الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

ألطف الكائنات

القاهرة 24
الجمعة 14/أغسطس/2020 - 04:49 م
  • مع بداية أزمة كورونا فى العالم كله، واللي بسببها معظم تفاصيل الحياة اليومية توقفت، ومنها المدارس اللي تحول التعليم فيها لـ إليكتروني عن طريق الإنترنت من البيت؛ كانت الأستاذة المكسيكية “ناي” اللي بتشتغل مدرسة ليها رأى مختلف!.. آه هي مع ضرورة قفل المدارس عشان التجمعات، وكده بس مش كل الطلبة عندهم إنترنت.. مش كده، وبس ده كمان فيه فى المدرسة اللي هي فيها قسم للطلبة ذوي الهمم اللي محتاجين رعاية من نوع خاص أكيد أكيد لا صبر أهلهم ولا خبرتهم هتخلّيهم يحصلوا على دروسهم بشكل ملائم لوضعهم.. لازم يكون فيه تصرف يناسب الكل مش طلبة آه وطلبة لأ!.. طيب والحل يا ست “ناي“!.. إنتي يعني هتصلحي الكون؟.. ده كان سؤال معظم اللى حواليها من أول إدارة المدرسة اللي بتشتغل فيها لـ حد أسرتها اللي كانوا شايفين إنها مزوداها، وماتقعدي فى البيت بقي، وسيبي اللي يتعلم يتعلم، واللي مايقدرش ربنا معاه إنتي يعني هتفهمي أكتر من الحكومة على الأقل لحد ما الكام شهر دول يعدوا!.. لأ لازم حل.. ده كان ردها.. وفعلها؟.. “ناي” قررت تجيب عربية والدها الحمراء القديمة الربع نقل وتحول الصندوق الخلفي بتاعها لـ فصل متنقل!.. فصل فصل أيوا فيه ترابيزة تعليمية مستطيلة، وتحط فى الصندوق ده أدوات دراسية وتهيأه كإنه فصل فعلاً.. وبعدين؟.. المسافات هناك فى المكسيك بين المدن كبيرة، وفيها مناطق مترامية الأطراف؛ ده غير إن بيتها هي نفسها بعيد جداً.. “ناي” بقت تاخد العربية دي، وتسوقها بنفسها كل يوم لمدة ساعتين رايح، وساعتين جاي ده غير الوقت اللي بتقضيه فى المهمة بتاعتها نفسها لمدة 3 شهور متتالية عشان كل يوم تروح لـ بيت واحد من الطلبة ذوي الهمم اللي معندهمش إنترنت عشان تشرحله!.. رغم إلتزامات “ناي” بإرتباطات أسرية، وإعتراض أسرتها على كده بس هي صممت، ونفذت!.. فى البداية ماكنش اللي بتعمله “ناي” معروف للإعلام.. بس فى مرة إنتشرت صورة ليها، وهي بتعمل مهمتها.. شوية كمان، وإسمها إتعرف.. شوية كمان، وكمان سألوها فى حوار صحفي مقتضب: (ما النفع الذي سيعود عليكي من كل هذا!).. فكان ردها المقتضب أكتر، وأكتر: (لا تسأل إمرأة عن سبب أمر تفعله بـ حب!).

 

المدرسة "ناي" أثناء قيامها بمهمتها
المدرسة “ناي” أثناء قيامها بمهمتها

 

