الجمعة 26 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

“أمل حياتي”

القاهرة 24
الجمعة 09/أكتوبر/2020 - 06:00 م
  • من حوالى 18 سنة فاتت، وتحديداً فى سنة 2002 قرر الشاب البريطاني “آدم ديرينج” اللى كان لسه باقيله أسابيع قليلة ويوصل لـ سن 21 سنة إنه يعمل مشروع مستقل عبارة عن شركة صغيرة كده يدير من خلالها الديون اللي بتبقي على الشركات الكبيرة.. يعني إيه؟.. حاجة كده فى نفس سكة مكاتب المحاسبين لكن لإدارة الديون!.. نوضح أكتر.. الشركات الكبيرة ممكن تتعرض لـ وقعات إقتصادية تخليها مضطرة إنها تستلف قروض أو يبقي عليها ديون، ومش كل الشركات الكبيرة دي بتقدر تتصرف مع ديونها، وفيه كتير منهم بيضطر يقفل أو يتحجز عليهم بسبب عجزهم عن السداد.. هنا جت فكرة “آدم” اللى كان شايف فى نفسه إن دماغه عبقرية فى الحتة دى، ومنظمة ومرتبة للدرجة اللى تخلّيه يقدر يقوم بالدور ده لأى شركة تحتاج خدماته.. تمام يا “آدم” طيب ما تبدأ يالا!.. قال لك مش هينفع عشان أنا محتاج مكتب ولو صغير، ومحتاج يكون عندى شركة أعمل من خلالها ده على الأقل عشان الناس اللى هتحب تتعامل معايا يكونوا واثقين فيا مش هينفع أروح لهم وأنا شاب واقف بـ طولى كده وأقول لهم خلّونى أدير ديونكم.. طيب ما تفتح مكتب أو شركة؟.. قال لك مش معايا فلوس!.. والحل؟.. كان فى الوقت ده فيه بنك إسمه “أر بي إس” موجود في مدينة أرمستون البريطانية.. البنك ده كان بيدي الشباب قروض ميسرة عشان يبدأوا بيها مشاريعهم الخاصة.. شوية بشوية كان البنك بيكتسب سمعة جيدة إنه بيقوم بدور فى قمة الدعم والجدعنة مع أى شاب عنده حلم من خلال إمداده بـ قرض صغير أو متوسط يبدأ بيه حياته.. “آدم” أصلاً كان من أحلامه إنه يشتغل فى البنك ده بالذات لما يكبر شوية، وزيه زي شباب كتير كان بيبص بإعجاب لـ سياسة البنك ده، وحاسس تجاهه بإمتنان كبير رغم عدم تعامله معاه قبل كده بس إحساس إنى وقت ما أحتاج أى فلوس هروح لهم وهما هيدونى اللى عايزه؛ كان خالق الحالة دي جواه.. الحقيقة هو ماكنش بيأفور لإن ده اللى كان بيحصل مع أى حد بيطلب قرض منهم.. المهم إنه قرر يروح يقدم على قرض بقيمة 10 آلاف جنيه إسترليني.. رقم مش كبير أوي وممكن نصنفه فى فئة القروض الأقل من المتوسطة.. بس عشان “آدم” ناصح، ومخه يوزن بلد قرر إنه يعمل دراسة دقيقة لفكرة مشروعه عشان مايسيبش أى فرصة إن قرضه يترفض.. فضل سهران لمدة أسبوعين كاملين بيكتب كل تفصيلة فى مشروعه وبالأرقام.. أنا هاخد منكم كذا وهصرف كذا كذا فى الإتجاه الفلاني، ومتوقع إن بعد الفترة الفلانية هيجيلي عائد كذا، وهكون سددت قيمة القرض بتاعي اللى أنا عايزه منكم فى مدة أقل بكتير من اللى أنتم هتحددوها.. ستّف ورقه تمام التمام، وحط الدوسيه تحت باطه، وراح يقدم.. هوب طلب القرض اترفض!.. سأل الموظف: ليه؟.. الموظف رد إننا شايفين مشروعك عديم القيمة وكمان سنك لسه صغير إنك تقدر تحقق كل اللى مكتوب في الطلب بتاعك!.. طبعاً إجابة صادمة، وغير صدمة الإجابة؛ “آدم” كان عنده أزمة تانية متعلقة بإن صورة البنك المثالية اللى فى دماغه إتكسرت!.. سن إيه بس اللى بتتكلموا