الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

كدَّهُنَّ عظيم.. أجنحة تاء التأنيث تحاوط مصابي فيروس كورونا بمصر

كدهن عظيم
تقارير وتحقيقات
كدهن عظيم
الإثنين 29/يونيو/2020 - 06:09 م

من العاصمة القاهرة وحتى أقصى الجنوب حيث أسوان، تسطر سيدات مصر تاريخًا متجددًا لبطولات سابقة خاضوها دفاعًا عن تلك الأمة وسكانها، ففي الوقت الذي أحنى فيه فيروس كورونا جباه عشرات الآلاف، وقفت سيدات مصر كشمس تشق عتمة ظلام المرض.

 

لن ننجو إلا سويًا.. مبدأ يؤمن به الكثير من النساء، كلًا منهن تفعل ما بوسعها لمواجهة جائحة كورونا، بطولات كثيرة قد يراها البعض بسيطة أو يغفل عنها المجتمع في خضم أحداثه المتتالية، ولكنها كانت بمثابة طوق النجاة لكثيرين، من العاصمة وحتى أقصى الجنوب، وكانت المرأة المصرية فيها البطل الأول.

 

في الـ9 صباحًا تستيقظ سحر بعد أخذ قسط قصير من النوم، استمر لساعتين فقط، تبحث عن دفترها المسجل فيه كافة الحالات التي تشرف على إسعافهم، باحثة عن أشد الحالات الحرجة ليكون قبلتها، وتستعد لموجة أخرى من توبيخ الأهل، بعد مشادة ليلة أمس، بعد عودتها للمنزل في السادسة صباحًا، في مشهد يتكرر يوميًا منذ مطلع يونيو، حيث بداية تطوعها في إسعاف أهالي أسوان، وتجولها من منزل لآخر.

 

تهرول مُسرعه مرتدية البدلة الوقائية، بعد استقبالها استغاثة لحالة حرجة، ولكنها تفشل في ركوب أيًا من سيارات الأجرة بسبب ملابسها؛ خوفًا منها، في مشهد آخر أعتادت عليه أيضًا.

 

“أقف أتفرج ليه؟!.. نعمة ربنا عطهالي ليه أعزها على الناس في شدتها؟”، بلكنتها الصعيدية تبدأ سحر علاء الدين حديثها، راوية قصتها بعد أن قررت أن تجوب منازل مصابي أسوان لإسعافهم، بعدما شاهدت استغلال البعض لظروف المرضى، خاصة وأن الكثير منهم حالتهم المادية لم تسعفهم.

كعب داير على البيوت    

 تتابع سحر الحالات متابعة كاملة لا تختلف عن وجود أيًا منهم بالمستشفى، تهرول من منزل إلى آخر حسب مواعيد جرعات الأدوية، تتنقل يوميًا بين أكثر من 12 حالة، وذلك بعد فشلها في التطوع مع وزارة الصحة، لتتجه للتطوع لمبادرة شباب أسوان تحمل اسم “معا ضد كورونا”.

الممرضة سحر علاء الدين

 

في بداية الأمر كان كل ما يشغل بال صاحبة الـ21 ربيعًا أن تكون سبب لعدوى أو أذى يلحق بأهلها، ولكن بلسان يتجلى فيه اليقين، تقول: “المكتوب لكل فرد هيشوفه، لكن تطوعي يمكن يغير في مصير حياة بشر”.

 

“الناس ماتعرفش انتي فين” كلمات اعتادت عليها مسامعها من قبل الأهل ولم تصغى لها، فتحكي: “ككل بنت صعيدية بعاني في الدخول والخروج من البيت، بسبب الخوف من كلام الناس”، مضيفة: “كلام الناس مابيخلصش.. ودعوة مريض هي اللي هتبقالي”.

 

ثرثرة الناس هي الشغل الشاغل لأهلها ولأهالي المرضى، تسرد سحر عن أصعب الحالات التي مرت عليها والتي ستظل عالقة في ذهنها، عن أم طريحة الفراش أصيبت بكورونا، وهرب منها أولادها فور علمهم وظلت وحيدة بمنزلها دون طعام ولا شراب، خوفًا من العدوى وحديث الناس أيضًا، تقول عنها: “وصلنا والحالة كانت بتموت وبعد إسعافها تعافت.. هفضل فاكراها وفاكرة إزاي الغريب بيساعد والأبناء بيهربوا”.

 

وبعد وفاة حالة بين أيديها أخذت سحر دفعة جعلتها أقوى لتستمر في تقديم خدمتها خوفًا من فقدان روح أخرى، قائلة: “هكمل مشواري لأخر مريض، وراحتي في إنقاذ المرضى وإني أهون عليهم”. وتحلم برجوعها مرة أخرى للعمل بالمستشفيات بعد فصلها تعسفيًا، على حد قولها.

