الخميس 25 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

محمد الجارحي يكتب: عن مذكرات يوتيوب محمود سعد!

القاهرة 24
ثقافة
الثلاثاء 17/نوفمبر/2020 - 10:00 م

لا أعرف ما الذي ساقني إلى أول فيديو، ثم أدركت بعد 24 ساعة أن عطلة نهاية الأسبوع قضيتها في مشاهدة ما يزيد عن 20 فيديو له! أدركت أيضًا أني أكتشف إنسانًا وأستاذًا بدرجة إعلامي شهير، اسمه محمود سعد، اكتشاف متأخر رغم أن زوجته هي أستاذتي ومثلي الأعلى، وكانت في كل المواقف لسنوات خير السند، الكاتبة الصحفية الأستاذة نجلاء بدير التي تكره الأضواء والظهور والشهرة، وإن كان وراء كل رجل عظيم امرأة، فإن محمود سعد كانت وراءه امرأتان، أمه وزوجته.

يقدم الأستاذ محمود سعد، تجربة فريدة وجديدة، اختار السوشيال ميديا وتحديدًا يوتيوب وفيس بوك، ليحكي بشحمه ولحمه ما لم يفعله بقلمه، وأتذكر له تجربة سابقة في العودة لكتابة المقال بجريدة الدستور بعد شهرته في البيت بيتك، لكنها لم تستمر.

يعترف صاحب “البيت بيتك” و”على ورق” و”اليوم السابع” و”حلو وكداب” و”مصر النهاردة” و”آخر النهار” و”باب الخلق”؛ أنه لا يعرف اسمًا لما يفعله اليوم على يوتيوب، لم يفكر في اسم كأسماء برامجه، يسميها حلقات وأحيانًا فيديوهات، وينشرها بلا اسم، ثم يرقمها، ثم يضعها تحت تصنيف (أيام)، وأنا أراها نوعًا جديدًا من السيرة الذاتية يمكن أن نطلق عليه مذكرات يوتيوب، فالمشاهير من أهل السياسة والفن والإعلام اعتادوا أن يكتبوا مذكراتهم، منهم من يفعل ذلك بنفسه، ومنهم من يستعين بكاتب خبير ليدقق ويراجع ويحذف ويصيغ!

تجربة محمود سعد الجديدة بلا فهرس ولا تبويب ثابت، ولا أفكار مرتبة أو صفحات منمقة، يخرج من حكاية ويدخل في أخرى، ويعد بحلقة ثم يفاجئك بغيرها، ومن تفصيلة صغيرة يدلف إلى قصة كبيرة، لا يحدد خطًّا زمنيًّا، ففي نفس الحلقة ينتقل من ذكريات الطفولة إلى سنوات الشهرة، ويحكي عن والده بكل أسى ثم عن أمه بكل فخر!

مذكرات يوتيوب محمود سعد ليست حبرًا على ورق ما تلبث أن تنفد طبعاته، فيبحث عن ناشر يعيد فيها الروح، هنا يبث فيها بنفسه من روحه، فيصورها تارة في فيلا الشيخ زايد ويحكي كيف اشتراها، ومرة في حديقة شعبية، ثم يرتدي مرة تي شيرت ومرة قميصًا، حتى ألوان ملابسه؛ حاول أن يرسم بها لوحات من البهجة ثم يختار تصميمات جرافيك بروح جيل السوشيال ميديا وبنفس ألوان تي شيرت الحلقة. يسقط المطر عليه فجأة أثناء التصوير ثم يستكمل، أو يرن الهاتف أثناء التسجيل فلا يتوقف، تلك التلقائية جعلت من مذكرات يوتيوب محمود سعد أقرب للقلب من حلقات أستوديوهات الفضائيات الفخمة، ويبقى القاسم المشترك بينهما هي الزميلة هبة شلبي رئيس تحرير برنامجه لسنوات والمشرفة على تسجيل ونشر مذكراته على يوتيوب!

الدرس المهم في مذكرات يوتيوب محمود سعد هو تفاعله اليومي مع مشاهديه، فيسجلها اليوم بيومه ويعرضها طازة، يناقش تعليقات الأمس ويمتص في حلقة الغد غضب البعض، يفند الملاحظات ويصحح الأخطاء، ويظهر لايف بلا مونتاج ولا نظارة قراءة ثم يعتذر بأدب جم عن عدم قراءة التعليقات! وينقاشهم في صوت الأذان والإقامة خلال التسجيل!

