الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مسعود شومان: خالص المحبة.. خالص العظمة يا مولانا

القاهرة 24
ثقافة
الجمعة 05/يونيو/2020 - 11:20 م

هناك نوعان من العظماء، أحدهما يُشعرك أنه عظيم، والآخر يشعرِك أنك أنت العظيم.. «مارك توين».

والنوع الآخر من العظمة هو ما يجسده كاملًا- بشعره وإنسانيته وثقافته وسلوكه العادي- مولانا الأعز والأنقى مسعود شومان، لمست ذلك فيه بمناسبة ودون مناسبة، له باع كبير وثقل لا يستهان به في عالم الثقافة والأدب، ورغم ذلك يتواضع كنبي منوط به تبليغ رسالة مهمة لقوم لا يعقلون، لين القلب بغير ضعف، قوي الشخصية بغير عنف، يتحرك مسعود شومان- وهو من هو- بلا تكلف أوتصنع، يلقي شعره المفعم بروح الهوية المصرية فتخرج الرياحين من فمه لتنثر على المستمعين راحة نفسية تغمرهم، وتشعرهم بأن المتحدث واحدٌ منهم ولهم، وبأنهم مختارون وعظماء في حضرته، لا يكف عن الغوص في قاع بحار اللغة ليستخرج لآلئها المخفية، لا يتوقف عن التنقيب في باطن أرض الشخصية المصرية ليكتشف كنوزها المدفونة، فيضفي عليها نورًا خاصًّا من وهج روحه؛ فيراها العامة تتألق وتبعث من جديد في مجلداته العديدة.

تزامن شغله منصب «المدير العام للإدارة العامة للثقافة العامة» مع حصولي على المركز الأول في شعر العامية عن ديوان الاكتفاء بكتابة الكارثة 2008، وقتها كنت في الهيئة مصادفة لأشتري نسخًا شعبية من ديواني الأول «بعيد عن اللمض النيون» من منفذ الهيئة في شارع قصر العيني، عرجت على الإدارة- دون علمي باسم من يشغل منصب مديرها- لأسأل عن نتيجة المسابقة، وما إن وطأت قدماي الطابق السابع وسرت إلى نهاية الطرقة المفضية للإدارة، حتى وجدت كشف النتيجة معلقًا على الباب، لقد فعلتها مجددًا يا “ضمر”، فرحت وتذكرت- وقلبي يدق- فرحة المرة الأولى 2003، التي زفها إليّ صديق عمري محمد حسين بكر، بل زفني أنا شخصيًّا في حارتنا في روض الفرج ومعه أمي وجاراتها الطيبات وسط زغاريد صادقة لمن أتى بالديب من ذيله، شردت قليلًا في اسمي المطبوع بالحبر الثقيل في الكشف وبجواره المركز الأول واسم الديوان، أفقت من شرودي حين لمحت وجهًا محببًا إلى روحي، ملامحه الباسمة أنقذتني من ثورة انفعالاتي الداخلية وعبث مشاعري وذكرياتي البعيدة، مرّ الوجه الجميل داخل الإدارة من غرفة إلى غرفة بأوراق توحي بأهمية ما، واحتل كادر رؤيتي لثوانٍ كانت كفيلة بدفعي لطرق باب الإدارة بأدب لأسأل: أستاذ مسعود شومان موجود؟ أجابتني إحدى الموظفات موجود يا افندم مين حضرتك؟ ارتبكت من الزحام والوجوه المتطلعة إلي في الغرفة الضيقة ذات المكاتب الكبيرة والموظفات الطيبات والأوراق المكدسة في كل ركن من الغرفة، قلت: أشرف ضمر، وأشرت بسبابتي للكشف خلفي، فقط لأساعدها على نطق الاسم صحيحًا، ابتسمت وسألتني ثانية: «حضرتك بتسأل بخصوص المسابقة؟ الشيك لسة..»، قاطعتها بأدب: لا لا فقط أريد أستاذ مسعود، أريد أن أسلم عليه، فجأة خرج ذو الوجه البشوش الذي احتل مجال رؤيتي لثوانٍ أربكتني، إنه هو، مسعود شومان خرج من مكتبه، على ملامحه ترتسم علامات الود ومظاهر الترحاب: أشرف تعالى مبروك يا حبيبي، صافحته وتعانقنا مبتسمين، بكلماته وابتسامته وعناقه لي ومدحه للديوان الفائز وإطرائه على عنوانه، أحسست بأجنحة تنبت مكان ذراعيَّ، وأنني لن أستخدم المصعد في النزول من الطابق السابع، ولن أستقل أتوبيس للتحرير ومنه لروض الفرج، بل سأطير محلقًا في سماء قصر العيني وأمر على كعكة الميدان الحجرية كما وصفها دنقل، وأحاذي شاطئ النيل سريعًا وأنا أحصي شجيراته وعصافيره، لأحط في على بلاط حارتنا في روض الفرج، وأنا أقص على أمي كل شيء وأبشرها بالكنز الأكبر في حياتي، مسعود شومان، إنه أكبر وأهم وأغلى من أي جائزة، إنه عظيم يا أمي وودود يفخر المرء بمعرفته فما بالك بصداقته.

وعلى المستوى الثقافي، فمصر محظوظة بوجود رجل بهذه الثقافة الموسوعية وتلك القيمة النفيسة وهذه القامة الكبيرة، شاعر وأديب ومثقف ومؤلف ومنقب في التراث، وناقد غير منتقد، ولست أهلًا للتحدث عن كل هذا في سطور موجزة، إلا أنني أدعو ليس المثقفين ولا الشعراء ولا المهتمين فقط بل المصريين جميعهم للفخر بمعاصرتهم لمثقف من العيار الثقيل، له من الأعمال الشعرية والبحثية والمؤلفات التراثية الكثير، رجل أسهم بكل ما أوتي من قوة ومحبة ومعرفة في إثراء مكتبتنا العربية بما ينوء عن حمله الأشداء، يكفي الإنسان فقط أن يكتب اسم مسعود شومان على محركات البحث لينهال عليه سيل من المعلومات المبهرة التي سيتوقف عندها الباحث طويلًا مندهشًا أمام تلك الروعة الحقيقية مما تصيب الجسد بقشعريرة الفخر والزهو.

دمت لنا يا صديقي العظيم، سندًا قويًا لكل من قصد بابك، وصديقًا حقيقيًّا للغرباء وعابري السبيل والمهمشين والبسطاء، دمت لبلادك كنزًا معرفيًا نفيسًا، ومورِدًا ثقافيا لا ينفد، ونبعًا إنسانيًا رائقًا مثل قلبك النقي وملامحك البشوشة.

تابع مواقعنا