 

الحب والمرض والوجع

“مشهد كورونا والمرض والوجع اختفى من حياتي وأتبدل بمشاهد لناس عايزة تعيش وبتعافر وناس بتساعدها بحب، في ضغط طول اليوم.. بس في طاقة أعمل أي حاجة”.

 

بسمة مصطفى، خرجت من رحم موجة اكتئاب حادة مرت بها وتفكير طوال الوقت في الموت وأفكار إنتحارية، بنور ومدد لمصابي كورنا، تسرد الصحفية عن مبادرة توصيل وجبات الطعام لمصابي كورونا، قائلة: “المصابين بين الحياة والموت وأنا كمان كنت بين الحياة الموت.. وشوفت في الطبخ فعل النجاة الي ممكن أقوم بيه ليا وليهم، حسيت إني ممكن أتشعلق معاهم وأعافر عشان أعيش، هتبسط وأرتاح لو عملت أكله لحد وطلعت في صحته وعاش”.

 

مبادرة توصيل الوجبات لمصابي فيروس كورونا

 

قدمت مبادرة بسمة حتى الآن من 5 إلى 6 آلاف وجبة، المُعدين بعد استشارة أطباء تغذية، بواقع دعم من 1500 لـ1800 مصاب، من بينهما جاليات أجنبية، وتسلم لكل حالة طعام يكفي لثلاث أيام، بمجهودات أكثر من 10 آلاف متطوع خلال أسبوعين فقط من انطلاقها.

 

“كالعادة الستات متصدرة المشهد خلال الأزمات” بنبرة فخر تقول بسمة: “إدارة المبادرة مكونة من 7 بنات وولد، الستات متصدرة والرجالة بتغلب في التوصيل”، وتتابع: “الصورة النمطية عن الست والبيت ليست واقعية، الست مؤثرة وبتلعب دور كبير جدًا في المجتمع، وتقدر تعمل كل حاجة بجانب شغل البيت”.

 

ما يجيبها إلا ستاتها    

الجمعة 11 مارس بعد منتصف الليل، هروب رجال الأمن وعمال المطبخ بالقفز من أعلى السور بعد مكالمة هاتفية تخبر الجميع بقرب وصول أول حالة كورونا إلى مستشفى عزل إسنا بالأقصر، عدا “شيف” وعامل واحد قررا البقاء، لتتخذ رضا التوني، مسئولة التمريض، قرارها في لحظتها، وتبدأ معها معركة يسطرونها فريق التمريض.

 

رضا التوني، مفتشة تمريض بأمانة المراكز الطبية المتخصصة

 

“ما يجيبها إلا ستاتها.. الدولة كلها ماشيه بالستات مش هنعرف نمشي مطبخ يومين؟!” تحكي مفتشة تمريض بأمانة المراكز الطبية المتخصصة لـ”القاهرة 24″، أن سيدات التمريض تولوا مهمة خدمة 100 فرد من الهيئة الطبية بالإضافة لعدد الحالات، بخلاف مهام التمريض، متخلين عن ساعات الراحة عن العمل خلال اليومان.

 

منذ 7 مارس وتعكف رضا حبيسة أسفل جدران مستشفى إسنا، لشعورها بأنها في مهمة وطنية ولا يجب عليها التخلي عنها الأن، بالرغم من إشتياقها لأحبابها بالقاهرة وفقدانها لحياة ما قبل الحجر، ففي وقت الحروب لا مجال للراحة. مردفة: “الإحساس بالمسئولية أكبر من تحقيقي لرغبتي”.

 

وتحكي رضا عن اشتياقها للحرية ولحياة ما قبل كورونا دون هاجس الخوف من العدوى، مردفة: “أول مرة أغيب فترة كبيرة عن أطفال أخويا، ولو رجعت هبقى خايفة عليهم مني، وحشتني العيشة من غير الخوف من العدوى، محتاجة رفاهية أخد النفس دون ملابس الواقيات”.

 

تعيش “الصعيدية” صراع داخلي ما بين الضعف مما تراه من حالات إنسانية تعيش معها والحنين لحياتها الطبيعية، والتماسك والقوة للقيادة ودور الأم التي تقوم به تجاه فريقها من التمريض، مردفة: “ماينفعش أبقى ضعيفة ولو للحظة، لو تعبانه ماقدرش أبين تعبي قصاد الممرضات، لو في لحظة ضعفت الطقم كله كان ضعف، وماكناش حققنا إنجازات في أرقام التعافي ولا كملنا يوم”.

