الجمعة 26 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أمريكا والعنصرية

القاهرة 24
الإثنين 01/يونيو/2020 - 04:36 م

لقد كانت جريمة القتل العنصرية التي راح ضحيتها جورج فلويد، الأمريكي من أصول أفريقية، على يد رجل الشرطة ديريك تشوفين، بمثابة الشرارة التي أشعلت عدة ولايات أمريكية، ومن المؤسف أن رجل الشرطة يعرف القتيل حق المعرفة، حيث عملا معًا في الملهى الليلي ملك “سنتا ماريا”، وهذه المعلومة من المفروض أن يتم إعادة تكييف الجريمة على أساسها، من كونها جريمة قتل من الدرجة الثالثة لأنها قتل خطأ، لتصبح جريمة قتل من الدرجة الأولى على أنها قتل عمد لسابق معرفة القاتل والمقتول.

إن جرائم العنصرية متأصلة في أمريكا، فوفقًا لإحصائية مكتب التحقيقات الفيدرالي لعام 2013، فإن هناك 5922 حادث قتل عنصري خلال العام الواحد، منها 48.5% جرائم عنصرية على أساس اللون وأغلبها من الأفارقة الأمريكان، حيث عنصرية البيض ضد السود، ويأتي بعدها في الترتيب قتل المثليين جنسيًّا بنسبة 20.8%، وفي المرتبة الثالثة القتل بسبب الدين بنسبة 17.4% أغلبهم كان لمسلمين، حيث إن 13% من الضحايا لجرائم عنصرية بسبب الدين كانوا مسلمين.

إن جريمة قتل جورج فلويد لم تكن الجريمة الأولى من نوعها، فقد نشرت الواشنطن بوست أن 1014 شخصا أسود قتلوا على يد الشرطة في 2019، وقد أعلنت منظمة غير حكومية في أمريكا اسمها (Mapping Police Violence – خرائط عنف الشرطة) أن عدد من يُقتل من السود على أيدي الشرطة، ثلاثة أضعاف من يقتل من البيض.

جورج فلويد آخر حلقة في سلسلة تحمل أسماء مثل: تراقبون مارتن، ذي السبعة عشر ربيعًا الذي قتله جوروج زيمرمان، وايريك جارنر الذي قتله دانيال بانتاليو، ومايكل براون الذي قتله دارين ويلسون، ووالتر اسكوت الذي قتله الشرطي مايكل سلاغر، وفريدي غراي، الذي قتله ثلاثة من ضباط الشرطة، وسندرا بلانت، وفيلاندو كاستيل، وبوثام جان، وأتاتيانا جيفرسون، وبرونا تايلور، وغيرهم الكثير، ولن تكون الأخيرة مع استمرار الوضع على هذا المنوال.

إن الأرقام تؤكد أن العنصرية متأصلة في أمريكا ، فهي دولة قامت على العنصرية منذ نشأتها ، لن نتكلم عن الهنود الحمر وتاريخ الذل والعار في التعامل مع السود، ولكن سنتعرض لاستطلاع الرأي الذي أجرته ABC News ، في عام ٢٠٠٧ ، والتي توصلت إلى أن 17% من الأمريكيين يعارضون الزواج بين عرقين مختلفين، و19% يرفضون الزواج من أي عرق آخر خلاف الأنجلوسكسون البروتستانت، 18% يعارضون الزواج من السود، و15% يرفضون الزواج من اللاتينيين.

واحد من كل عشرة أمريكان يحمل تحيزا ضد اللاتينيين، وواحد من كل أربعة يتحيز ضد العرب، بعد دخول أمريكا عصر ما بعد العنصرية بعد انتخاب باراك أوباما، أصيبت أمريكا بردة خطيرة للعنصرية بعد انتخاب دونالد ترامب العنصري، وصعود حركة اليمين البديل (Alt-right)  التي تدعو لطرد الأقليات الجنسية والعرقية من الولايات المتحدة.

أما السود فهم أكثر من عانوا في أمريكا حتى وصلوا للمساواة، لقد ظن الكثير أن العنصرية انتهت في أمريكا بعد تعيين وزراء من السود، منهم وزيرة خارجية ووزير دفاع، وبعد انتخاب رئيس منهم صوت له أكثر من70% من البيض، ولكن الحقيقة رغم انتهاء العبودية ورغم التخلص من القوانين العنصرية التي كانت تمنع أبسط حق للأسود في أمريكا ومنها الحق في ركوب حافلة الركاب والجلوس في المكان الذي يرغب الجلوس فيه، فلم يكن من حق الأمريكي الأسود ركوب الحافلة من الأمام او الجلوس في المقاعد الأمامية كما كان يحق للأبيض أن يطلب من الأسود ترك مقعده للأبيض، أقول رغم ذلك ورغم صيحة مارتن لوثر كينج

(لدي حلم -I have a dream)، إلا أن السود مازالوا يفتقدون للعدالة الاجتماعية الحقيقية، فأكثر من 24%من السود تحت خط الفقر، والسود ليست لديهم ذات الفرص أو الحظوظ في التعليم، فتجهيزات المدارس لدى السود أقل منها بكثير في مدارس البيض، هذا بالإضافة إلى الخلل الحادث في نظام العدالة، فالسود يتعرضون لرقابة الشرطة في الأماكن العامة أكثر من غيرهم، وحوالي 43% من نزلاء السجون من السود، رغم أنهم يشكلون 13% فقط من المجتمع الأمريكي.

ولكن هذه المرة أظن أنها ليست ككل مرة لعدة أسباب، تراكم الإحساس بالظلم لدى السود وجماعات حقوق الإنسان والتي تضامنت مع السود، فرغم الحظر والوباء ترى المئات يخرجون للشوارع محتجين ، تضامن الكثير من الغوغاء والمجرمين والذين يرون في الفوضى الفرصة السانحة للنهب كما نرى عبر وسائل الإعلام، رد فعل ترامب غير المسئول والذي هدد بالحرس الوطني، مع إعطاء أوامره باستخدام الرصاص الحي، رغم عدم دستورية هذا الكلام، مما أجج مشاعر السود والفئات المهمشة وجماعات حقوق الانسان، كما أن الديمقراطيين يرون الفرصة سانحة لإضعاف حظوظ ترامب والجمهوريين في الانتخابات القادمة، فشل الإدارة الامريكية في التعامل مع الوباء حتى الآن، مما زاد من الضغوط الاقتصادية، والذي عاد بالأثر السلبي على الفئات الفقيرة، ما يجعل من الاحتجاجات طوق نجاة لهم من الضغوط الاقتصادية وآثارها المباشرة عليهم.

لا أحد يريد لأمريكا الانهيار لأن الآثار السلبية على العالم كله خارج نطاق التحمل، ولكن أظن أن الوقت حان في أمريكا لحديث مجتمعي، مع العمل على إصلاح الشرطة وإعادة بناء جسور الثقة بين رجال الشرطة ومجتمعات السود، لتخفيف الضغوط الفعلية عليهم وتخفيف الضغوط النفسية على رجال الشرطة في تعاملهم مع السود.

السؤال الذي ستجيب عنه الأيام القادمة، هل ستتمكن أمريكا من تجاوز هذه الأزمة، أم ستكون بداية سقوط إمبراطورية أمريكا؟ التاريخ يقول إن جميع الإمبراطوريات عبر التاريخ، حملت أسباب سقوطها داخلها قبل أن يسقطها أعداؤها.

تابع مواقعنا