خلق ابن باب الخلق تفاعلًا كان يتمناه كل من نشروا سيرتهم أو كتبوا مذكراتهم وتركوها لمعيار عدد الطبعات والمبيعات! ما فعله محمود سعد سيبقى في أرشيف جيل الغد، الذي لم يعد يمسك الكتب، تركها لجيل من الباحثين لن يقضوا أيامًا في البحث بأرشيف الأهرام أو دار الكتب أو أرفف مكاتب الجامعات أو حتى نسخ مصورة على الإنترنت لكتب بصيغة pdf!

الطفل الذي تجاوز اليوم عامه السادس والستين، يحكي كيف نشأ في غياب الأب الثري صاحب العزبة، ثم يُفرد حلقات عديدة للحديث عن كفاح والدته، الموظفة في روز اليوسف، ويحكي عن أهل باب الخلق، وشقة المنيرة، وشنب بائع اللبن، يغوص في بدايات عمله بالواسطة في الصحافة وكيف كانت جنازة عبد المطلب تحولًا في حياته وجعلت منه حانوتي صباح الخير، ثم يتنقل في الحكايات عن علاقاته المتشعبة بالفنانين والمخرجين وكتاب السيناريو، وكيف انتظر تعيينه رئيسًا لتحرير الكواكب سنوات، ثم اكتشاف المهندس أسامة الشيخ له كمقدم برامج.

مذكرات يوتيوب محمود سعد يحكي فيها عن برنامج قام بتصويره في يومين مع أصدقاء علاء ولي الدين من الفنانين؛ لتعويض خسارة منتج آخر أفلامه كنوع من الوفاء لصديقهم الراحل، تفاصيل كلها مسلية وممتعة بأسلوب حكاء كبير، أسلوب لا يجعلك تنسى ما فعله معه أسامة أنور عكاشة الذي هاجمه على صفحات الوفد قبل الرحيل، ولا كيف التقى الزعيم عادل إمام لأول مرة في الإسكندرية، أو ما حدث عندما رافقه إلى العراق، أو كيف أنقذت ياسمين الخيام خالد الجندي من سيدة ضربته على باب ماسبيرو.

يتكلم محمود سعد في الفن والدين بنفس القدر من التمكن والسلاسة، يتذكر أول لقاء مع  الفنانة هند رستم وكيف “حلق” له الفنان محمد عبد الوهاب بحجة دور برد، وكيف استقبله صاحب نوبل أحمد زويل أول مرة بالأحضان، ثم توقف عن الرد على اتصالاته المتكررة خلال مرضه بسبب أزمة جامعة النيل، ولا يخجل سعد من حكاية اسم الدلع “لولو” الذي ظل يناديه به أهل الحتة حتى تخرج في الجامعة!

هذا الانبهار بالنمط الجديد من السيرة الذاتية، والذي أعتقد أنه سيقلده إعلاميون وسياسيون، ورغم الصراحة الشديدة في تفاصيل الكفاح والتواضع الملحوظ، فإن ما يفسد مذكرات يوتيوب محمود سعد هو تحفظه الشديد، ورغبته في عدم ذكر أسماء أبطال بعض الحكايات، أو بمعنى أدق عدم اقترابه من مناطق الشوك واللبش.

صاحب جملة “اشرب العصير” الشهيرة الذي تبدو مذكراته بمثابة شهادة على العصر، يتجنب الحديث عن شخصيات عديدة أعرف صلته بهم بحكم القرب من أحداث عايشتها، ربما بدافع العيش والملح، أو احترمًا لرغبة أسرته، أو تحاشيًا لاستدعاء تفاصيل مؤلمة من الذاكرة، كالمشهد الذي لم يفارقه عندما رفع والده “السكينة” على والدته!

تحفظ محمود سعد في الحديث عن نجل وزير الإعلام الشهير وابنه صاحب شركة الإنتاج (أشرف صفوت الشريف)، أو عند ذكر حكاية صاحب بلاغ (من أين لك هذا الذي) ظل بسببه يتردد لمدة عام على مكتب المدعي العام الاشتراكي حتى حصل على صك البراءة.. كلها تفاصيل يأمل المشاهدون والمتابعون والمعجبون قبل المتربصين أن يعرفوا منها المزيد والمزيد، لأنه ربما يأتي يوم ونبحث عنها ولا نجدها، كما كانت تقول له والدته دومًا.. بكرة تدوّر عليّا.. مش هتلاقيني!

تابع مواقعنا