  • الحادثة المؤلمة اللي حصلت فى لبنان، وإنفجار مرفأ بيروت من حوالي أسبوع، والضحايا والأضرار اللي سببها؛ ساب أثره فى قلب وعقل كل عربي شاف الفيديوهات أو سمع عن الحادثة القاسية دي.. ده اللي ظاهر.. طيب والمستخبي؟.. هو مش مش مستخبي أوي برضه لكنه موقف إنساني ما أخدش حقه من الإنتشار الإعلامي بسبب تركيز الكل على الجزء الأوضح من المصيبة دي.. السفير الهولندي فى لبنان السيد “جان” متجوز السيدة “هيدويغ والتمانز موليير” من حوالي 38 سنة!.. عِشرة عمر مفيش بعد كده بدأت من سنين بعد قصة حب وهما لسه فى بداية حياتهم الديبلوماسية فى هولندا.. إتجوزوا.. “جان” لما بقت تجيله أى مهمة عمل كـ سفير فى أى دولة بقي يصمم ياخد “هيدويغ” معاه، وأساساً هي كده كده موظفة مميزة يعني إصطحابه ليها مش كوسة لإنها لو ماعندهاش الكفاءة والله لو مين ماكنش هيعرف يخليها تشتغل فى أى سفارة حتى ولو يوم!.. المهم إن الزوجين بقوا أشبه بالرحالة لحد ما أستقر بيهم المقام مؤخراً فى سفارة هولندا فى بيروت.. “هيدويغ“ خلال سنين جوازها بـ “جان” كانت دايماً تكلمه من وقت للتاني عن فكرة إنها نفسها إن حياتها تكمل حتى بعد موتها!.. أيوا هتعملي إيه يعني؟.. هتبرع بأعضائي لما أموت للي محتاجينها!.. طيب دي قصة سابقة لأوانها يا ست “هيدويغ” ومش وقته وسيرة مش كويسة.. ترد ماشي بس بعد فترة ترجع تفتح الموضوع تاني.. هو تحت إلحاحها وعشان يريحها أو يريح دماغه على وجه الدقة وافق إنها تكتب ورقة فيها تنازلها عن أعضاءها بعد موتها!.. تمر الأيام يوم ورا يوم وشهر ورا شهر وسنة ورا سنة لحد ما بيحصل إنفجار مرفأ بيروت.. لسوء الحظ بتكون “هيدويغ” من ضمن اللي بيصيبهم الإنفجار اللي بيصيب المبني اللي متواجدة فيه، وللأسف برضه بينتشر فيديو للحظة اللي فيها الإنفجار، وإصابة “هيدويغ” اللي مش شدته نطرها بره الأوضة اللي موجودة فيها وخلاّها تخبط الباب وتكسره وتتخبط خبطة مايستحملهاش بشر فى الدرابزين ويقع جسمها منهار!.. مقطع فيديو مش بيتجاوز الـ 15 ثانية فيه اللقطة المؤلمة دي لا ينصح بمشاهدته للي قلوبهم ضعيفة.. بتتنقل “هيدويغ” بين الحياة والموت للمستشفي بجروح خطيرة، وبيبقي باين إنها النهاية!.. أثناء ما هي فى لحظاتها الأخيرة بتسمع أصوات متداخلة لواحد من الدكاترة اللي حواليها بيتكلم عن وجود إتنين مرضي فى المستشفي عندهم مشاكل فى الكلي ومحتاجين عمليات عاجلة بس الطاقة الإستيعابية بتاعت المكان مخلّية الإهتمام كله بالمصيبة اللي لسه حاصلة، ومصابين الإنفجار، وإنهم فى المستشفي مش لاقيين لا متبرعين ولا غيره.. بتبص “هيدويغ” بصة بـ نص عين ليها معني لـ “جان” وكإنها بتقول له: (نفذ الإتفاق اللي كان بيننا).. الزوج اللي كان فى مصيبة ضخمة بقرب فقده لشريكة حياته رد برفض بدون صوت ولسان حاله بيصرخ إحنا فى إيه ولا في إيه خلينا فيكي إنتي دلوقتي.. بتصمم “هيدويغ” على إشارتها ليه، وهي بين الوعي والغيبوبة إنه ينفذ إتفاقهم.. بتموت “هيدويغ“، وبيتنفذ اللي طلبته، واللى كان شاغل تفكيرها حتى وهي بتفارق الدنيا.. تم إنقاذ حياة إتنين مرضي عن طريق زرع الكليتين بتوعها ليهم، وبيعيشوا.. أو بمعني أدق بتفضل “هيدويغ” هي اللي عايشة بعد ما بتموت.. زي ما كانت بتحلم بالظبط.. أومال!.. ما هي الست لما بتحط الحاجة فى دماغها لازم تعملها، ومش بيمنعها عنها حتى الموت!.

