الأضرحة الرقمية.. حياة جديدة
ما مصير محتوانا الرقمي الذي نتركه خلفنا؟ وكيف تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى الفضاءات لحفظ الذكريات والإرث الشخصي؟
تخيل عالمًا لا تنطفئ الأضواء أبدًا، عالم تتنفس فيه البيانات وتنبض بالحياة، عندما تلمس أصابعك شاشة هاتفك، تشعر بدفء غريب ينبعث من صورة شخص لم يعد بيننا، تنظر إلى ابتسامته المتجمدة في لحظة من الزمن، وتسمع صدى ضحكته في ذاكرتك. هنا، في هذا الفضاء الرقمي، تتواجد بصماتنا الرقمية بحرية، نابضة بالحياة، رائحة الذكريات تتصاعد من سطور كتبها صاحبها ذات يوم، وأصداء كلماته ما زالت تتردد بين جدران الشبكة العنكبوتية.
في هذا العالم الجديد، تصبح صفحاتنا على وسائل التواصل الاجتماعي أشبه بأضرحة رقمية يقف عندها الأحباء، يتلمسون الصور، ويقرأون الكلمات، يشعرون بالألم والفرح في آن واحد، تحتفظ بذكرياتنا وأفكارنا وتفاعلاتنا، تستمر في النمو والتفاعل.
أثرياء وفقراء رقميين
ماذا عن أولئك الذين يتركون وراءهم إرثًا رقميًا ضخمًا، أرشيفًا يزخر بالصور النابضة بالحياة، مقاطع فيديو يتدفق منها الصوت والحركة، كلمات تشع بالدفء، مقارنة بمن لا يملكون سوى بصمة رقمية باهتة، همسة خافتة في ضجيج العالم الرقمي؟ هل سيخلق هذا طبقية جديدة من أثرياء يملكون قصورًا رقمية شاهقة، تلمع نوافذها بآلاف التفاعلات والذكريات، وفقراء لا تُسمع أصواتهم إلا همسًا خافتًا في زوايا منسية من فيسبوك وإنستجرام وتيك توك وغيرها.
في خضم هذا الوجود الرقمي، تتشابك أصابع الأحياء مع شاشات باردة، يبحثون عن ملمس دافئ، عن رائحة مألوفة، عن صوت حبيب، هل ستذرف عيونهم دموعًا حقيقية أمام دموع الإيموجي؟ أم سيشعرون بالألم وهم يتأملون وجهًا ابتسم ذات يوم للكاميرا، وكأنه يعلم أن هذه الابتسامة ستصبح جسرًا بين عالمين؟
الخلود الرقمي: ميراث لا يفنى
إرثك الرقمي لم يعد مجرد مجموعة من الصور والمنشورات الباهتة، بل أصبح أصولًا رقمية محفورة في صخر البلوك تشين، تشع بألوان خالدة، صامدة أمام عواصف الزمن، لا يمكن تغييرها أو محوها، كل نبضة من كلماتك، كل لون من صورك، كل همسة من صوتك، مسجلة باسمك إلى الأبد، تتنفس في صمت، تنتظر من يأتي ليلامس سطحها الرقمي فتستيقظ من جديد.
"يستقبل الأموات ورودًا أكثر من الأحياء لأن الندم أكثر من الامتنان".
الوصايا الرقمية الذكية:
يمكن برمجة العقود الذكية على البلوك تشين لتنفيذ رغبات الشخص بعد وفاته، قد يشمل ذلك توزيع الأصول الرقمية، أو إدارة الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى إنشاء محتوى جديد بناءً على خوارزميات محددة مسبقًا.
يمكن أن تستمر الشخصيات المؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي في التفاعل مع متابعيها حتى بعد وفاتها من خلال برمجة الخوارزميات لإنشاء منشورات جديدة بناءً على أسلوبهم واهتماماتهم السابقة. كما يعمد بعضهم لتعيين مدراء حسابات أو استخدام الذكاء الاصطناعي لإدارة حسابات الشخصيات بعد وفاتهم، مما يضمن استمرار تفاعلهم مع الجمهور وتقديم محتوى جديد، كما يمكن للشخصيات المؤثرة تحويل محتواها إلى أصول رقمية محمية بتقنية البلوك تشين، ما يضمن بقاء إرثهم الرقمي للأجيال المقبلة.


