الخميس 25 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

القيم الأمريكية والعالم

القاهرة 24
مقالات
الإثنين 23/نوفمبر/2020 - 11:39 م

تعبّر كل من “الحرية” و”الديمقراطية” و”حقوق الإنسان” عن الرغبة الجميلة للبشرية في السعي وراء السلام والسعادة ، وقد نشرت الولايات المتحدة دعاية عالمية من آلة إعلامية رهيبة انها اصل هذه القيم ومستودعها ومصدرها وحاميها بما يعرف لدى شعوب الأرض بالحلم الأمريكي ، لكن تحقيق هذه التطلعات في المجتمعات المختلفة لا يمكن ان يعتمد على الولايات المتحدة التي تهدد الأمن والسلام في العالم تحت ستار الأخلاق ، إن الحديث عن “القيم الكونية” في الأديان والحضارات والمجتمعات المختلفة دون النظر إلى ظروف كل مجتمع وخلفياته الثقافية وارثه التاريخي هو في حد ذاته افتراض خاطئ، وكما قال صموئيل هنتنغتون، فإن مفهوم الحضارة العالمية هو أيديولوجية الغرب ضد المجتمعات غير الغربية.

منذ الحرب العالمية الأولى وقد عملت الولايات المتحدة على تصدير ما اطلقت عليه  القيم الأمريكية لـ “الديمقراطية الليبرالية” وذلك تماشيا مع اعتقادها الخاطئ ولا ابالغ اذا قلت المتغطرس القائل بأن التقدم البشري لا يمكن أن يتحقق إلا باتباع نهج واحد فقط هو اتباع النظام السياسي والاقتصادي على الطريقة الأمريكية.

ولكن اثبتت التجربة العملية انه على مر السنين ، لم تحقق هذه “القيمة الكونية” المدمجة ضمن “الإستراتيجية القومية” الأمريكية تقدما حقيقيا للبشرية ، ولكنها أصبحت تهديدا كبيرا للأمن العالمي والمسبب الرئيسي في معاناة الناس في العديد من البلدان.

فمثلًا تحت مسمى (حرية الإنترنت) التي استعملتها الولايات المتحدة مثل القذيفة لتصدير قيمها الديمقراطية ، حطمت السلام في منطقة الشرق الأوسط. في عام 2011 ، هذا ما أكده تقرير الاستراتيجية الدولية حول الفضاء الإلكتروني الذي أصدرته الولايات المتحدة على تنفيذ خط “الدبلوماسية الإلكترونية” وجعل الإنترنت موقعا مهما لنشر القيم الأمريكية..

طبقاً لتقرير صادر عن معهد بروكينغز، فإنه من عام 2008 إلى عام 2012، أنفقت وزارة الخارجية الأمريكية ما يقرب من 100 مليون دولار على الأنشطة المجانية المتعلقة بالإنترنت ، والتي شملت مشروع “إنترنت الظل” ، والذي اثبت فاعليته في مساعدة الولايات المتحدة لنشطاء الربيع العربي للتواصل بكل حرية من خلال الشبكة العنكبوتية ، وقد شاركت مجموعات المعارضة في اضطرابات جماعية بأعداد كبيرة لنشر الشائعات وتحريض الآخرين وتهييج الرأي العام ، لولادة ما اصطلح على تسميته “الربيع العربي”

وتقوم مؤسسات مختلفة ممولة من المخابرات الامريكية  بدور “الوسيط” لتصدير القيم الأمريكية مما يعطل استقرار العديد من البلدان في آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية ، فقد كشف الكاتب البريطاني فرانسيس ساندرز في كتابه الصادر سنة 2001 والذي يحمل عنوان “من يتحمل العواقب—وكالة المخابرات المركزية والحرب الثقافية الباردة” بأن 50 بالمائة من أصل 700 منحة تقدمها أشهر الصناديق الإحتياطية الفدرالية تتأتى من وكالة المخابرات المركزية ، حيث تدعم هذه الصناديق النخب الاجتماعية والطلبة الأجانب من البلدان الأخرى للدراسة في الولايات المتحدة ، وتختار وتدعم منهم زعماء الرأي الذين يخدمون مصالح الولايات المتحدة ، حيث يتم تدريبهم على الاستراتيجيات السياسية في الشوارع ،مع بداية الألفية الجديدة ومنذ أن توغلت مؤسسة سوروس بشكل ديمقراطي في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى حدثت عواصف من “الثورات الملونة” كما خُطط لها.

كما تستخدم الولايات المتحدة مزايا الاتصال عبر الإنترنت لإخضاع الحضارة العالمية وإجبارها على التطور وفقا لرغباتها هي ، مما يمثل “اغتصابا” لأيديولوجيات شعوب العالم بطريقة صامتة. حيث تعمل الولايات المتحدة على جمع وتضخيم أخطاء أنظمة الدول الأخرى ، وتعطيل الرأي العام من خلال “جيشها السيبراني” و”الفيديوهات الفيروسية” وغيرها من طريقة نشر الشائعات وتعكير صفو الاستقرار السياسي للدول المستهدفة ، وفي مقال في صحيفة “الجارديان” البريطانية كشفت الصحيفة عن تطوير الجيش الأمريكي لبرامج للتلاعب بالشبكات الاجتماعية حيث يمكن لأحد الأشخاص في الجيش السيبراني أن ينتحل صفة عشرة أفراد ويظهر على الإنترنت بهويات مزيفة مختلفة لتكوين رأيا عاما مؤيدا لأمريكا في البلدان الأخرى.

إن الديمقراطية التي صدرتها الولايات المتحدة منذ فترة “التطور السلمي” خلال الحرب الباردة وصولا إلى الثورات الملونة في القرن الحادي والعشرين جعلت البلدان التي ابتلعت ثمرة هذه الديمقراطية المرة تعاني من الكساد الاقتصادي والتدهور الاجتماعي ، بالإضافة إلى موت أعداد لا تُحصى من المدنيين الأبرياء والكوارث الإنسانية المتكررة.

وكما هو مضمن في تقرير استراتيجية الأمن القومي لعام 2017 حيث جاء:”سنزيد من تأثير الولايات المتحدة، لأن العالم الذي يدعم الولايات المتحدة ويعكس القيم الأمريكية سيجعل الولايات المتحدة أكثر أمانا وازدهارا”.

وهنا تتجلى الحقيقة المرة  فإن الولايات المتحدة لا تريد “الديمقراطية”  لشعوب العالم كما تدعي ولكن تريد “الرخاء الأمريكي” و “الهيمنة الأمريكية” ، ومن اجل ذلك تقوم الولايات المتحدة بمراقبة الشبكة العالمية للانترنت في 150 موقعا و700 خادما حول العالم ، ويُظهر برنامج المراقبة الأمريكي الذي كشف عنه إدوارد سنودن بأن ما تحتاجه الولايات المتحدة حقا ليس “التدفق الحر لمعلومات الشبكة” ، ولكن “التدفق الحر بما يتماشى مع احتياجات الولايات المتحدة”.

تابع مواقعنا