 

السيدة "هيدويغ"
السيدة “هيدويغ”
  • اللى فاتوا أجانب وناس غير الناس، وطينة غير الطينة، والستات عندنا هنا فى مصر مختلفين عنهم شوية، ومفيش الكلام ده وسطنا!.. الدنيا هنا صعبة، ومفيش بنت بتقدر تنور لو قابلت أى معوقات.. تمام.. خُد دي.. فيه بنت مصرية شابة إسمها “إسراء البابلي“ اتولدت وهي عندها ضعف فى السمع خلّى فيه صعوبة فى التواصل بينها وبين أى حد.. طبعاً موضوع طبيعي يضايق أسرتها وبالذات والدتها.. لما بدأت “إسراء” تكبر شوية كان ضروري تدخل مدرسة.. ساعتها ماكنش فيه قانون بيجبر المدارس إنهم يقبلوا الطلبة ذوي الهمم أو الظروف الخاصة بالإنضمام لمدرسة عادية!.. طيب والبديل؟.. تدخل مدرسة من مدارس ضعاف السمع والصّم اللي بيكون التعليم عندهم عن طريق لغة الإشارة!.. مفيش حل تاني؟.. ظاهرياً لأ.. بتصمم والدة “إسراء” إني لأ مش هدخل بنتي المدارس دي، وهشوف لها مدرسة تخلّيها تتعامل طبيعي مع العالم الخارجي.. بتلاقيها.. بتدخلها “إسراء“.. واحدة واحدة بتكبر “إسراء” وبتنجح بتفوق سنة ورا التانية وبتكتشف خلال فترة دراستها إنها ميالة لمجال طب الإسنان!.. كانت شايفاه مجال فني مش طبي خصوصاً إن كل طبيب أسنان بيتعامل مع الأسنان كإنه بيعمل تحفة أو رسمة لازم تكون فى أحلي صورة مش مجرد شغل وخلاص.. خلصت ثانوية عامة، وقدمت فى كلية أسنان جامعة خاصة.. عدت إختبارات القبول للجامعة، وجه توقيت الكشف الطبي.. اللي هو المرحلة الأخيرة فى القبول.. اللي حواليها طلبوا منها إنها تخبّي موضوع ضعف السمع ده على أساس إنها تعدى يعنى، وكده كده محدش هياخد باله.. قالت لأ.. وليه أخبي!.. دا أنا هقولها أول حاجة أصلاً!.. مساء الخير أنا “إسراء البابلي” عندى ضعف فى السمع!.. قبلوها.. عدت فى الكلية بتفوق وبشكل إستثنائي كان غريب إنه يكون حاصل فى الوضع ده.. بس عيب عليك!.. إحنا بنتكلم عن بنت مصرية برضه.. النهاردة “إسراء” بقت أول طبيبة أسنان مصرية عربية ضعيفة السمع!.. عملت اللي فى دماغها وحققت حلمها غصب عن عين أى ظروف أو عوائق، وكانت شجاعة فى مواجهتهم.. “إسراء” شايفة إن تصنيف البشر على إنهم غير قادرين أو غير مرحب بيهم هو تصرف قاسي، وشايفة كمان إن تصنيفهم على أساس الراجل يقدر والست لأ غلط برضه.. بالعكس.. دي الست تقدر أكتر لو عازت.

