الخميس 28 مارس 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

راجعين!

القاهرة 24
الجمعة 15/مايو/2020 - 05:44 م

الكاتب والأديب “كافكا” بيقال إن قبل وفاته بـسنة واحدة اتعرض لموقف إنساني كتب عنه بعد كده.. وهو ماشي فى حديقة برلين قابل طفلة صغيرة بتبكي.. موقف زى ده مع واحد بإنسانية “كافكا” كان لازم يجبره يروح ويسألها عن سبب عياطها خصوصاً إن البنت سنها مايزدش عن 10 سنين إن ماكنش أقل!.. حصل وراح.. عرف منها إنها فقدت العروسة اللعبة بتاعتها، واللى كانت سايباها جنبها هنا على كنبة خشب من اللى فى الحديقة.. عرض عليها إن يدور معاها تاني.. وافقت.. دوروا مالقوش حاجة.. إقترح عليها إنها ترجع بيتها اللى عرف منها إنه قريب من الحديقة، ووعدها إنه هييجي بكره فى الميعاد الفلاني عشان يدوروا تاني على العروسة بتاعتها.. البنت وافقت.. “كافكا” كان فاهم إن العروسة اللى ضاعت ضاعت فعلاً خلاص وإن أى محاولات للتدوير هتنتهى بنفس النهاية.. وصل بيته وكتب رسالة كإنها من على لسان العروسة وموجهة للبنت!.. كان مكتوب فى الرسالة: (صديقتي الغالية توقّفي عن البكاء أرجوكِ، إني قررت السفر لرؤية العالم وتعلم أشياء جديدة، سأُخبرك بالتفصيل عن كل ما يحدث لي يوميًا).. قابل البنت وإداها الرسالة وقال لها إنه لما وصل قبلها للحديقة لقى الرسالة دي.. البنت أخدتها وقرأتها وإنبسطت.. الحقيقة إن الرسالة دي ماكانتش الرسالة الوحيدة لكن بداية لسلسلة لقاءات ورسايل بين الإتنين بيكتبها “كافكا” وهو مفهم البنت إن العروسة هي اللى بتبعتها.. العروسة كانت بتحكي بأسلوب ممتع وجذاب للبنت عن مغامراتها والبطولات اللى هي بتحققها بره والبلاد اللى بتزورها والناس اللى بتقابلهم.. بعد فترة “كافكا” إدي البنت عروسة جديدة شكلها وحجمها مختلفين تماماً عن اللى ضاعت، ومع العروسة الجديدة رسالة أخيرة من العروسة القديمة مكتوب فيها: (الأسفار غيّرتني، لكن هذه أنا).. البنت أخدت العروسة وطارت بيها من الفرحة وإتعلقت بيها جداً ويمكن أكتر من الأولانية كمان، وبعد فترة إكتشفت رسالة تانية كانت متطبقة ومستخبية فى كُم العروسة الجديدة ومكتوب فيها: (الأشياء التي نُحب معرضة للفقدان دومًا لكن الحب سيعود دومًا بشكل مختلف).

 

 

 

* الإنبوكس:

 

