاح السيسي، وطالب بها المؤسسة الدينية من أكثر مرة. فقد خاطب الرئيس رجال الدين في مطلع 2015 قائلاً ” والله سأحاجيكم يوم القيامة أمام الله” عن مسئوليتهم في تجديد الخطاب الديني.، قاصداَ عن تقصيرهم في مواجهة فكر التكفيريين،  والتخاذل عن أخذ مسألة الإصلاح الديني على محمل التنفيذ”.

الواقع يشير إلى أن أجهزة الدولة متمثلة في الجيش والشرطة تواجهه الجماعات التكفيرية أمنياً، وتجفف منابع التمويل المتدفقة لهم، عن طريق غسيل الأموال، وغيره من الطرق غير المشروعة. فإذا كانت تلك الأجهزة تحارب التكفيريين على الأرض، وتتحمل تكلفة بشرية لا تعوض ومادية باهظة، فهل المؤسسات المتخصصة في مكافحة الفكر المتطرف ومنابعه، قامت بدورها الذي يحد من تمدد الظاهرة التكفيرية في مصر والعالم؟.

في الحقيقة، لقد قامت المؤسسة الدينية في مصر بجهود كبيرة لمجابهة الأفكار التكفيرية، والرد على الشبهات حول التأصيل الفقهي الذي تستخدمه تلك الجماعات التكفيرية لتبرير جرائمها الدموية، من خلال تدشين المرصد العالمي للفتاوى الإلكترونية، حيث حمل المرصد شعار تصحيح المفاهيم الدينية، وكشف الجماعات المتطرفة. كما أطلقت المؤسسة الدينية في مصر العديدة من القوافل الدعوية في المحافظات المصرية، لتوعية المواطن المصري ضد خطر الإرهاب.

فعلي الرغم من الجهود المذكورة سابقاً، وغيرها في نفس السياق، فإن الأعمال الإجرامية لتلك الجماعات لم تتوقف، والأكثر من هذا لا زالت أفكارهم المتطرفة تملأ عقول الكثيرين في المجتمع، لدرجة أن هناك شرائح غير قليلة في المجتمع المصري والعربي والإسلامي مليئة بمشاريع تكفيرية، لم تحن لهم الفرصة للقيام فأعمال إرهابية، يأتي هذا كنتيجة منطقية لانتشار الفكر الوهابي في المجتمع، علي يد الجماعات السلفية والإخوان المسلمين، وترك المنابر والشاشات لهذه الجماعات لأكثر من خمسة عقود.

إنطلاقا من هذا أستطيع القول، أن كل الجهود التي بذلت في هذا الإطار لم تكن كافية على الإطلاق، فالمنبع الفكري الحقيقي للجماعات التكفيرية، يتمثل في بعض ما تحتويه كتب التراث وعلى رأسهم كتاب “الفتاوى الكبرى لابن تيمية”، وخطورة هذا الكتاب أن كتاب “الفريضة الغائبة” لمنظر جماعة الجهاد “محمد عبد السلام فرج”، يعد نقل حرفي للجزء الرابع من باب الجهاد في كتاب “الفتاوى الكبرى لابن تيمية”، والأساس الفكري للجماعة الإسلامية، وجماعة الشوقيين وغيرهم ، كما جاء في أقوال عادل عبد الباقي، الذي كان يعمل منظراَ لهذه الجماعات ثم أعلن توبته.

فكتب أبو الأعلى المودودي جاءت نتيجة لكتب “ابن تيمية” وصولا إلي كتاب معالم في الطريق لسيد قطب، الذي يعد أجزاء من فتاوى ابن تيمية، حيث بلغت فتاوى ابن تيمية أبعد درجات التوسع في التكفير والحكم بالقتل، حيث أصبحت العبارة الشهيرة له “يستتاب..فإن تاب وإلا قتل” ، علامة تتميز بها  “ابن تيمية” وتتناقلها وتستند عليها الجماعات التكفيرية، وصولاَ إلي تنظيم داعش الذي يتموقع  في أقصي درجات العنف.

تفصيلاً لما سبق؛ فقد حفلت كتب ابن تيمية بالكثير من الفتاوى الباطلة، التي تخالف صراحةً القرآن الكريم، والسنة الصحيحة المتوافقة مع أحكامه، وتصل فتاوى ابن تيمية التي زيلت بعبارة “يستتاب ..فإن تاب وإلا قتل” إلي 483 فتوى، كلها تمثل دعوي صريحة إلي تكفير وقتل المسلم بالمعصية، أو حتى لاختلاف المنهج، واستباحة دماء كل المذاهب والطوائف وفضلاَ عن استباحة دماء غير المسلمين.

وإليكم بعض الأمثلة علي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، الحكم بقتل من يؤدي الصلاة ولكنه يجهر بالنية في صلاته، بدعوي أنه بذلك يشوش على من حوله، وكذلك قتل المسلم الذي لا يصلي الجماعة في المسجد، وقتل المسلم الذي يؤخر صلاة الفجر إلي ما بعد طلوع الشمس، والفتوى بقتل المسلم لمجرد أنه يخالفه في بعض الآراء الفقهية، كصيام المسافر في رمضان وقصر الصلاة في السفر، أخيراً يفتح الشيخ باب القتل علي مصراعيه، بالحكم بقتل أي مسلم بالشبهات، وبمجرد اتهامه بأنه منافق يظهر الإسلام ويبطن الكفر، على الرغم بأن حقيقة هذا الاتهام لا يعلمه إلا الله.

نخلص من هذا؛ أن فتاوى ابن تيمية تعد الأساس الفقهي لاستحلال كل هذه الدماء، التي زهقت ولازالت تزهق علي يد الجماعات التكفيرية، من رجال الجيش والشرطة، ومن المدنيين أيضاً مسلمين، وغير مسلمين.

تأسيسياً على ما سبق، يمكن القول إن أولى خطوات الإصلاح الحقيقي، أن نضع أيدينا علي المنبع الفكري الفاسد للجماعات التكفيرية، ونعترف بوجود المشكلة، بدلاً من دفن رؤوسنا في الرمال، فنحن مازلنا علي آمل أن يأتي الإصلاح من داخل المؤسسة الدينية، في مصر، غيرة علي ديننا، وتنقية مما علق به من شبهات في كتب التراث من جانب، وغيرة علي المؤسسة الدينية بأن يأتي الإصلاح من خارجها من جانب آخر.

في النهاية؛ أتمني أن نسمع في وقت قريب، قرارات شافية من المؤسسة الدينية، بتنقيح كتب التراث أو إعلان أن هذه الكتب للمتخصصين علي اعتبار أنها تاريخ الفقهاء المسلمين، وغير مناسبة للمسلم العادي لتعلم شئون دينه، والعمل علي الاجتهاد في إصدار فقه جديد، متماشياَ مع روح العصر ومتطلبات الحداثة، فالأمة لم تعقم عن علماء قادريين علي الاجتهاد في الإحكام الشرعية والفقهية بما يرسخ لروح التسامح والتأكيد علي مفهوم المواطنة، لحماية أجيال قادمة من خطر التطرف الفكري.

 

 

تابع مواقعنا