الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الصراع “السيزمي”.. لماذا تحارب مصر المسح التركي في المتوسط؟

القاهرة 24
الثلاثاء 18/أغسطس/2020 - 10:30 م

في الأول من أغسطس الجاري، اعترضت الخارجية المصرية على الإنذار الملاحي الذي أعلنته تركيا، وبموجبه أفادت أنها ستقوم بأعمال مسح “سيزمي” في البحر المتوسط في الفترة من 21 يوليو وحتى 2 أغسطس.

والاحتجاج المصري هنا له وجاهته الفنية وسط صراع قانوني سياسي جيولوجي على ثروات المتوسط التي يجري التناحر عليها بأدوات القرن الحادي والعشرين وتكنولوجياه التي جاء بها والتي تضع مفاهيم قانونية مستقرة منذ عقود تحت المساءلة وربما تفرض إعادة النظر فيها.

فبتبسيط -قدر المستطاع غير مخل- يمكن تعريف المسح السيزمي بأنه أشبه بالسونار الذي يجريه الواحد منا في معامل الأشعة، لرؤية ما في داخل جسمه، وفحص الحصوات على سبيل المثال وتحديد أحجامها وأبعادها، وتقديم صورة تلفزيونية لأحشاء الإنسان.

المسح السيزمي في عالم البحث عن الثروات داخل البحار، يعتمد على تقنيات مختلفة، غرضها جميعا تشخيص الثروات الكامنة في الطبقات الجيولوجية العميقة للمياه، وتقديم صورة دقيقة لها، يتناولها الجيولوجيون والشركات الكبرى بالتحليل لمعرفة نوع الثروات المحتمل تواجدها وكمياتها وجدوى التنقيب عنها.

تصور أنك أجريت سونار في أحد المعامل، ثم قمت بتحليل دمك (تحليل الصورة الكاملة)، سيصبح ساعتها لدى الطبيب تصورا دقيقا لوضعك الصحي على عدة أصعدة.

هذا هو الوضع حين يُجرى المسح السيزمي ثم يعقبه التحليل الجيولوجي الذي يرسم مسار التنقيب المستقبلي وجدواه الاقتصادية.

 

الأزمة هنا في المسلك التركي في المتوسط أنها تتصادم مع مصر في عدة نقاط كلها أخطر من بعضها البعض.

فهي أولا تفرض نفسها وتفرض وجودها في نقاط متوترة، تعتبرها مصر في مدى أمنها القومي المباشر وفقا للترسيم الحدودي والمرجعيات الدولية والقانونية التي تستند إليها القاهرة وتسعى تركيا للتشغيب حولها والتشكيك فيها.

وثانيا فإن المسح السيزمي بتقنياته المتطورة يضعنا أمام ما يمكن اعتباره تجسسا وتلصصا على الثروات المصرية الواقعة داخل المياه الاقتصادية المصرية.

فالنقطة رقم ٨ (من الترسيم الحدودي) التي تطوف فيها سفن المسح التركي، هي آخر نقطة مشتركة في الحدود المرتبطة بالمناطق الاقتصادية بين مصر وإسرائيل وقبرص في مياه البحر المتوسط وهذه النقطة تعتبر عند مصر رقم ٨ وفق الترسيم، وعند قبرص رقم ١٢ وعند إسرائيل رقم ٥، وهي في الوقت ذاته من ناحية الأتراك تسمى المربع رقم ١٠.

ومجرد وجود سفن المسح في هذا النطاق لا يبعث برسائل الاستفزاز والمكايدة السياسية فحسب، بل يجعل من أعمال المسح السيزمي كشفا من الجار المزعج عما بداخل بيتك الذي يحوم حولك بسفالة وبجاحة، وسمعته غير نزيهة بالمرة وسوابقه غير مشرفة.

والإشكال الذي قد يترتب على مثل هذا الشغب والتحرش، نابع من الشكل الجيولوجي لبعض الآبار النفطية أو الغازية، والتي قد تكون واقعة بين حدود بلدين. وهو أقصى ما تسعى تركيا لإثارة الجدل حوله لجرجرة جميع الأطراف لتفاوضات لا تنتهي أو لتعطيل إدارة الثلاثي (مصر واليونان وقبرص) لثرواتهم، أو لممارسة الضغط والابتزاز الذي قد يفضي لانهيار إرادة أحد الأطراف وقبول تركيا شريكا في الثروة ولو على مضض.

وفي مثل هذه الحالات التي يتوزع فيها حقل الطاقة بين حدود أكثر من بلد، مالم يتم التفاهم بين البلدين حول شكل وطبيعة عملية “الشفط” يمكن أن يتعرض الحقل النفطي أو الغازي لانهيارات في بعض طبقاته الجيولوجية، ومن الممكن أن تتحرك الثروات من نقطة لأخرى في اتجاه الجزء الفارغ من الحقل لنصبح أمام سرقة، معقدة في طابعها الفني.

حيث يتصرف هنا أحد الطرفين دون مسؤولية ويتعامل مع البئر بنهم وجشع، ثم يتسبب في تحريك جانب الثروات المستقر في حدود الجار إلى حدوده هو شخصيا.

ووفقا لتغريدة وزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز (١٢ أغسطس الجاري) فقد بدأت سفينة “عروج ريس” أعمال المسح السيزمي في منطقة تقول اليونان إنها تابعة لجرفها القاري.

قال دونماز في تغريدته: “خطوة بخطوة في البحر المتوسط، عروج ريس بدأت بالمسح السيزمي ثنائي الأبعاد”.

