الأربعاء 24 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

سؤال الجبهة الغربية: ليبيا التي في مصر

القاهرة 24
السبت 11/يوليو/2020 - 08:02 م

ليبيا ليست مجرد دولة جوار مجهولة الملامح بالنسبة لنا، كما يظنها كثيرون..

ليست صحاري شاسعات وثروة نفطية متناثرة وقبائل وأقاليم ترتبط مع بعضها البعض بعلاقات غير مفهومة لنا.. تحالفًا وخصومةً.

ليبيا ليست معدومة الأهمية لأن نهر النيل لا يمر من خلالها (بكل ما يعنيه مرور النيل في أي من دول القارة وما يترتب عليه من تحالفات وخصومات وتفاهمات وتفاصيل لا تنتهي)..

ومن ثم فإن إيلاء ملفها أهمية كبرى قد يبدو للبعض ترفًا تمارسه الدولة المصرية من قبيل مخاشنة تركيا (الراعي الدولي للإخوان المسلمين والدواعش ومشتقاتهم).

ليبيا ليست دولة لا تعنينا في أزماتها إلا من حيث علاقة الجوار التي قد يترتب عليها اضطراب حدودي محتمل.. كما يظن البراجماتيون المتعالون على الأمر الواقع والمتعالون على فهم واقع بلادهم وحقيقة مكوناتها.

ليبيا لمن يدرك تركيبة القبائل المصرية، تدخل بمعظم تركيباتها السكانية، في علاقة عمومة وأخوة مع ملايين المواطنين المصريين.

بحيث تنقسم القبيلة الواحدة بين مصر وليبيا في سكانها وعاداتها وتشابه أسماء أفرادها لحد التطابق تقريبا!

لا نتحدث عن قبائل العربان المتناثرة هنا وهناك في الظهير الصحراوي للمحافظات كما قد يظن البعض، بل أشير لعمق التركيبة القبلية المصرية من السلوم للبحيرة للفيوم لبني سويف وصولا للصعيد، بحيث يرتبط ملايين المصريين بعلاقات دم مباشرة مع العمق الليبي المترامي الأطراف.

يستوي في هذا قبائل أولاد علي بفروعها، والحرابي (ببطونها)، والبراعصة (أحد بطون الحرابي حلفا لا نسبا)، بل حتى القذاذفة، القبيلة التي ينتمي لها الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.. لها فروعها وبيوتها في مصر!

علاقات الدم والجوار استتبعها علاقات المصاهرة والتزاوج والتزاور في المناسبات.. وهو ما جعل العمق الليبي مساحة مألوفة للمواطن المصري، يذهب إليها بأريحية ومتى شاء.

وهو ما خلق من السوق الليبي امتدادا قريبا وسهلا للعامل المصري، بحيث استوعبت ليبيا مئات الألوف من المصريين على أراضيها.

وبحسب تقدير الجهاز المركزي للمحاسبات عام ٢٠١٥، وبعد سنوات من العودة الضخمة والانسحاب الكبير للمصريين من الجحيم الليبي المشتعل، فإن عدد المصريين هناك قدر بربع مليون مصري تقريبا.

وهو رقم يمكن استنتاج ما كان عليه الحال قبل ٢٠١١.

لقد لعبت ليبيا دورا حاضنا لملايين المصريين من مختلف المهن الذين وجدوا في جنباتها متسعا للبحث عن الرزق. ولعبت مصر بالمقابل دورًا تنمويًا ضخمًا في الشقيقة ليبيا بما قام به المصريون هناك من أدوار.. من عامل ومهندس ومدرس وطبيب.

فقد خلق الجوار – في حالتنا هذه- تكاملا حضاريا بين بلدين، يمكن القول دون أدنى مبالغة، أن تكوينهما السكاني متداخل على نحو يجعل من المستحيل فصلهما عن بعضهما البعض.

ومن ثم فإن الانخراط المصري الكامل في تفاصيل الملف الليبي ليس ترفا دبلوماسيا وليس من قبيل الهموم الأخلاقية لمصر لحفظ سلامة الإقليم وسلامة البلدان العربية، بمقدار ما هو تدخل ضروري وحتمي فيما يعني المصريين أنفسهم.. دما ولحما.. وعمقا حضاريا.. وسوقا قريبة للثروة البشرية الهائلة على ضفاف النيل.

فإذا كان البعض يحاجج- وله الحق- في أهمية بلدان الخليج لاستيعاب الفائض الضخم لسوق العمالة المصري (في كافة المهن)، فإن الدور الليبي هنا قد يبدو أكثر استراتيجية بمعايير كثيرة.

يكفي أن السفر لليبيا حتى وقت قريب، كان يتكلف فقط ٢٥٠ جنيها مصريا، وأن الميكروباصات في الفيوم وبني سويف تُقل المسافرين إلى ليبيا بوتيرة دائمة وفقا لخطوط سفر محفوظة كأنها داخل القطر المصري نفسه.

ويكفي أن الانهيار الذي اجتاح ليبيا في أعقاب تفككها ومقتل القذافي وانتشار الفوضى في أراضيها، ألقى بظلال مباشرة وسريعة وخطيرة في مصر، بانتشار السلاح والبضائع المهربة التي أغرقت الداخل المصري بصورة بدت عصية على المواجهة.

بل لقد أجبرت المليشيات المتصارعة بعض المصريين على المقاتلة في صفوفها، ولإدراكهم للواقع المصري تأثرا بثقافة الوافد المصري المنتشر في أرجاء ليبيا لعقود، صنفت المليشيات أجورا للمقاتلين المجبرين على القتال تحت راياتها وفقا لسابق خبرات من خاض منهم تجربة التجنيد في صفوف الجيش المصري!

وبناء على سابق خبرتك أيها المقاتل إجباريا وبأجر (وإلا قتلناك!) سيتحدد راتبك. فمن يجيد استخدام الرشاش.. غير من يقود الدبابة!

فدول الجوار ليست في كل الأحوال ملفا أمنيا حدوديا بمقدار ماهي طوفان بشري متداخل معك ومع تفاصيلك وحياتك وثقافتك ويؤثر في استهلاكك وأولوياتك بصورة مباشرة.

وليبيا باضطراباتها وتكوينها القبلي وبأوضاعها امتداد مباشر لمصر.. امتداد دم وامتداد استراتيجي وامتداد ثقافي اجتماعي لا يمكن أن نقف حياله مكتوفي الأيدي.

فما بالك لو كان امتدادا بهذه الأهمية يحاول الاستيلاء عليه طرف دخيل ويظهر خصومته لنا علانية، وجرائمه في سوريا، وتدخلاته الوضيعة في الإقليم تملأ ما بين الأرض والسماء؟

مصر في ليبيا لا تحارب تركيا ولا تزاحم روسيا ولا تغازل إيطاليا ولا تنافس أمريكا.. مصر في ليبيا لأجل مصر.

وما سوى ذلك سيكون تفريط فاضح في أمننا القومي.

تابع مواقعنا