الجمعة 19 أبريل 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أحمد عنتر يكتب: الجنازة حارة والماتش «أهلي وزمالك»

القاهرة 24
ثقافة
الخميس 26/نوفمبر/2020 - 05:28 م

لست من المتعنتين لفريق، المتعصبين لفئة، لست كذلك ممن يشبعون الدنيا صياحًا على فوز فريق دون سواه، أو يملأون الفضاء صخبًا لهزيمة خصم أو افتضاح لاعبيه، لكني كذلك لا ألوم على هؤلاء إذا جنحت بهم المواقف وإذا ضربتهم الغواية فتعصبوا وانتفشت أوداجهم وانتفخت عروقهم نَصَبًا وقهرًا، فالحقيقة أن التعصب للأهلي أوالزمالك له أسباب أخرى. هناك من يبحث عن عطلة نفسية، يتطهر فيها من أوجاعه ومشاكله، ويهرب بها من تعنت المجتمع ومشاكل الحياة، كلنا نصبو إلى رفيق يريحنا من ظمأ الوحدة أو وحشة الوجود المقيتة، ومن طرق هذا التطهر النفسي أن تضع خيبتك على فريقك المنهزم، أن تتعذب ماسوشيًّا بنفاد حظ الفريق في البطولة الآسرة، أو أن تنتشي بفوز النادي الذي تحبه، ليمحو بمجده ما ترسب على نفسك من سوء، وما أوجع قلبك من عنت أو أثقل كاهلك من حاجة أو خوف. لكن كيف تفسر أن يشجع الأهلي أو الزمالك رجل من الأثرياء أو ذوي السلطة، من قال إن هؤلاء لا يخافون أو لا يحملون نقصًا نفسيًّا حادًّا، يحاولون عبر التعصب أن يقطبوه أو يطببوه بهتاف داخلي لفريق منتصر أو آهة توجّع ممتعة على فريقهم الخاسر سعيًا خلف إحساس وهمي بالوفاء والصبر والجلد على الخذلان. لستُ مبالغًا لو قلت إن التعصب الكروي في مصر أصبح متجاوزًا حتى لشغب الملاعب في أوروبا، رغم أن الجنازة حارة و….، فما يستحق التوجع حقًّا هو فريق يحمل من المواهب ما يستأهل الحزن والغضب، علاوة على ذلك ففي دول العالم المتقدم كان التعصب رهينًا بفريق يمثل البلدة أو العصبية القومية، حتى إن مصطلح الهولجانز في العصر الحديث ارتبط بأولى حالات الشغب المعروفة في رياضة كرة القدم الحديثة، والتي وقعت خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر بإنجلترا، في فترة كان أنصار الفريق يتعمدون تخويف المشجعين والحكام واللاعبين كذلك. ومما قرأت أن الواقعة الأشهر التي فجرت المسمى الشهير لشغب الملاعب، كانت في عام 1885، عندما فاز نادي بريستون نورث إيند على نادي أستون فيلا بنتيجة ثقيلة قوامها 5-0 في مباراة ودية، لكن ما جرى بعد المباراة كان مفاجئًا وصادمًا، حيث تعرض أعضاء الفريقين لهجوم بالعصي واللكم والركل والبصق بالإضافة إلى الرشق بالحجارة، ووفق ما ذكر في الواقعة فقد تعرض أحد لاعبي بريستون للضرب المبرح لدرجة أنه فقد وعيه جراء الضرب. هذه الواقعة التي اعتبرها الغربيون نبراسًا للتعصب، قدمت مصر أمامها واقعة ظلت راسخة في قلوب وعقول الملايين من العالمين.. قدمت البلاد مجزرة بشرية لم تشهدها أي من الملاعب الرياضية حول العالم، عقب انتهاء مباراة النادي المصري والنادى الأهلي، في فبراير من العام 2012، والتي راح ضحيتها ثلاثة وسبعون مشجعًا لا ذنب لهم إلا أنهم ذهبوا ليشجعوا فريقًا أحبوه وأخلصوا له، حتى لو كانوا يبحثون بذلك التشجيع عن طبطبة نفسية مؤقتة. بالحق أقول إن الحياة لا تستحق منا تعصبًا على حق، لا تعصبًا على لعبة، فالموت أصبح أقرب إليك من قرب روحك، وأضحت الحياة المعلقة بيد الله، على شفا نذير الخلاص وكأن الزمان تمطى فقصر، وكأن العصر أراد له الله أن ينبت الفناء كما تنبت الأرض الزرع الشائه في الخلاء، فاعتبروا وتمهلوا ولا تتعصبوا إلا لأنفسكم وبقائكم وإنسانيتكم.

 

تابع مواقعنا