تغريدة دونماز، بمعزل عن الشق الدعائي فيها والذي يميز أداء نظام أردوغان ككل، كانت كاشفة فنيا عن التقنية المستخدمة حاليا وعن التجاء تركيا للمسح ثنائي الأبعاد وليس الثلاثي أو الرباعي.

وهو مايعني أن أعمال البحث تجوب حدودا كبيرة ومساحات مترامية، على غير هدى أو على غير تصور مسبق دقيق عن النقاط الأكثر احتمالية للاحتواء على الثروات.

وحالما يجد الأتراك شيئا يدعو للفحص والنظر، سيضطر دونماز ورفاقه لترقية نظم بحثه وكشفه واستخدام التقنيات الأكثر تطورا مثل البحث ثلاثي الأبعاد الذي يمكنه تشخيص “البلوكات” المحتوية على الثروات بصورة دقيقة جدا.

 

الأزمات المتعلقة بالبحث السيزمي ليست جديدة ولاطارئة في ظل التصعيد المتأجج مؤخرا.

ففي القمة الثلاثية التي انعقدت في نوفمبر ٢٠١٤ والتي جمعت الرئيس عبدالفتاح السيسي برئيس وزراء اليونان أنتونيس ساماراس، ورئيس قبرص نيكوس أناستاسيادس.. كان موضوعها الرئيسي، هو “ترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط”، خرجوا منها بإعلان القاهرة، لمواجهة التحديات الكبيرة لأمن منطقة شرق المتوسط.

وكان على رأس مخرجات هذا الإعلان دعوة تركيا للتوقف عن القيام بأعمال المسح السيزمي في المياه القبرصية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، إذا ماوجدت تركيا جراء عمليات المسح السيزمي حقلا للطاقة في واحدة من المناطق الحدودية المختلف عليها، هل يمكنها أن تستخرج هذه الثروات بالفعل؟

يطرح السؤال نفسه في ظل أن الشركات العالمية الكبرى لا تعمل في بيئات التناحر والخطر، ولا تعمل بينما فوهات المدافع مصوبة من كل الأطراف.

فهل بصيغة أخرى، يوجد لدى تركيا قدرة لوجيستية على التشخيص ثم التنقيب والاستخراج منفردة دون الاستعانة بخبرات خارجية عالمية؟ أم أن الأمر ينحصر في الشغب والبلطجة ومحاولة اختطاف مكاسب سياسية بائسة بالظهور بمظهر المتمرد؟

 

الإجابة لا تبدو من الطراز الذي يمكن حصره في “يمكن” أو “لا يمكن”.

فمع شروع أردوغان فى البدء فى الحفر و التنقيب في أماكن متنازع عليها وفي نطاقات حرجة. و تبعا لتشابكات سياسية و اقتصادية. قامت الشركات المتخصصة في الحفر و تكنولوجياته بالانسحاب من سفينتي الحفر  التركيتين “فاتح” و “يافوز”، تاركة معداتها المساعدة و الكثير من الخامات فيما يمكن اعتباره تنفيذا لأوامر من حكومات دولها الأصلية (أمريكا و بريطانيا تحديدا) بمغادرة هذه النطاقات الجغرافية القلقة فورا.

إلى أن قامت شركة TP التركية بشراء جميع هذه المعدات و الخامات من الشركات المذكورة و شرعت في ضخ أموال طائلة في سبيل اغراء المهندسين و الفنيين من الدول المختلفة للعمل معها سواء بالتعيين المباشر أو بنظام الفري لانس.

ومن الجدير بالملاحظة هو أن العديد من المتخصصين المخضرمين في هذه الاعمال من جنسيات (بريطانية وأمريكية) لكن أيضا الجنسية الاذربيجانية لها نصيب تمثيل كبير اعتمادا على طول خبرتهم في مجال الغاز أولا، و لانتمائهم الطبيعي و ميلهم نحو تركيا لأسباب عرقية ثانيا. وهو جزء من استراتيجية تركية تسعى لتعزيز انتماء أي أقليات عرقية لها علاقة بالدولة التركية جغرافيا أو تاريخيا أو حتى ثقافيا، ضمن خطة كبرى لتوسيع نطاق الهيمنة الناعمة في المجالات الحيوية للدولة العثمانية، ولاستحداث وتعميق جيوب استراتيجية لتركيا في دول الجوار.

وهنا يأتي دور شركة TP التي تقوم بشراء كل شيء و أي شيء في سبيل تحقيق الهدف الطموح في أن تتحول لكيان ضخم يقوم بتنفيذ العمل من الالف للياء لعلمها بصعوبة استئجار أي شركة اخرى غير تركية للعمل تحت مظلتها في منطقة نزاع حدودي.

ومن ثم فإن أعمال البحث السيزمي التركية مسألة مركبة وتخضع لعوامل متداخلة، على رأسها الطموح التركي الجارف في سرقة جيران المتوسط والجور على ثرواتهم.

لدرجة أن سفينة الحفر يافوز، حين لم تتمكن من الوصول لشيء في المتوسط، تم توجيهها مؤخرا للتنقيب في البحر الأسود!

ومن ثم يمكن القول إن البحث السيزمي التركي له مكاسب سياسية قريبة في التشغيب على دول المواجهة معها، وفي محاولة الأتراك تطوير قدراتهم للاستخراج والسرقة، حال عدم وجود رادع عسكري حقيقي ومؤلم.

 

اقرأ أيضًا:

سؤال الجبهة الغربية: ليبيا التي في مصر

تابع مواقعنا