  • أنا “ميرنا“.. 29 سنة.. بابا أستاذ فلسفة كبير فى جامعة القاهرة.. ممكن حد يشوف إن كونى بنت أستاذ فلسفة ميزة وحد تاني يشوفها عيب.. اللى هيشوفها عيب هيقول إن أكيد حياتي مليانة مناظرات ورغي وكلام على الفاضي فى كل كبيرة وصغيرة، واللى هيشوفها ميزة هيقول إن أكيد كل مشاكلي بلاقيلها حل عند بابا.. هكون صريحة وهقول إنى ميالة أكتر للمعسكر التاني وإني بحسد نفسي على وجود الراجل ده فى حياتي.. الفلسفة مش حاجة تخوف أو مرادف للصداع والرغى.. بالعكس ده مفيش أى أزمة إتعرضت ليها إلا وكان رأى بابا ولا أجدعها دكتور نفسي!.. بساطته، وكلامه الهادي الناعم وتحليله معايا لأى حاجة شايفاها صعبة بيسهل عليا كل أمور حياتي.. هديك أمثلة، وأعذرني لو شوفت أمثلتي اللى هقولها تافهة بس حقيقي الدرس اللى طلعت بيه منهم كلهم، وبمساعدة بابا هما عكازي فى كل أيامي الجاية، وده ممكن يحصل مع كل القراء برضه.. وأنا طفلة كان عندى عصفور، وعصفورة إسمهم “سمسم“، و“بلبلة“.. وعشان أنا البنت الوحيدة لـ بابا ولـ ماما كان العصفورين دول يعتبروا أخواتي!.. مهمة أكلهم وشربهم والقعدة قدامهم بالساعات كل يوم كانت شغلانتي.. لما حطيتهم فى مرة فى البلكونة ودخلت جوه ربع ساعة بس كان ده كفيل عشان حداية تنط على السور وتكسر بمنقارها القفص وتفصل راس “سمسم” عن جسمه، وتقتل “بلبلة“.. المنظر ده وجعنى وعمرى ما هنساه، ومش هبالغ لو قولت إن جالى إكتئاب بسببه وأنا لسه عندى 10 سنين بس!.. بابا وماما كانوا عارفين حجم محبتي للعصفورين بالتالي كانوا مستوعبين اللى أنا فيه.. بعد أسبوع بابا دخل الأوضة بتاعتي عشان يتكلم معايا.. سألته وأنا لسه آثار دموعي على وشي: (ليه؟ دا أنا كنت بحبهم!).. رد: (مش كل الأسئلة ليها إجابات بس حبك ليهم مش هيضيع).. سألته: (إزاي؟).. رد: (لو عايزة هنزل أجيب لك عصفورين تاني جداد).. رفضت.. ما ألحش عليا كإنه كان متوقع إجابتي.. قال: (ولو كنتى وافقتي ماكنتش هجيب حاجة أنا بهزر معاكي).. سكت شوية، وكمل: (الحب الصادق تعويضه بيكون من ربنا مش من الناس، وأنا واثق إن ربنا هيعوضك مادام حبيتيهم أوى).. إنتهي الموقف، بس أثره فضل مستمر.. عدى أسبوع أسبوعين تلاتة.. الدراسة دخلت.. أنا فى مدرسة خاصة، وكان عندنا ميس لطيفة إسمها “تقى” وبتحبنا زي بناتها وكانت بتعمل جوايز غريبة كل أسبوع للى بيجيب درجات كبيرة.. ولما ده حصل مني فى أسبوع من الأسابيع لقيتها جايبالي قفص فيه عصفورين!.. بالمناسبة.. ميس “تقى” ماتعرفش موضوع حبي للعصافير، ومفيش أى تواصل حصل بين بابا وبينها بنسبة مليون%!.. ولما سألتها قالتلي إن هى اللى من نفسها جابت الهدية حتى قبل ما تعرف إن أنا اللى هطلع الأولي!.. قالتلي كمان إنها كانت هتجيب قطة شيرازي بس لما راحت للمحل قال لها إن القطط هتيجي آخر الأسبوع واللى موجود دلوقتي عصافير!.. وكانت دي حركة ملهمة شوفت فيها إيد ربنا أكتر من إرادة البشر!.. شقتنا اللى قاعدين فيها شقة إيجار قديم بس صاحبها أجبرنا نسيبها ونخرج منها بعد 20 سنة كاملين عشان عايز يهد ويبني مكانها برج أكبر!.. ذكريات بابا وماما وأنا معاهم كانت مرتبطة بالأربع حيطان دول.. كنا بنحبها حب مالوش مثيل.. ورغم إن مرتب بابا كان كويس وكان هيخلينا نأجر شقة تانية فى مكان تاني بس شقة المنيل خدت حتة من قلبنا، وراحت.. كنت مدركة حجم الزعل اللى بابا فيه.. دخلت عليه أوضته عشان أواسيه ليلة ما كنا هنعزل.. حطيت إيدي على كتفه وقولتله ماتزعلش يا حبيبي.. رد وهو مبتسم رغم إنى شايفة الدموع فى عينه: (ومين قال إني زعلان!، أنا حبيتها، حبيتها بصدق وبجد وحبيت المنطقة والشارع وواثق إنها هترجع وهما هيرجعوا معاها).. طبعاً ورغم إستحالة الموضوع بس فهمت إنه بيصبر نفسه بالكلمتين دول عشان يبان قوي قدامي.. عدت الأيام.. رحنا شقة جديدة فى مصر الجديدة، وكانت أيامنا فيها بتعدي تقيلة ورخمة.. بعد شهر جاله عقد عمل فى جامعة فى الكويت.. فرصة عظيمة مفيش كلام.. سافرنا.. قعدنا هناك سنتين.. عملنا فلوس كويسة الحمدلله، ورجعنا.. أول حاجة عملها لما وصلنا القاهرة وإحنا فى المطار لسه إنه طلب من السواق اللى بيوصلنا إننا نعدى على شارعنا القديم: (المنيل يا أسطي).. ماما قالتله مالوش لزمة.. رد بـ حنين، وحب: (الشقة، والشارع وحشوني).. قولتله: (يا بابا زمان العمارة إتهدت، وطلع مكانها برج!).. السواق قال: (ها مصر الجديدة، ولا المنيل يا أستاذ؟).. رد: (المنيل يا أسطي).. قالها بابا للسواق، وكإنه بيقول لى أنا وماما أسكتوا بقي وسيبولي الكام دقيقة اللى عايزهم دول أسترجع أيامي هناك.. سكتنا.. وصلنا.. كانت المفاجأة إن العمارة زي ما هي!.. بابا نزل جري من العربية، وراح على البواب اللى أخده بالحضن.. عرف منه إن صاحب العمارة واجه مشاكل مع الحي، ورفضوا موضوع الهد نهائي، وإنه قرر يبيع الشقق بس بسعر عالي وكبير.. طيب وشقتنا؟.. بابا سأل.. البواب رد إنها وشقتين تاني بس من إجمالي 14 شقة فى العمارة لسه متباعوش!.. بابا قال للسواق: (إطلع بيهم على مصر الجديدة، انا رايح مشوار تاني).. راح بابا لصاحب العمارة قبل حتى ما يروح البيت عشان يخلص معاه فى الشقة ويشتريها!.. ورغم إن صاحب العمارة طلب مبلغ غالي نسبياً بس حالتنا المادية ماكانتش عائق نهائي، وإشترينا الشقة بتاعتنا وبقت ملكنا خلاص!.. وكإن سفرنا والغربة لمدة سنتين كانت عشان يبقي معانا فلوس ونرجع نشتري شقتنا اللى حبيناها!.. أو زي ما بابا بيقول: (حبيناها بـ صدق فرجعت).. كبرت شوية، وإتخطبت لشاب بحبه.. ربنا شاء إنه يصاب بالسرطان.. أنا عمرى ما حبيت حد زى ما حبيت “محمود” خطيبي، ولا هو كمان حب حد زي ما حبني.. بس ليه، وهو فى السن ده يجيله مرض زي ده!.. سألت بابا.. رد: (إختبار!).. سألت: (هيموت، وهموت وراه).. قال: (لو حصل هيبقي قدر ربنا، واللى مالناش حكم عليه ولا رد فعل إلا الصبر).. مات “محمود“، وماتت معاه بهجتي، وإنبساطي.. جالي عرسان كتير، وكنت برفضهم، وده كان مزعل ماما مني بس بابا كان بيحتويها ويقول لها سيبيها على راحتها.. لما كان بيتناقش معايا كان بيسألني بهدوء: (يعني هتفضلي كده؟).. كنت برد: (مش هحب بعد “محمود“، ومحدش يستاهل).. سألني: (إنتي كنتي بتحبيه بصدق؟).. سألته: (إنت اللى بتسألني يا بابا!، طبعاً).. رد ـ يقين: (خلاص يبقي الحب هيفضل موجود حتى لو غاب الشخص).. قالها وسابني ومشي.. كنت متعودة أزور “محمود” الله يرحمه فى المقابر كل يوم جمعة، وهناك كنت بشوف “مصطفي“.. أقرب صديق له، واللى فراق “محمود” عمل فيه زي ما عمل فيا.. شوية بشوية قربنا من بعض إحنا الإتنين.. كلامنا عن حبيبنا اللى راح حببنا فى بعض!.. بعد سنة، وبعد ما إتعودنا على بعض إتقدملي.. وافقت.. النهاردة إحنا متجوزين ومعلقين صورة “محمود” فى الصالة بتاعت بيتنا، وإبننا الأول سميناه “محمود“!.. أنا بحب “مصطفي” أوي.. حب برضه حاسة إن عمري ما حبيت حد قبله ولا هحب حد بعده.. ولحد النهاردة ومع كل موقف صعب بيعدي عليا بفقد بعده حد أو حاجة؛ بسأل نفسي سؤال واحد إستوحيته من كلام بابا معايا: (بتحبي كذا بصدق؟).. لو آه بكون متأكدة إنه هيرجع تاني، وإن الحب ده مش هيروح هدر.