 

  عاطفة السيدات

“276 سرير رعاية مركزة، 28 مولد أكسجين، بجانب التبرع بـ7 أجهزة تنفس صناعي يقدروا بنحو 2 مليون جنيه، بالإضافة لمستلزمات الأطباء من التعقيم والماسكات في أكثر من 10 مستشفيات في الصعيد، ما بين صدر وحميات وعزل كلها إمدادات وفرتها مؤسسة “مرسال” التي لعبت دور كبير في إنقاذ الكثير من الأرواح المصابة بفيروس كورونا.

هبة راشد

هبه راشد، صاحبة مؤسسة مرسال“عارضوني واتهموني بالجنون”، هكذا بدأت مؤسسة “مرسال”  هبه راشد حديثها عن تأسيس مؤسسة خيرية للمرضى فقط، والتي لم تكن تتوقع أن تصبح أحد أهم المؤسسات في مواجهة وباء كورونا، موضحة أن قرار تدخل مرسال للمشاركة في أزمة كورونا قُبل بالرفض من أصدقائها ومن حولها، قائلة: “زمايلي وأصحابي عارضوني وأتهموني بالجنون، قالولي انتي كدا بتنتحري والمؤسسة هتقع مش هتستحمل الضغط”. ولكن ردها جاء قاطعًا: “قولتلهم مش هنسيب حد يموت.. هنشتغل طول ما ربنا مدينا مدد وهنكمل”. وعن دور السيدات في الفترة الأخيرة، ترى راشد أنه وضع طبيعي، مُعلله: “الستات عندها روح العاطفة أعلى مما يزيد من حماسها في الأزمات”، وتكمل ضاحكة: “عكس الرجالة بيحسبوها بالعقل.. الستات لا.. احنا هنتوكل على الله”.

“مرسال” مدد الله.. هنا مركز دعم ربع مليون إنسان من ضحايا كورونا (معايشة)

 

المتطوعة آية حسين “لو الدنيا تسمح وأوصل الوجبات لأسوان هروح.. عايزة أوصل لكل مصاب في كل مكان” هذا ما نطق به لسان آية حسين، واحدة من المتطوعين في توصيل الوجبات لمصابي كورونا، والتي تشد الرحال يوميًا من منطقة شبين القناطر، ووجهتها القاهرة على بعد ساعة ونصف من محل أقامتها، تقوم بتوصيل الوجبات لكل المناطق ولا تبالي خطر العدوى، ولا تبخل بوقتها في تقديم العون للمصابين. ولسان حالها: “سيباها على ربنا واحنا بنعمل حاجة لله ومفيش غيره هيحصنا”.      يبدأ يومها من الثامنة صباحًا لأداء واجبها من أعمال في المنزل تخفيفًا عن والدتها، وبعدها تتجه لعملها الخاص سريعًا، قبل إنطلاقها سريعًا للقاهرة والقيام بأحب ساعات يومها، يأخذ التوزيع وقت ومجهود شاق، أكثر من 4 ساعات في أماكن متفرقة وكل مكان بعيد عن الآخر، ولكن مع فرحة المصاب يذوب أي متاعب. حسب حديث آية لـ”القاهرة 24″.      وصمة العار التي يواجهها حالات مصابي كورونا في مصر، كانت هي المحرك الرئيسي لآية خلال الفترة الأخيرة، فعند محادثتها لأي من الحالات، أول ما تنطق به الحالة هو التحذير من سكان المنطقة، وبعد وصول المبادرة وترك الوجبات أمام المنزل، يتواصلوا معاها خشية أن يكون ضارب الجرس أحد الجيران.

مبادرة توصيل الوجبات لمصابي فيروس كوروناترى الشابة أن أقل قيم الإنسانية تقديم الدعم ولو نفسيًا فقط، لتختار أن تكون سببًا للهوان على البعض منهم.    وتلفت مهندسة الجودة والتي تحلم بجمعية خيرية تقوم بها داخل وخارج مصر للوصول لكل إنسان محتاج، إلى أن أزمة كورونا كشفت عن الدور الحقيقي للسيدات بالمجتمع، قائلة: “كل حاجة في ايديهم وظفوها لمساعدة الناس، والغير قادرة على الإمداد بالماديات بتخفف عن المرضى وبتراضي قلبوهم بمكالمة تليفون”، مكملة: “الستات واعيين بمعنى أم بأطفالها في أزمة، وبيساعدوا بكل السبل، لو واحدة حالتها الصحية مش هتساعدها بتساهم في الوجبات أو بتوفر مطبخها وبيتها كمكان للمبادرة، والغير مقتدرة عرضت مجهودها في الطبيخ، وغيرهم وفروا عربيتهم للتوصيل”.

تابع مواقعنا