محمود ياسين نجم مصر الأول
تاريخ السينما المصرية ذاخر بألمع نجوم الشاشة منذ بدايتها وحتي وقتنا هذا، ولكن قلما نجد نجماً يستطع من الوهلة الأولي وحتي بعد مرور سنوات العمر خاصةً كونه فتي الشاشة الأول. بل والمدهش أكثر أن يتذكره الجميع يومياً على وسائل السيوسشال ميديا برغم غيابه عن الساحة الفنية منذ سنوات.
محمود ياسين نجم مصر الأول لأكثر من ربع قرن في سابقة لم تحدث في تاريخ السينما المصرية إلا معه، الفنان صاحب التاريخ الفني المرصع بالألماس الحر.
فهو الوحيد الذي وقف بطلاً أمام جميع نجمات الزمن الجميل فاتن حمامة وشادية وماجدة الصباحي وصباح وهند رستم وهدي سلطان وسميرة أحمد ونادية لطفي وسعاد حسني ولبني عبد العزيز برلنتي عبد الحميد ونجاة الصغيرة ووردة الجزائرية.
فهو فتي الشاشة الوحيد الذي قدم مختلف الأدوار ونجح فيها باقتدار وبراعة.
ويحسب له قيامه ببطولة سلسلة أعمال نصر أكتوبر المجيد وبالرغم من ضعف الإمكانيات الفنية والإنتاجية وقتها عكس يومنا هذا الذي يتوفر فيه ضخامة الإنتاج و الإمكانيات المادية الهائلة إلا أنه ساهم بفنه ومجهوده لإبراز دور قواتنا المسلحة في هذا النصر العظيم في أفلام. “أغنية علي الممر و الرصاصة لا تزال في جيبي و بدور و الوفاء العظيم و حائط البطولات”.
وهو فتي الشاشة الوحيد الذي برع في أداء الشخصيات المعقدة مثل:سونيا و المجنون و الكداب و الأخرس و أين عقلي و ثالثهم الشيطان و الوهم و العذاب امرأة.
بل و برع وأبهر في الأدوار الاجتماعية الهادفة مثل (أفواه و أرانب و مدافن مفروشة للإيجار و أسياد و عبيد و الجلسة سرية و الباطنية و وكالة البلح وإمراة مطلقة و القط أصله أسد و خيوط العنكبوت).
حتي أدوار الحركة و الأكشن أجاد فيها ببراعة مثل (رجل بمعني الكلمة و الشجعان و الكماشة و المحاكمة و نواعم و عودة الهارب).
وفاجأ جمهوره بأدوار مختلفة عليه تماماً وتحدي نفسه فيها مثل أفلام :الشريدة و إنتبهوا أيها السادة و العربجي وامرأة مطلقة.
وقدم الفيلم الاستعراضي الغنائي في عدة أفلام أهمها (مولد يادنيا) ويعد هذا الفيلم واحداً من أهم الأفلام الاستعراضية في السينما.
إلى جانب تفرده بأعماله الكوميدية التي قدمها بل و كاد ينافس فيها نجوم الكوميديا في أعمال سينمائية و تليفزيونية و مسرحية اعتمد فيها علي كوميديا الموقف وكان من آن لآخر يقدم عملا ضاحكاً سواء سينما أو تليفزيون وكان ذلك واضحاً. في مسلسل (غداً تتفتح الزهور) ومسلسل (مذكرات زوج) حتي في آخر أفلامه (جدو حبيبي).
وبالرغم من أنه فتي الشاشة الأول والوحيد الذي كان يقوم ببطولة عشرة إلي عشرين فيلما في العام الواحد إلا أنه كان حريصاً على خوض تجربة الإنتاج حبا منه في صناعة السينما وقدم ما يقرب من إنتاج خمسة عشر فيلماً.
وقدم محمود ياسين أفلاما كثيرة مأخوذة من روايات كبار الكتاب: نجيب محفوظ و إحسان عبد القدوس و يوسف السباعي و يوسف إدريس و ثروت أباظة.
فتي الشاشة الوحيد الذي وقف أمام جميع نجمات الشاشة العربية علي مختلف الأجيال من فاتن حمامة وحتي بشرى.
ووقف أمام جميع مدارس الإخراج المختلفة و الكبيرة من هنري بركات و صلاح أبو سيف و كمال الشيخ وحسن الإمام وعاطف سالم ونيازي مصطفى و حسام الدين مصطفى وحسين كمال وأشرف فهمي و علي عبد الخالق و نادر جلال و سعيد مرزوق و محمد راضي و محمد عبد العزيز و أحمد فؤاد و أحمد يحيي و يحيي العلمي و محمد فاضل و سمير سيف و محمد خان و خيري بشارة وكان ناجحاً مع كل هؤلاء.
