الخميس 25 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

“هو إنتي ليه بعيدة كده!”

القاهرة 24
الجمعة 28/أغسطس/2020 - 06:21 م

 

  • من حوالي 10 أيام اتوفت السيدة الجميلة “مرسيدس بارشا”.. “مرسيدس” هي أرملة الأديب العظيم الراحل “جابرييل جارسيا ماركيز”.. الاتنين كانوا من دولة كولومبيا، وعاشوا فى المكسيك.. “مرسيدس” والدها لبناني، ووالدتها مصرية، وأخدوا الجنسية الكولومبية قبل ولادة “مرسيدس” بـ 6 شهور تقريبًا.. من صغرها كان باين إن الطفلة “مرسيدس” مخها أكبر من سنها.. ذكية.. يعتمد عليها.. دمها خفيف.. بتحب جيرانهم.. ودودة.. طبيعة المجتمعات العملية الغربية بتخلّي الصفات دي مش موجودة فى الناس بره بشكل كبير.. آه وارد تلاقي من الصفات اللي فاتت دي صفة ولا اتنين فى المواطن هناك بس مش هتلاقي التشكيلة كلها في شخص واحد إلا فيما ندر!.. بس كان واضح إن “مرسيدس” شربت الجدعنة، والطبع المصري من والدتها فى تربيتها رغم إن البنت ماشافتش مصر ولا مرة بس جينات والدتها كانت مسيطرة!.. المهم لفت الأيام وكبرت “مرسيدس”، وإتعرفت على الشاب “ماركيز” اللي كان لسة في بداية حياته، وبدأت قصة حبهم اللي تفاصيلها الحلوة كتير، وكان لازم تنتهى بالجواز.. اتجوزوا.. “ماركيز” كان بيحب الكتابة جدًّا.. حب كان فاكر إنه من طرف واحد لإنه ماكنش عنده ثقة كبيرة أوي فى اللي بيكتبه.. أهو أنا بكتب وخلاص، والمهم إني مبسوط إني بعمل الحاجة اللي بحبها.. صحيح كان له محاولات كتير فى الكتابة القصصية والنشر على استحياء أو حتى الكتابة فى مجال الصحافة لكنها كانت فى إطار الشغل اللي بيجيب فلوس مش أكتر.. فى سنة 1965 جاتله فكرة رواية كان شايف إنها حلوة، وقرر يقفل على نفسه لمدة 18 شهر متواصل عشان يخلصها!.. كانت الحصيلة النهائية بعد شهور السهر والتعب 510 صفحة!.. رقم ضخم لصفحات كتاب، واللي زاد كمان المرة دي إنه حاسس إنه عامل حاجة قوية!.. لأ.. قوية جدًّا.. سماها “مئة عام من العزلة”.. حلو طيب الخطوة الجاية إيه؟.. سألته “مرسيدس”.. رد إنه هيبعت الرواية لـ دار نشر “سود أمريكانا” فى الأرجنتين، وخليني أجرب حظي وأشوف!.. فى سنة 1966 راح “ماركيز”، ومعاه “مرسيدس” لـ مكتب بريد “سان أنجل” الموجود في مدينة “نيو مكسيكو” المكسيكية عشان يبعتها لدار النشر.. الموظف أخد منه رزمة الورق اللي كان لاففهم برباط وحطهم على الميزان عشان يوزنهم.. عمل الحسبة بتاعته وقال له على التكلفة.. كام؟.. 85 بيزو.. -(“البيزو” عملة المكسيك).. “ماركيز” كان متوقع إن الرقم يكون كبير يدخل فى 30 أو 40 بيزو بالكتير، وعشان كده كان واخد معاه كل اللي في بيتهم وقتها 50 بيزو بس مش لدرجة إنهم يلاقوا المطلوب 85 يعني!.. هنعمل إيه؟.. بص لـ “مرسيدس” وسألها بعينه.. طمنته بعينها هي كمان، وبدون ولا كلمة مدت إيديها شالت رزمة الورق وقسمتهم نصين متساويين، وحطت النص الأول من الرواية على الميزان، والنص التاني حطته تحت دراعها.. “مرسيدس” سألت الموظف: (والآن؟، كرر حساب التكلفة من فضلك).. الموظف سألها: (سترسلون نصف حزمة الأوراق!).. هزت راسها موافقة.. بدأ الموظف يحسب الحسبة بالوضع الجديد.. مال “ماركيز” على ودان “مرسيدس”، وسألها وهو بيبتسم بألم، وحسرة: (نصف الرواية؟).. ردت بسرعة: (أفضل من أن لا ترسل كلها).. كام يا عم التكلفة الجديدة؟.. 