 

 

* الرد:

  • مفيش حب صادق مابيرجعش لصاحبه.. يرجع من نفس الشخص.. يرجع من شخص غيره أفضل.. يرجع بشكل تاني خالص.. فى النهاية المحصلة واحدة.. راجع راجع.. الحب زي الصدقة اللى لو طلعتها من قلبك بإخلاص هتتجازى عليها.. ولو الحب جرحني؟.. يبقي ماكنش حب، وكان متوجه فى السكة الغلط، وبرضه هتتجازى عليه بما يوازيه من نفس نقاءك، وإخلاصك.. والضامن فى كده؟.. ربنا.. لما حد بيتكسر منه حاجة أو بتبوظ منه بالموروث الشعبى اللطيف بتاعنا تلاقيهم يقولوله: (عوضك على ربنا) أو (إستعوض ربنا).. ربنا دايمًا عوضه جميل.. مفيش خسارة من أى نوع مفيهاش تعويض آلهى من ربنا.. تعويض يصبر ويداوى.. اللى خسرناهم بوفاتهم؟.. موجودين حوالينا بشكل أو بصورة تانية وأرواحهم بتحوم مرفرفة محاوطاك فى كل خطوة بتفرح لفرحك وبيوصل لهم أى خير أو حسنات بتبعتهالهم.. اللى خسرتهم بسبب المشاعر؟.. هيروحوا وهييجى بدالهم واحد وإتنين وألف وحياتك مش هتقف عليهم.. أى شوية الحب بيخرجوا من قلبك بـ صدق مش بيضيعوا.. مهما كانت الظروف، والمؤشرات، وفى كل الحالات “راجعين“.

 

تابع مواقعنا