 

الدكتورة “إسراء البابلي”

 

  • “راندا سيف” ربة منزل مصرية لسه صغيرة فى السن من الوادي الجديد.. من فترة قريبة كده حصل لها مشكلة غلسة شوية فى بشرتها، وحاولت تعالجها بس للأسف ماعرفتش، ومفيش علاج نفع معاها!.. اللي راح قبل كده محافظة الوادي الجديد هيكون عارف إن طبيعة المكان هناك من أساسيات جمالها “النخيل“.. “راندا” كانت سمعت قبل كده عن فوايد التمر عموماً.. قالت طيب ما أجرب أستخدمه فى المشكلة اللي عندي وأشوف ومش هخسر حاجة!.. طبعاً قرار غريب ومش مبني على أى أساس بس هي فعلاً مش هتخسر حاجة خصوصاً إنها هتستخدم مكون طبيعي هو “التمر“.. المشكلة خفت!.. هنا بتقرر “راندا” اللي ماعندهاش أى خبرة فى المجال إنها توسع إستخدام التمور، وتعمل صابون من التمر!.. كلام جنان طبعاً!.. طيب تعرفي؟.. لأ بس هحاول.. حاولت تقنع أسرتها اللي كانوا رافضين، وأقنعتهم بصعوبة!.. قدرت توصل لمكان زي مصنع صغير كده بيعمل صابون عشان يعلموها.. بس ولإننا عارفين إن مفيش حد بيدي سر صنعته بسهولة لحد؛ ماعرفتش تتعلم منهم.. قالت لك هتفرج على فيديوهات على يوتيوب وأتعلم منها!.. تتعلمي إيه؟.. أعمل صابون عشان أطبق الطريقة وأعمل صابون من التمر!.. طنشت أى محاولات تحاول تبعدها عن الهدف ده، وقفلت على نفسها وركزت عشان حطت الموضوع فى بالها خلاص.. فيديو، ورا التاني وأسبوع ورا التاني هوب قالت أنا مستعدة.. قفلت على نفسها تاني عشان تنفذ بقي!.. مشيت خطوة خطوة زي ما شافت بالظبط، وعملتها.. بعتتها عشان يتم إختبارها فى مصلحة الكيمياء.. كانت المفاجأة إن المصلحة قالت فى تقريرها إن الصابونة مطابقة للمواصفات الأوروبية مش المصرية، وإدوها ترخيص عشان توسع شغلها وتبيعه!.. “راندا” ست مصرية جدعة ودماغها ناشفة زي أى ست لما بتصمم مش بتعرف غير إنها تنفذ!.
السيدة "راندا سيف"
السيدة “راندا سيف”

 

 

 

الخاتمة:

 جملة “وراء كل رجل عظيم إمرأة” جملة حقيقية لأبعد حد.. هتلاقي ورا كل راجل منور فى مجاله أياً كان إيه هو؛ واحدة ست كانت هي اللي مسلطة كشاف الضوء عليه عشان يبان منور للناس!.. “جبران خليل جبران” قال: (إن الرجل يشترى المجد والعظمة والشهرة، ولكن هى المرأة التى تدفع الثمن).. بتدفعه من أعصابها، ومجهودها اللي بتقدمهم عن طيب خاطر له عشان يحقق ده كله!.. أنا معرفش إن فيه ست بتعطل، بتيأس، أو بتسلم النمر!.. حتي فى لحظات لملمة النفس بعد الوقعات؛ بيتداوا، بيتعلموا، وبيقفوا أسرع.. المرأة فى العموم نفسها طويل، وكتلة طاقة وإرادة؛ لو عازت هتعمل!.. طبيعي أُومال الأمهات، والزوجات هيجيبوا منين طاقة الصبر، والتحمل دول!.. المرأة كائن بيعمل كل حاجة بـ ذمة.. بيحبوا بـ ذمة، بيدوا بـ ذمة، بيصاحبوا بـ ذمة، وبرضه لما بيزعلوا، ويبعدوا؛ بيعملوا ده بـ ذمة!.. آه ولما بيحبوا يذاكروا بيذاكروا بـ ذمة! -(راجع قائمة العشرة أوائل الثانوية العامة آخر 30 سنة هتلاقي معظمهم بنات)- .. مش محتاجين يوم مخصوص عشان نفتكر فيه نقول لهم “شكراً“.. عشان كده “شكراً” من القلب غير مرتبطة لا بتاريخ ولا مناسبة؛ على كل اللى عملوه وبيعملوه.. شكراً حد السماء، وحتى ينتهي الكون.

 

تابع مواقعنا