فيه!.. معقول أنتم تتعاملوا كده مع شاب شايف فيكم الأمل بالنسباله!.. فى نفس الخط وبالتوازي مع قصة القرض كان “آدم” على علاقة عاطفية بـ بنت جمعه بيها قصة حب.. كانت هى الداعم والمشجع الأول له فى كل خططه المستقبلية.. هو أصلاً وزي ما كان بيكرر لها عنده فى حياته أملين.. الأولاني إنه يتجوزها.. والتاني إنه ينجح ويعمل إسم فى السوق يخلّيه لما يقدم يشتغل فى البنك الصغير المحترم ده يوافقوا عليه.. طيب آدى أمل فيهم طار.. باقي التاني.. لما حصل الرفض بتاع القرض حبيبته عملت الدور اللى المفروض أى حبيبة بتعمله عشان تقف جنب الإنسان اللى بتحبه.. حاولت تهّون عليه، وتقول له إن الأحلام ماينفعش تقتصر على حاجة واحدة يا إما هى يا إما بلاش.. هو كان بيسمعها بس مش مقتنع.. أنا كنت باني أحلام كبيرة على المكان ده إنه يسندنى فى بدايتى زي ما عمل مع غيري ولا هى جت لحد عندى أنا ووقفت!.. أنا رسمت خطط وحطيت تصورات مالهاش نهاية إن مستقبلي هيبقي مقترن بشكل أو بآخر بالبنك ده!.. فيه لقطة هتجمعني بيه!.. ده لازم يحصل أنا متأكد ما أنا حطيته أمل وحلم عندى!.. فضلت تواسيه على قد ما تقدر، وتحت إلحاحها حسسها إنه خلاص شال الموضوع من دماغه، وإنه تجاوزه.. والخطوة الجاية؟.. على قد فلوسه راح أجر شقة صغيرة وضيقة ومافيهاش أى مصدر للتهوية أساساً فى دور أرضى فى عمارة قديمة تعبانة فى شارع فى حي فقير وقال هى دى اللى هتبقي المكتب بتاعي.. طيب والفرش؟.. لأ ما هو مفيش فلوس لـ فرش ولا بتاع؟.. يادوب هركب تليفون أرضى عشان أعمل منه المكالمات، وهعلق يافطة على مدخل العمارة فيها إسم الشركة.. وبقي يقعد على البلاط ويبدأ يعمل المكالمات بتاعته اللي من خلالها يقنع الشركات الكبيرة إنه يتولي إدارة ديونهم.. واحدة واحدة وشركة ورا التانية بدأ مكتب “آدم” وإسمه يكبروا فى السوق.. بالتدريج، ورغم صغر سنه بقى من أهم مديري الديون فى بريطانيا!.. فى سنة 2014 من 6 سنين بالظبط، وبعد مرور حوالي 12 سنة من قعدة البلاط والمرمطة والكحرتة باع “آدم” الشركة بتاعته بـ مبلغ 5 مليون جنيه إسترليني!.. وعمل شركة غيرها.. والشركة بقوا إتنين وتلاتة وأربعة.. لحد النهاردة ما بقي “آدم ديرينج” يمتلك 5 شركات قيمتهم السوقية بتتجاوز عشرات الملايين الإسترلينية!.. مفاجأة مش كده؟.. أكيد بس المفاجأة الأكبر إنه إتجوز حبيبته زي ما وعدها وحقق أمل حياته المتعلق، وعنده منها دلوقتي بنوتة زي القمر عندها 5 سنين!.. بس كده؟.. لأ.. الخبر اللى بسببه اتعرفت قصة “آدم” إنه الأسبوع اللى فات اشتري بنك “أر بي إس” اللى رفض يديله قرض!.. اشتراه بملبغ 450 ألف جنيه إسترليني بس، وقرر يقفله ويحوله لـ محل تجاري و8 شقق سكنية يخصصهم لـ الشباب اللي أمل حياتهم مشروع يحققوا من خلاله أحلامهم!.. حتى لما زوجته استغربت من قراره لإنها كانت فاهمة إنه شال القصة من دماغه خالص؛ ماكنش عنده رد عليها أكتر من اللى قاله لصحيفة “ديلي ميل” البريطانية إن وجوده داخل بنك “أر بي إس” كان أحد أهم أحلامه، وإن الأحلام ماينفعش تتنسي، وإنك لما بتتخلّى عن حلمك ده بيكون تأكيد منك بعدم إستحقاقك للحلم من أصله.