43 بيزو.. ماشي يالا.. بعتوا فعلًا الجزء الأول، ورجعوا بيتهم.. طول الطريق كان باين على ملامح “ماركيز” إنه محبط، ومكتئب.. على العكس تمامًا كانت “مرسيدس” بتحاول تضحك، وتهزر وتقول له إنهم أكيد هيتشدوا للجزء الأول وهما اللي هيبعتولك عشان يطلبوا تبعت الجزء التاني، وساعتها إحنا ممكن نكون دبرنا ظروفنا.. طبعًا الكلام ده كان مش أكتر من تصبير بتحاول تهون بيه على جوزها بس بينها وبين نفسها كان مخها مش مبطل تفكير ولا حسابات!.. الرواية لازم توصل كاملة حتى لو على مرتين.. اللي هي بتقوله وفكرة إنهم يتشدوا ويقولوله إبعتلنا الجزء التاني ده كان هري منها وهي عارفة.. بس الفلوس هتيجي منين؟.. لما وصلوا البيت فات يوم واتنين وفي اليوم التالت كان “ماركيز” بدأ يفكر فى اللي كانت بتفكر فيه “مرسيدس” بس الفرق إن هو صارحها.. قال: (أفكر أن أبيع الآلة الكاتبة الخاصة بي).. سألته: (والسبب؟).. رد: (حتى نكمل قيمة إرسال الجزء الثاني).. قالها بأسى.. سألته: (وعملك الصحفي الذي تعتمد فيه على الكتابة على الآلة؟).. رد بيأس: (هذا الحل الوحيد).. قالت بـ حسم: (بل هناك حل آخر).. قالتها بدون ما تحكي أكتر أو تفسر.. دخلت أوضتها، وخرجت بره البيت، ورجعت تاني بعد فترة بسيطة، ومعاها إيصال إرسال الجزء التاني!.. إيه اللي حصل؟.. “مرسيدس” رهنت خاتم الجواز بتاعها، واللي يعتبر أغلى حاجة يملكوها عشان تجيب فلوس بعتت بيها الجزء الثاني من الرواية!.. خطوة غريبة ومفاجأة.. طبيعي نسمع عن تصرف زي ده هنا فى مصر سواء زمان أو دلوقتي، والستات هنا بيعملوا اللي أكتر من كده الحقيقة بس غرابة الموقف ده فى إنه يحصل مع نمط التفكير الغربي!.. الناس بره ومهما كانت ظروفهم المادية أو أحوالهم الإجتماعية بيبقي فيه أساسيات ممنوع المساس بيها.. خاتم الجواز ده شيء مقدس مينفعش حد يقرب منه نهائي!.. حاجة تانية برضه مهمة إن فى ثقافة وعادات مجتمعات أمريكا اللاتينية بيعتبروا بيع أى قطعة ذهب أو مجوهرات فال شؤم، ونحس، وبيشوفوه إنه غلط وحرام أساساً!.. يعني متقفلة من كل الإتجاهات!.. يمكن بسبب كده ماكنش من ضمن الحلول اللي فكر فيها “ماركيز” نفسه.. بس “مرسيدس” رمت كل ده ورا ضهرها ونفذت اللي فى دماغها.. لما دخلت البيت، وناولت إيصال الإرسال لـ جوزها هو فهم اللي حصل.. سألها.. جاوبته.. ماقدرش يرد عليها من مزيج الصدمة، الإنبساط، والحزن سوا.. قالتله: (الشئ الوحيد الذي ينقصنا هو أن تكون الرواية جيدة).. رد عليها بصوت واطي وخجول: (إنها جيدة بالفعل).. الحقيقة هي ماكانتش منتظرة رده ده، والجملة بتاعتها مش أكتر من هزار يخفف الموقف.. ركزت فى عينيه وقالت: (أعلم يا حبيبي، وأثق بك وبها).. الرواية وصلت.. عجبت الدار.. تم نشرها سنة 1967.. تجاوز عدد طبعاتها أكتر من 53 مليون نسخة، وتم ترجمتها لـ 30 لغة مختلفة.. بس؟.. لأ.. بسببها أخد الروائي العالمي “جابرييل جارسيا ماركيز”جايزة نوبل فى الآداب، واتفتحت له أبواب التكريم والشهرة لحد وفاته سنة 2014.. ماكنش السبب فى كل المجد الل حققه “ماركيز” موهبته الأدبية بس -(وهي حاجة فعلاً مافيهاش أى خلاف)- لكن كمان وقوف زوجته السيدة الجميلة الجدعة مصرية الأصل “مرسيدس بارشا” وراه فى كل خطوة.
