الأحد 15 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

المصريون.. والمولد!

الخميس 12/سبتمبر/2024 - 08:31 م

تفردت مصر قديمًا وحديثًا في كل شيء وفي مختلف مجالات الحياة، حتى تفردت في طبيعة علاقتها بالإسلام، فقد دخل الإسلام بلادا شتى، لكنه حينما دخل مصر فقد ارتبط بأهلها ارتباطًا له طبيعته الخاصة التي تختلف عن بقية دول المعمورة، أضاف المصريون إلى الإسلام كما أضاف لهم، لم يضيفوا إليه -بالطبع- أصولًا أو أحكامًا وإنما أضافوا إليه شكلًا ولونًا خاصًا اختلف عن شتى ألوان البشر، شهد بذلك القريب والبعيد، فالطقوس الدينية في مصر لا يجاريها أحد، فقد ارتبط المصريون بشكل أعمق بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الرسالة، وامتد الأمر لديهم إلى حب آل بيته حبًا لا يقارنه حب أحد من الشعوب، فاستقبلوهم وعاشوا معهم وفرضوا لهم الحماية الكاملة والخدمة التامة، ونال المصريون من بركاتهم وخيرهم الكثير والكثير.

ومما دأب المصريون عليه منذ قديم الزمان هو احتفالهم واحتفائهم بصاحب تلك الرسالة العظيمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبمولده الشريف، وفي هذا العام من كل عام يشغب المشاغبون على هذا الأمر ويرفعون رايات الاتهام لمَن يحتفل بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم على اعتقاد أن الرسول وصحابته لم يحتفلوا بالمولد وأنها بدعة ابتدعها المصريون، كما فعلوا في العديد من الشعائر الدينية على مرِّ الزمان. 

وقد خفي على هؤلاء أن الله يخفف عن أبي لهب والذي قد كتب عليه العذاب في قرآن يتلى إلى يوم القيامة، وذلك بسبب فرحه بمولد رسول الله حينما جاءته الجارية ثويبة تخبره أن آمنة زوجة أخيه قد ولدت ذكرًا يشبه القمر من نوره وضيائه، فأعتقها فورًا لفرحته بهذا الخبر! 
  فرجل كُتب عليه أنه مخلد في النار يخفف عنه العذاب لفرحته بقدوم رسول الله، فما بالك بالمصريين الذين أحبوه وفرحوا بقدومه واتبعوه وآمنوا به ولهجوا بالثناء والصلاة عليه ليلًا ونهارًا. 

وحينما تفتش في المكتبة المصرية وأعني بها علماء أهل مصر الذين تخصصوا في علوم الشرع، تجد أنهم لم يتركوا كبيرًا ولا دقيقًا إلا كتبوا فيه وبينوه ليزول الريب من قلوب الناس في جميع المسائل التى قد تورد عليهم، فتجد أن الإمام السيوطي المصري والذي توفي في القاهرة عام 911هـ، ألَف كتابًا سماه حسن المقصد في عمل المولد، أورد فيه العديد من الأدلة وانتهى فيه إلى أن الاحتفال بمولد رسول الله بدعة حسنة يُثاب فاعلها.

 

هكذا فعل المصريون من مئات السنين، كان لهم طابعهم الخاص في الاحتفال بقدوم رسول الله الذى غير حياتهم برسالته الحنيفة السمحة التي وسعت جميع طوائف المجتمع المصرى الذي يمتاز بالتنوع والاختلاف، فلم يلفظ أحدهم أخاه وإنما عاش الجميع في ظل رسالة الإسلام بمودة ورحمة. 

وتنوعت مظاهر الاحتفال فإذا كان الفاطميون هم أول من بدأ الاحتفال في مصر بشكل واضح، فإن صلاح الدين الأيوبي هو أول من دعا للاحتفال المنظم بالمولد النبوي الشريف حيث كان يصرف ما يزيد عن 300 دينار كل عام في وجوه البر والإحسان، فما بين إطعام للطعام والصدقات وغيرها، كما كانوا يقومون بإطلاق المديح في وصف خير البرية صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر المؤرخون أنه كانت تقام السرادقات وينشر فيها الطعام لإطعام المسافرين من القرى وسائر البلدان، ويجتمع فيها الناس والأعيان والرؤساء، واستكمل العثمانيون ذلك الأمر وأضافوا إليه الأداء الرسمي بشكل أكثر وضوحا فكان السلطان العثماني يخرج راكبًا جوادًا من خيرة الجياد وحوله موكب ضخم وحوله ترفع الأعلام يسير به بين صفين من الجنود وخلفه جماهير الناس إلى المسجد يقرأون القرآن ويطلقون المدائح وترتفع الأصوات بالصلاة والسلام على النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم. 

وظلت هذه التقاليد وتنوعت إلى يومنا هذا، كلٌ يفرح بقدوم الحبيب صلى الله عليه وسلم بطريقته فبين مادح يمدح وكاتب يكتب وعابد يصلي ويسلم عليه وبين غني ينفق في وجوه البر والإحسان، كل الناس تفرح بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تابع مواقعنا