الثلاثاء 23 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

النور يولد من رحم الظلام

القاهرة 24
الأحد 09/أغسطس/2020 - 06:59 م

الله الأمين يعدنا قائلاً: “مَنْ يدعوني، أستجيبُ له، أنا معه في الضيق، أُخلِّصُه وأمنحهُ مجداً…” (مزمور 15:90). نقرأ في أمثولة عنوانها: “رسالة حنان” عن رجلٍ كان يحلم بأنه يسير على شاطئ البحر وكان يشاهد آثار أربعة أقدام على الرمال عندما كان يعيش في الرخاء، وفَهِم بأن اثنتين لله الذي كان يسير بجواره واثنتين له، فكان مطمئن البال لوجود الله بالقرب منه، ولكن مع مرور الأيام عندما ضاقت به الحياة وجد قدمين فقط. فعاتب الله هكذا: “أنا وعدتك بأن أطيع جميع وصاياك، كما أنك وعدتني بأن تكون معي دائماً أبداً، ولكنني لاحظت شيئاً غريباً في حياتي، لمّا كنتُ في سعادةٍ لا مثيل لها نتيجة الغنى والصحة والنجاح كنتَ تسير بجانبي؛ ولكن عندما ضاقت بي الدنيا وفقدت كل ما أملك وبدأ المرض يحلّ عليّ والأمواج تعصف بي؛ لم تكن بجانبي. لماذا تركتني في اللحظات العصيبة؟” فأجابه الله: ” يا بنيّ، أنت تعلم أني أحبّك ولم أتركك أبداً، فعندما كنتَ في حالةٍ جيدة، كنتُ أسيرُ بجوارك، وعندما بدأت الصعوبات والمشاكل تُحيط بك، كنتُ أحملك على ذراعي”. نتعلّم الكثير من هذه الأمثولة الرمزية في حياتنا اليومية، كما أنها تكشف لنا أسراراً ومعانٍ لم نكن ندركها، وفوق كل هذا تساعدنا على الثقة بالله الذي لم يتخلّ عنّا أبداً وسط الشدائد أو عند وقوع الأزمات.

 

وفي هذا الصدد يقول داود النبي: “معونتي باسم الربِّ صانع السماء والأرض” (مزمور 2:120). أيضاً نستطيع أن نتعلّم درساً من الشجر الذي يتحمّل حرارة الشمس ليمنح الآخرين نشوة الظل، فالشجر يتحمّل الألم والهجمات التي تأتيه من الخارج، والجفاف الذي يحل عليه من الداخل حتى يُصبح مصدراً للراحة والانتعاش والسلام للآخرين. كم من المرات التي كنّا فيها عبئاً على الغير بسبب كثرة شكوانا من همومنا ومشاكلنا؟ كما أننا نوزّع عليهم طاقة سلبية، لكن من الأفضل أن نتحلّى بالشجاعة لنزرع الأمل والتفاؤل مهما كانت بداخلنا مرارة، أو كان قلبنا ملبّداً بالغيوم، كما يجب علينا أن نمنح الآخرين راحةً وسكينة. هذا الأمر ليس من السهل أن نقوم به، ولكنه يظهر معدن الإنسان وصلابته في مواجهة مشاكل الحياة. لأنه لولا وجود الملل؛ ما استطعنا أن نشعر بلذة العمل، ولولا وجود الفقر؛ ما شكرنا الله على الستر، ولولا وجود لحظات الحزن؛ ما استطعنا أن نشعر بنشوة السعادة، ولولا وجود ساعات الضيق؛ ما اختبرنا معنى الفرح، ولولا وجود الشدّة والمحنة؛ ما استطعنا معرفة الصديق المخلص. هنا يُختبر معدن الشخص وقوته، فمنذ أن اكتشف الإنسان وجود المعادن تحت الأرض، وهو يلجأ للنار لاستخلاصها، فالمعادن الرخوة كالرصاص والقصدير لا تحتاج إلى نارٍ قوية؛ بينما تلك الصلبة والثمينة كالذهب والحديد، فتحتاج إلى نارٍ شديدة لتنقيتها من جميع الشوائب.

 

من هذا المنطلق نجد البعض منّا أمام تجارب الحياة وصراعاتها، يصبح كالقش الذي يحترق في النار ثم يُدَخَن، بينما البعض الآخر يصير كالذهب الخالص لا شائبة فيه والذي يزداد بريقه ولمعانه في النار. إذاً نستخلص من هذا سر وجود الألم ومعنى التجارب والصعوبات والتناقضات التي تواجهنا كل يوم، فكل إنسانٍ يمر بنار المحنة والألم يتخلّص من شوائب الفساد العالقة به، فيصبح بعد ذلك كالذهب النقي الذي يلمع، وكلما اشتدت المحنة والألم ارتفعت قيمة معدن الإنسان. ومما لا شك فيه أن الله يسمح لنا بأن نمر بظروفٍ قاسية، ومن المحتمل أن تدفعنا للقلق وتجعلنا نرى كل شيء قاتم اللون، وتحمل البعض إلى اليأس في إيجاد مخرج لها أو التخلّص منها، ولكن يجب أن نثق في أبوّة الله وأمانته في وعوده وحنانه، لأن قوتنا تكمل مع الله. إذاً يجب علينا أن نلجأ إليه طالبين معونته المجانية وغير المحدودة، لأن الله مستعدً دائماً للوقوف بجانبنا. طوبى للإنسان الذي يلجأ إلى الله معتمداً عليه، لأنه سيحمله فوق ذراعيه إذا لزم الأمر حتى يتخطى العقبات التي لا يستطيع أن يواجهها بمفرده. مما لا شك فيه أن اللجوء لله لا يكلّفنا شيئاً على الإطلاق؛ ولكنه يعود علينا بالخير الوفير، لأن الله يغمرنا في كل لحظة بنِعَمِه وعطاياه وبركاته التي لا تنضب أبداً، لأنه يعلم تماماً ما هو خيرنا والأفضل لحياتنا حتى وإن كان لنا وجهة نظر أخرى لهذه الأمور. ونختم بالقول المأثور: “عندما يحلّ الظلام، نستطيع رؤية النجوم أفضل”.

تابع مواقعنا