الأديب "ماركيز"، وزوجته السيدة "مرسيدس"
الأديب “ماركيز”، وزوجته السيدة “مرسيدس”
  • عالمة الفيزياء والكيمياء البولندية “ماري كوري”، والمشهورة بإسم “امرأة البدايات” هي أول سيدة تاخد جايزة نوبل فى العالم.. بس خلّى موضوع نوبل ده على جنب وخلّينا نرجع لـ ورا شوية.. عيلة “ماري” كانت أسرة غنية بس حصل لهم ظروف صعبة بسبب الديون فى بولندا إضطرتهم يبيعوا ممتلكاتهم ويبقوا على الحديدة!.. الفكرة إن ده حصل قبل دخول “ماري” للجامعة اللي بعد اللي حصل ده بقت فكرة إستكمالها لتعليمها درب من دروب المستحيل طبعاً!.. بس رغبة “ماري” إنها تتعلم كانت فوق كل ده.. عملت إتفاق مع أختها “برونيسلافا” إن “برونيسلافا” تسافر باريس عشان تدرس الطب، و”ماري” تشتغل عشان تصرف عليها، وبعد ما يعدوا سنتين يعكسوا.. دي تدرس، والتانية تصرف عليها، وهكذا!.. كان ده هو الحل الوحيد عشان البنتين يلاقوا حظهم من تعليم جيد.. طيب “ماري” اللي لسه ماطلعتش من البيضة دي هتشتغل إيه بس، وفين!.. قررت تشتغل خدامة فى البيوت!.. فين تحديداً؟.. فى بيت عائلة “تسورافسكي”، وهى واحدة من أهم العائلات البولندية وأغناها.. راحت فعلاً بنت الذوات سابقاً وإشتغلت خدامة عشان تصرف على أختها.. يوم بعد يوم بدأت قصة حب تنشأ بين “ماري” وبين إبن العيلة اللي شغالة عندهم الشاب “كازيمير”!.. حب صافي ونقي على الأقل من ناحية “ماري” اللي كانت مخلصة ليه لأقصي حد رغم صغر سنها!.. كان يتأخر بره، وكانت تداري عليه قدام أسرته.. كان بيشرب كحول من وراهم وهي تخبي.. كانت تذاكرله وتشرحله لو فيه حاجة مش فاهمها!.. شوية بـ شوية كان “كازيمير” برضه بيكتشف إنه مش قادر يبعد عن البنت دي.. بيعدوا السنتين بسرعة.. بتبعت “برونيسلافا” جواب لـ “ماري” إن يالا تعالي عشان تبدأى دراستك فى باريس، وأنا هروح أشتغل مكانك خدامة!.. بترفض “ماري” على أساس إنها حاطة أمل وعشم فى “كازيمير”، وإنها إستغنت بيه عن التعليم.. بيكلم “كازيمير” أسرته إنه عايز يتجوز “ماري”، وأسرته بترفض وبيقولوله إن إختيارك غلط فى غلط ومستحيل نوافق بيه.. على آخر الزمن هتتجوز خدامة!.. “كازيمير” مش بيحاول أوي يعني، وكإنه ما صدق.. كانت “ماري” فى نفس التوقيت قاعدة فى بيتهم القديم عشان تقابل أختها بعد الغياب ده فى أجازتها.. إتفاجأت إن فيه جواب جالها من “كازيمير” بيقول لها فيه إن إنتي من طريق وأنا من طريق، وأهلي ماوافقوش بيكي، وإحنا إستغنينا عن خدماتك.. طبعاً كان الموضوع صدمة قاسية مالهاش مثيل على البنت اللي كانت هتضحي بمستقبلها العلمي عشان خاطر حبها الوحيد.. والحل دلوقتي؟.. بتقرر “ماري” إنها تسافر مع أختها لـ باريس، وتدرس معاها هناك!.. إشتغلت.. درست.. إجتهدت.. وكان قدامها فى كل لحظة صورة “كازيمير” اللي خانها وإتخلي عنها وعن حبها.. قررت تدفن نفسها فى