وهو صاحب أشهر عبارة وطنية في تاريخ السينما المصرية (هيا دي مصر يا عبله) في الفيلم الأسطوري (الصعود إلى الهاوية).
ومن الجدير بالذكر أن محمود ياسين الفنان الوحيد في تاريخ السينما المصرية كله الذي كُتب فوق إسمه نجم مصر الأول، وذلك في فيلم العذاب امرأة عام ١٩٧٧.
ولم يكن محمود ياسين فتي الشاشة الأول في السينما بل تخطى حاجز السينما ليقدم أصعب وأعقد الأدوار في التليفزيون المصري. فقد برع في أداء الشخصيات الدينية والتاريخية خاصةً أن نبرة صوته المميزة ساهمت في أدائه لمثل هذه الأدوار بشكل جعله أفضل من قدم هذه الأدوار علي الإطلاق مثل أعماله. (إبن سينا) و(إبن خلدون) و (عمر بن عبد العزيز) قبل أن يقدمه نور الشريف و مسلسل (جمال الدين الافغاني) و (أبو حنيفة النعمان ). (محمد رسول الله الجزء الرابع). إلي جانب تقديمه لأهم و أشهر مسلسلات الدراما التليفزيونية مثل (أخو البنات) والذي قدم فيه ليلي علوي و إلهام شاهين و سماح أنور. ومسلسل (غداً تتفتح الزهور) الذي يعد من أهم الأعمال التليفزيونية وفيها غني الأغنية التي تعد إحدى أيقونات أغاني الأطفال بل والكبار أيضاً “حلوه يازوبه”. ومسلسلات مثل (اليقين) مع شهيرة (اللقاء الثاني) مع بوسي ويعد تتر هذا المسلسل من أهم و أفضل تتيرات الأعمال التليفزيونية الرومانسية علي الإطلاق للمبدع عمر خيرت وأيضا مسلسل (بنات زينب) مع نورا ومسلسل (مذكرات زوج) مع فردوس عبد الحميد ومسلسل (العصيان) الذي حقق نجاحاً منقطع النظير ومسلسل (سوق العصر) وقدم دورا من أهم و أصعب أدواره حلمي عسكر ومازال هذا المسلسل يعرض رغم مرور أكثر من عشرين عاما على إنتاجه وكان دورا لم يتوقعه منه الجمهور و قد أبدع و أبهر الجميع كعادته دائماً.
وأما عن المسرح فحدث ولا حرج فهو أستاذ كبير في الوقوف على خشبة المسرح منذ بدايته في مسرح التليفزيون، حتي أنه رأس المسرح القومي لمدة عام ثم استقال من منصبه. وقدم ما يزيد على خمسين مسرحية باللغة العربية الفصحى واللغة العامية. منهم (وطني عكا و الخديو و الزيارة و وقداساه و ليلي و المجنون و أهلاً يابكوات).
ولم يكتف كممثل في السينما أو التليفزيون أو المسرح فقد برع أمام ميكروفون الإذاعة المصرية في عدة مسلسلات إذاعية, بل أيضاً كان قاسماً مشتركا في الأوبريت الغنائي الوطني فكان يقف مع كبار المطربين علي المسرح في الاحتفالات الوطنية يلقي الشعر إلقاء فريدا من نوعه وكان متميزا أيضاً في هذا اللون فهو صاحب صوت لا تخطؤه الأذن ومع هذا الصوت أداء معبر و فريد ناتج عن ثقافة ووعي.
فلم يكن محمود ياسين مجرد اسم كبير لمع في سينما سبيعينيات القرن الماضي، خاصةً في الأفلام الرومانسية بل هو أحد أهم أعمدة الفن المصري، فما سردته في هذا المقال هو لا يتعدي ١٠٪ فيما قدمه الفنان الكبير محمود ياسين وما يحزنني بحق أن يذكر ثلاثة أو أربعة نجوم كبار كرمز من رموز الفن و الإبداع في جيله ولا يكون محمود ياسين علي رأسهم فقد تجاوزت أعماله الفنية ال ٥٠٠ عمل ما بين السينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة فقد كان معطاء في كل المجالات بنجاح وبراعة.
وفي عيد ميلاده الموافق ٢ يونيو، أقدم له كل الشكر والتقدير والاحترام له ولفنه ولتاريخه وإبداعه الفني قائلاً له: أنت الأول في جيلك فن وإبداع.
وأتوجه إلي الله عز وجل أن ينعم عليه بالصحة والعافية و السعادة.
