الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

صاحب المقام.. واكتشاف دين المصريين

القاهرة 24
الإثنين 03/أغسطس/2020 - 05:11 م

تمتعت بمشاهدة فيلم صاحب المقام، للمخرج محمد العدل والكاتب إبراهيم عيسى والبطل آسر يس، إنه ثالث أفلام إبراهيم عيسى بعد مولانا، والذي كان بداية مشجعة لكاتب انتظرنا منه الكثير، ثم جاءت سقطة فيلم الضيف، الذي كان ثقيلًا وخيب فيه إبراهيم عيسى أملنا وظننا أنه أفلس قبل أن يبدأ، ولكن جاء صاحب المقام ليعلن مولد كاتب مصري عملاق هو إبراهيم عيسى.

البطل الحقيقي في هذا الفيلم هو فكرته، يريد الكاتب أن يقول وبحق إن مصر بها دين واحد فقط هذا الدين هو التوحيد، وله أشكال عديدة، إنه توحيد (أخن آتون) في عبادته للشمس، توحيد (آمون) صاحب المعجزات، توحيد إله يوسف الذي حمى مصر من المجاعة، توحيد إله موسى الذي منحه العصا تلقف ما صنع السحرة، توحيد إله عيسى صاحب الكرمات الذي أحيى الموتى وشفى المرضى بإذن صاحب الملك والملكوت، توحيد إله محمد الذي أنزل القرآن شفاء لما في الصدور.

ولم يمنع هذا التوحيد المصريين أن يؤمنوا بأن الله منح المعجزات لبعض عباده الصالحين، فقد منح القوة لحورس لكي ينتقم من ست الذي قتل أبوه أوزوريس، ومنح القوة لأحمس لكي يطرد الهكسوس، ومنح المعجزة ليوسف ليحمي مصر من المجاعة ومنح المعجزة لموسى فشق البحر بعصاه لنجاة بني إسرائيل ومنحها لعيسى فتكلم في المهد وسار مع الوحوش ومنحها لمحمد فمكن له دينه، ومنح الكرامات لكل أوليائه الصالحين، حتى آمن المصريون بكرمات أبو حصيرة اليهودي والقديسة دميانة القبطية والسيدة زينب المسلمة.

إن زوار الأضرحة والمقامات والأديرة من كل الملل من المصريين يؤكد ذلك، لا يعادي دين المصريين إلا الدين السلفي الأصولي الرافض للغير بقدر رفضه لكرامات الأولياء، والذين استغلهم البطل في هدم مقام الشيخ هلال إن قواعد دين المصريين ليست قواعد ثابتة مكتوبة مثل القوانين اللاتينية ولكنها تعتمد على السوابق الإيمانية مثل القوانين الإنجلوسكسونية، دين اكتملت قواعدة في سبعة آلاف سنة مع مواسم الحصاد وجريان النيل واحتفالات المصريين في المعابد وحول الأضرحة والمقامات، وفي الموالد والأعياد، فكيف يتجرأ بطل الفيلم (آسر يس) على هدم مقام (سيدي هلال)؟، ومن هنا كانت البداية إصابة زوجته بنزيف في المخ وتذهب في غيبوبة، ويبدأ بطل الفيلم رحلته مع المقامات، حتى يقرر تنفيذ رغبات أصحاب الطلبات الذين أرسلوها للإمام الشافعي، لم يذكر الحوار صراحة كل ما ذكرته عن دين المصريين، ولكن كل مشهد في الفيلم يؤكد هذه الحقيقة، كان المشهد داخل الكنيسة عظيمًا بقدر بساطة الحوار ، عندما سأل البطل صديقة المسيحي ما يجب عليه أن يفعله، فقال له بعفوية (ولع شمعة، واقرأ الفاتحة) فيرد البطل بنفس العفوية (بس؟) فيقول المسيحي (لو حافظ سورة البقرة قولها)

كان مشهد الفنان محمود عبد المغني وهو في الشرفة تتنازعه مشاعر الفرح مع الصدمة وعدم التصديق، أن الله تذكره واهتم للخطاب الذي أرسله للإمام الشافعي، وهو يقول (أنت فاكرني، دا أنا تافه وابن كلب وماليش 30 لازمة)، مؤثرًا جدًا ينتزع الدمعة من مقلتيك بقدر الأمل الذي يزرعه في قلبك، كل الفنانين كانوا نجومًا، والإخراج كان جيدًا يعيبه فقط تقليدية المشاهد التي كانت تظهر فيها يسرا بعد كل خير يقوم به البطل، لم تعط الإحساس الكافي بالباراسيكولوجي والبعد الروحاني الواجب ظهورة مع هذه المشاهد، الأبطال كلهم نجوم في جميع المشاهد فيما عدا الفنان محمد لطفي الذي لم يعرف مساحة الدور وبعده ولماذا هو ضمن أشخاص الفيلم، فجاء أداؤه تقليديًّا فاقد للصنعة والفن فكان نشازًا بين سيمفونية أداء باقي النجوم حتى الأطفال.

هذا الفيلم مصري بامتياز، يشعر به المشاهد المصري بعمق أكثر من أي مشاهد آخر، بلغ إبراهيم عيسى القمة في الحوار والتأليف، شكرًا لكل أسرة الفيلم، فالوقت الذي قضيناه لم يضع هدرًا، ولكن اكتشفنا فيه أنفسنا، فهذه هي مصر وهؤلاء هم المصريون، اكتملت صورتهم مع اكتمال مشاهد الفيلم بإعادة بناء مقام الشيخ هلال ووضع الشباك الأرابيسك الخشبي والذي سيتمسح به المصريون طلبًا للكرامة.

تابع مواقعنا