"آدم ديرينج" من أمام بنك "أر بي إس" بعد شراؤه
“آدم ديرينج” من أمام بنك “أر بي إس” بعد شراؤه
  • البنوتة الأمريكية اللي إسمها “سينثيا إم. هاموند“، واللى كان عندها 15 سنة لما كتبت من حوالى 20 سنة فى باب القصص الإنسانية فى جريدة “نيويورك تايمز” موضوع بـ عنوان طويل: (رغم أنهما يعشقان بعضهما البعض لكن أمى لا تتحدث مع أبى منذ 5 سنوات، وأبى سعيد بذلك حقًا!)؛ موضوعها لقى صدى مهم، وواسع عشان الزاوية اللى اتكلمت بيها عن أبوها وأمها.. الموضوع بدأ لما الأم عرفت إنها مصابة بـ مرض بيمنع وصول الدم لـ المخ، وبالتالى حسب تشخيص الدكاترة هتموت فى خلال 3 شهور.. بس ممكن يكون فيه أمل إنها تعيش أكتر لو اتعمل لها عملية معقدة شوية.. غير إن العملية كانت صعبة؛ بس برضه الفكرة كمان إن العملية اتعملت قبل كده لـ 12 شخص فى العالم، وتلاتة بس منهم هما اللى فلتوا من الموت!.. بالبلدى خربانة خربانة..عشان كده كانت الأسرة الصغيرة المكونة من “سينثيا” وأمها وأبوها قدام قرارين الإتنين أصعب من بعض.. يا إما مخاطرة العملية؛ يا إما الموت.. الأب والأم كانوا واقفين ورا الباب الإزاز لـ أوضتهم قافلين على نفسهم وبياخدوا القرار.. “سينثيا ” شايفة الحوار بس مش سامعاه!.. كانت شايفة إنعكاس الظل بتاعهم من ورا إزاز الباب.. الجسمين تقريبًا لازقين فى بعض.. ماسكين فى إيدين بعض.. الراسين مايلين على بعض من ناحية الجبهة زى ما اتعودوا وكأنهم بيتكلموا.. “سينثيا” مش سامعة حرف بس لاحظت إن فيه رعشة فى جسم أمها وأبوها!.. فى خلال الكام دقيقة دول افتكرت “سينثيا ” تفاصيل علاقة أبوها وأمها من البداية.. الإتنين وهما عيال كانوا أيتام، وفى دار رعاية أيتام واحدة، ولأن الحب الحقيقى دايمًا بيتولد فى قلب الظروف الصعبة؛ قلبه مال ناحيتها.. لكن وعشان بمعايير الجمال الأنثوي كانت هى فعلاً جذابة، وهو شاب عادي وملامحه أقل من البسيطة؛ كان الأب بيشوف فى الأم “أمل“، واللي هو معقول هي توافق عليا أو تحبني؟.. أكيد هتتشد لواحد وسيم ملامحه ألطف منى ما هو مش هتبقي يتيمة، وكمان تاخد واحد على قده من الناحية الشكلية.. بس الأب كان حاسبها غلط لإنها برضه كانت مشدودة ليه.. الحب بيوصل بـ النظرات، والتصرفات حتى اللى تبان صغيرة!.. هى اللى صارحته بحبها الأول!، والأمر كان مفاجيء له.. لما سألها عن السبب قالتله عشان اللى عملته وبتعمله عشاني!.. اللى عملته عشانك!.. هو بالنسباله كان شايفها أمور عادية!.. إيه يعني لما أرتب عشان أعمل لك عيد ميلاد ليكي لمدة 4 سنين ورا بعض فى الدار!.. وإيه يعني لما أكون حريص أبعت أجيب من بره الدار كتب من النوعية اللى إنتى بتحبيها!.. وإيه يعني لما أعمل على مسرح الدار عروض بهلوانية عشان تضحكي لإني بحب ضحكتك!.. كل ده كان هو شايفه عادي بس كانت هي شايفاه كل حاجة.. على الزاوية التانية كان هو برضه بيشوف منها أفعال هى اللى دبت حبها فى قلبه.. لما كان بيتعب كانت هى الطفلة أو الشابة الوحيدة فى المكان اللى بتتعمد تسهر جنبه!.. هو مش قادر ينسي اليوم اللى جاتله فيه نوبة تعب درجة حرارته ارتفعت بسببها، وهى صممت تفضل جنب سريره بدون ما يهمها نظرات الإستغراب من كل مسؤولين الدار أو حتى زمايلهم.. مش قادر ينسي برضه إنها دافعت عنه بصوت عالي وشخط وزعيق مايطلعش من بنت فى رقتها لما تم إتهامه من واحد من زمايلهم فى المكان إنه سرق منه إزازة البريفيوم، وإزاي إن بسبب الحالة العصبية بتاعتها؛ الولد اللى إتهمه بالسرقة إعتذر قبل حتى ما يلاقي البريفيوم أو يعرف راح