الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

لبنان الانفجار قبل الانفجار

القاهرة 24
الإثنين 10/أغسطس/2020 - 05:20 م

دولة دخلت حرب أهلية لمدة خمسة عشر عامًا ، بين 1975 & 1990، ولكنها لم تتعلم من الحرب الأهلية أن الوطن أهم من المواطن، وأن المواطنة أسبق من التوجهات السياسية والعقائدية، فكانت حكومات قائمة على المحاصصة، فرئيس الجمهورية مسيحي ماروني، ورئيس الوزراء مسلم سني، ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي، وأصبح كل مسؤول يدين بموقعة لفرقته وعشيرته التي تؤويه، ولبنان لا أحد يدين لها بشيء، دولة لديها احتياطي من الذهب يقدر بمائتين وسبعة وثمانين طنا، وبلغ الناتج المحلي 57 مليار دولار، ومستوى دخل الفرد السنوي 9600 دولار، تصل نسبة العجز في الميزانية 152%، والسبب طبعًا أنها تحتل المرتبة 137 عالميًا في تصنيف الفساد بين 180 دولة، والمرتبة الخامسة عالميًا في سوء توزيع الدخل واللامساواة، فمن ضمن عدد السكان البالغ ستة ملايين ونصف المليون يوجد 10% فقط من السكان تستحوذ على 55% من الدخل وأكثر من 70% من الثروة، وهو بلد بعتمد في دخله على السياحة والخدمات وتدفق أموال اللبنانيين بالخارج بنسبة تصل إلى 83%.

لبنان على عكس الكثير من الدول العربية في حقبة السبعينبات اعتمد على الاقتصاد الحر وتدفق الاستثمارات الخارجية، كنمط ليبرالي قل مثيله في هذا الوقت، ولكن ورغم أن هذه السياسات الليبرالية سجلت نجاحا اقتصاديا فإنها كانت قاصرة اجتماعيا، إذ كرست خللا في الدخل والثروة وفوارق اجتماعية وطبقية كبيرة، وكان ذلك من الأسباب التي قامت عليها الخلافات السياسية والصدامات العسكرية لاحقا، تحولت بيروت إلى كانتونات، فالجنوب ومنطقة المطار للشيعة والجبل للموارنة والساحل للسنة، والوزارة أصبح لكل كتلة سياسية وزير، خرجت لبنان من الحرب الأهلية ضعيفة ومفككة، أقامت منظمة التحرير في طرابلس ثم تدخلت إسرائيل وانتقلت المنظمة وياسر عرفات لتونس، ثم الحرب مع إسرائيل غير المتكافئة ودخول سوريا لبنان وحكم رستم غزالة، ثم دعمت إيران حركة أمل التي أنشأها موسى الصدر الذي اختفى في ليبيا في ظروف غامضة، وبزوغ نجم حزب الله من تحت عباءة حركة أمل، ثم منح حسن نصر الله بعض الانتصارات التافهة على الكيان الصهيوني لشغل الشباب العربي ومنحه مثلًا أعلى، وكان حسن نصر الله هو بوابة دخول إيران في لبنان، كل ذلك بالتزامن مع إجبار المجتمع الدولي لسوريا بإعادة الانتشار ثم الخروج من لبنان، لبنان في واد والحكومات المتعاقبة في واد آخر، كل منهم يفكر كيف يكنز أكبر كم من أموال لبنان لنفسه أولا ثم لطائفته ثانيا وليذهب لبنان إلى الجحيم، فحدثت فوارق ضخمة في توزيع الثروة بحسب المناطق وكذلك اجتماعيًا وطائفيًا، مع الحفاظ على عدم إصلاح الإدارة بشكل بنيوي، إذ بقيت خاضعة للمحاصصة والمحسوبية، مما كرس الفساد فزاد وتغول، وتراكم الدين الخارجي والداخلي فأصبحت فوائد الدين وخدماته مرتفعة للغاية، حتى أن قطاع الكهرباء بمفرده استهلك نصف الدين الخارجي، وما زالت الكهرباء تنقطع في الكثير من مناطق بيروت والخدمة سيئة جدًا، وزاد العجز في ميزان المدفوعات بشكل خيالي، كل ذلك وقطاع مصرفي مدين يعطي فوائد مرتفعة جدًا وخيالية على الودائع، والتي يستحيل في ظل هذه الظروف إدارتها بشكل سليم يحقق العائد.

كل ذلك أدى إلى ازدياد نسبة الفقر ودخول الشرائح المتوسطة في زمرة الفقراء، فكان الانفجار الأول بمظاهرات صاخبة وسب لبعض الوزراء على رأسهم الوزير جبران وزير الدفاع، واضطرت الوزارة للاستقالة تحت وطأة المظاهرات وجاءت وزارة حسان دياب وهو أكاديمي وذو خبرة واسعة وبرعاية مباشرة من حزب الله وحسن نصر الله، إلا إنه أعلن صراحة أنه يحفر في الصخر، ثم جاءت أزمة كورونا ومعها الانفجار الثاني بعدما تراجعت احتياطيات البنك المركزي وعدم وفاء المانحين بوعودهم، وقلة تدفقات أموال اللبنانيين بالخارج بعدما فقدوا الثقة تمامًا في المصارف اللبنانية وقلت الودائع الأجنبية والعربية، ودخل لبنان حالة إفلاس فعلي، خاصة وأن الاقتصاد اللبناني لم يحقق أي زيادة سنوية في الناتج (GDP) ، بل في 2019 بلغت حجم خسائر الاقتصاد اللبناني بالناقص 5.6%

الفساد سمح بحفظ النترات والمواد المتفجرة في مرفأ لبنان وسط بيروت وبين الأهالي، والطائفية جعلت أصحاب المتفجرات وهم من طائفة يحفظون المتفجرات في أحياء يسكنها غالبية من طوائف أخرى، والجوع والإفلاس والرشوة هم أدوات الشيطان في بقاء هذا الخطر لعدة سنين بين المواطنين.

لقد انفجر لبنان أولا وثانيا قبل أن ينفجر ثالثًا بفعل المتفجرات المخزنة في المرفأ الذي يدخل منه أكثر من 80% من الأكل للشعب اللبناني، نعم لقد انتهت أصوات الانفجارات بعدما خلفت أضرارًا وخسائر في الرواح والمنشآت، ولكن هذا الانفجار كان سببًا لانفجار آخر في نفوس اللبنانيين لن يتوقف حتى أن بعضهم طالب بعودة الانتداب الفرنسي وهم معذورون، لن يتوقف هذا الانفجار حتى تحدث حلول جذرية لكل مشكلات لبنان.

والسؤال الذي يفرض نفسه: أين العرب؟ وأين الجامعة العربية؟ لعل محيي العظام وهي رميم يحيي الجامعة العربية من مرقدها قبل توالي الانفجارات.

تابع مواقعنا