الدراسة فى جامعة السوربون.. كانت بتشتغل فى البيوت فى باريس وتحوش فلوس لتعليمها هي وأختها، وبسبب كده كانت بتاكل عيش حاف و”لفت”، وده إتسبب إنها كذا مرة كان بيغمي عليها بسبب سوء التغذية وضعفها بس كانت بتكمل!.. قابلت فى الجامعة الطالب “بيير كوري”.. زميلها اللي لقت بينه وبينها نقط كتير مشتركة إتحولت مع الوقت لقصة حب كبيرة.. إتجوزوا.. ساعدوا بعض، وإشتغلوا سوا جنب بعض، وإكتشفوا عنصر البولونيوم والراديوم، وبسبب كده أخدوا جايزة نوبل في الفيزياء مشاركة بينهم سنة 1903!.. بس كده؟.. لأ.. فى سنة 1911 بتاخد “ماري” جايزة نوبل فى الكيمياء بسبب أبحاثها، وتبقي واحدة من أهم العلماء فى التاريخ!.. بالمناسبة.. صورة “ماري كوري” موجودة على العملة الفرنسية اللي بـ 500 فرنك تقديراً من فرنسا لدورها العلمي الكبير!.. بالمناسبة كمان.. فاكرين “كازيمير”؟.. بقي مع الوقت هو كمان عالم الرياضيات المشهور “كازيمير تسورافسكي” لكن ورغم مكانته وشهرته ما وصلش طبعاً للي وصلت له “ماري”.. كان دايماً بيقول فى جلساته مع المقربين منه، واللي تم نشرها على فترات فى بعض الصحف إن أكتر قرار ندم عليه هو عدم جوازه بـ “ماري”، وإنه ضحي بحبها، وإنه لو كان إستمر معاها كان هيحقق أكتر من اللي هو حققه مليون مرة على الأقل، وكان بيحسد جوزها “بيير كوري” إنه قدر يخطف قلبها ويتجوزها.. إتقابل “كازيمير” مع “ماري” كذا مرة على فترات متباعدة فى مؤتمرات علمية، وكان دايماً بيحاول يتقرب منها بس هي كانت بتصده، وبتقفل الباب فى وشه.. ماكنش بيقدر يداري إستغرابه من نفورها منه ده خصوصاً كمان بعد وفاة جوزها “بيير” وظنه إن الباب بقي مفتوح وكان بيسألها فى كل مرة: (هل بعد حبنا وقُربنا بالأمس نبتعد كل تلك المسافة اليوم؟).. اللي هو كإن لسان حاله بيسألها إنتي ليه بعدتي أوي كده!، أومال فين الحب اللي كنتي بتقولي عليه!.. بيسألها، وهو ناسي أو متناسي إن هو السبب الرئيسي والوحيد فى النهاية دي، ومينفعش يلوم ولا يعاتب ولا يحاسب حد غير نفسه.
العالمة "ماري كوري"، وزوجها "بيير كوري"
العالمة “ماري كوري”، وزوجها “بيير كوري”
  • فى العموم مفيش ست فاشلة.. يا إما ناجحة نجاح شخصي، يا إما وجودها فى حياة حد كان سبب فى نجاحه.. مفيش حد ناجح مش هتلاقي وراه واحدة ست ساندة، وواقفة فى ضهره ولو بمجرد كلامها بتشجعه.. بنت حواء لما بتحب بتدي كل حاجة، وبمنتهي الرضا ومن قلبها.. ولما بتتقفل وتقرر تبعد؛ بتدوس على قلبها، وبتقفل وراها مليون باب يجيلها منهم الريح.. لما بتحط هدف فى دماغها بتحققه.. لما بتحط شخص فى قلبها بتسعده.. لما بتشيل حد من حياتها مابيرجعش.. لو حصل وجرحت غيرها؛ الجرح ده أصله رد فعل.. كل الحلو اللي حصل كانت بدايته من عند بنت حواء، وكل الجروح اللي وجعت إتداوت بـ بنت حواء.

 

تابع مواقعنا