فين!.. وإزاي إنها كانت بتسعي تشتري له أدوات الرسم من بره أول بأول عشان تديهاله لإنه بيحب الرسم وموهوب فيه.. مواقف كتير كتير كانت بتكتب واحدة واحدة قصة الحب بين طرفين جمعهم الوضع الصعب عشان يلاقي كل واحد نفسه فى التاني.. خرجوا من الدار سوا.. إتجوزوا.. الست وقفت جنب الراجل لحد ما كوّن نفسه وبقى عنده بيت وعربية.. فيه أيام كانت بتعدى عليهم حرفيًا بدون أكل بس عدت.. لما خلفوا بنتهم “سينثيا“ إدوها كل اللى إتحرموا منه فى طفولتهم (أمان، حب، رعاية).. حتى لما حصل موضوع تعب أمها فى الكام يوم اللى فاتوا كان الأب بيحميها.. بيأكلها.. بيرجع من شغله اللى مدته أساسًا 9 ساعات عشان يخدم مراته على الأقل 4 ساعات كل يوم وبيرفض تمامًا إن “سينثيا ” تعمل لها أى حاجة! .. “سينثيا ” بتقول: (وجد كل منهما وطنه فى الآخر).. فجأة طلع الأب والأم من الأوضة واخدين قرار العملية.. تانى يوم كانوا فى المستشفى.. أمها قعدت فوق سرير العمليات المتحرك وخدروها.. الممرضة بتزق السرير لـ أوضة العمليات أبوها كان ماسك إيد أمها وهى نايمة.. دخلت الأم العمليات.. رغم إن فيه مكان لإستراحة المرافقين لكن “سينثيا” بتقول إن أبوها صمم يقعد على الأرض!.. ضامم ركبته على صدره ومشبّك إيديه قدام ركبته ودافن راسه فى النصف وبيعيط زى العيال!.. استمرت العملية 7 ساعات، وهو استمر على نفس الوضع!.. البنت بتقول إنها ماحستش بنفسها غير وهى بتضم راسه لـ صدرها وحست إن هو اللى إبنها مش هى!.. رفع راسه وبص لـ بنته وقال لها: (أمك كانت، وستظل “أمل” بالنسبة لى).. الحقيقة إن “سينثيا” ماكانتش منتظرة تسمع الكلمة دي من أبوها عن أمها ما هى عارفة كل تفاصيل حدوتهم بس لقتها فرصة مناسبة تقول لـ أبوها جملة كانت سمعتها برضه بينها وبين أمها من أمها عنه.. حضنت راسه وقالت له: (وأنت أيضاً بالنسبة لها “الأمل” الذي انتظرته حتى أصبح معها، هى أخبرتني بذلك)..ساعات مرت طويلة ومملة لغاية ما خرج الدكتور وأعلن إن العملية نجحت.. “سينثيا” بتقول: (نجت أمى من الموت لكنها فقدت قدرتها على الكلام بسبب مضاعفات العملية ولذلك لم تتحدث أمى إلى أبى منذ 5 سنوات لكن أبى سعيد جداً بذلك!).. بس بعد كده هو مين أساسًا محتاج لـ كلام.. الأب كان كفايه عليه إنه يشوف “أمل حياته” خرجت، وهى عايشة.. وبعدين أنا مش محتاجها تتكلم المهم إنها تبقى جنبي وحاسة باللى أنا مستعد أعمله عشانها.. حتى الأم ماكنش فارق معاها أوى إنها مابقتش تقدر تتكلم مادامت لسه قادرة تعمل لـ جوزها الأكل اللى بيحبه، وتستقبله وهو راجع من الشغل بالحضن اليومي اللى كانوا متعودين عليه على باب البيت!.. الكلام آه غاب بس الأفعال ماغابتش لحظة.. ويمكن عشان كده “سينثيا” كان عنوان مقالها: (رغم أنهما يعشقان بعضهما البعض لكن أمى لا تتحدث مع أبى منذ 5 سنوات، وأبى سعيد بذلك حقًا!).

 

  •  اللى عايز حاجة أو حد هيقدر يوصل له.. درجة إحتياجك للشيء الفلاني بتتقاس بقيمة المجهود اللى هتبذله عشان يبقي معاك.. مفيش خطوة خالية من صعوبات، ولا طريق مفروش بالورود، والكلام عن الأحلام مفيش أحلى منه، والكلام عن الظروف مفيش أكتر منه.. لكن لحد إمتى؟.. هتفضل تتكلم، وتتحجج، وبس؟.. “الأفعال” دايماً بتكسب، حضورها طاغى، ومحدش بيعوز معاها كلام.. اللى عايز، وشاري؛ هيطول، وينول.. السعي هيوصلك فى النهاية لـ أمل حياتك مهما بان بعيد.. الفكرة إنك تنوي، تاخد قرار، وبعدها الدنيا هتسلك.. مولانا “جلال الدين الرومي” قال: (عندما تقرر أن تبدأ الرحلة سيظهر الطريق).
تابع مواقعنا