الإثنين 08 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

مصر هوّنت عليّا الإبعاد.. أول حوار مع نائل البرغوثي أقدم أسير بالعالم فور وصوله إلى القاهرة: خروجنا صفعة لإسرائيل | خاص

نائل البرغوثي خلال
تقارير وتحقيقات
نائل البرغوثي خلال حواره مع أحمد سعيد محرر القاهرة 24
الجمعة 28/فبراير/2025 - 12:14 ص

نائل البرغوثي أقدم أسير في العالم بعد الإفراج عنه:

حريتنا منقوصة والحرية الكاملة لشعبنا الفلسطيني في حقه في دولته وبلاده

عند دخولي سيناء تذكرت الشهداء والحروب التي خاضتها مصر وتذكرت قناة السويس وتأميمها 

موقف الرئيس السيسي مشرف فهو يحترم شعبه وأمته ويرفض التهجير

الاحتلال مارس شتى أنواع الضغط النفسي والجسدي علينا بعد تأجيل الإفراج

طوفان الأقصى سفينة نوح للقضية الفلسطينية ودماء الشهداء دّين في أعناقنا

ضريبة الحرية.. عبارة تبدو للسامع وكأنها تحمل معنى يسيرًا، غير أن الواقع يكشف وجهًا آخر؛ فليست كل حرية راحةً أو انفراجًا، فهناك حريات يرافقها ألمٌ عميق يجعلها أقرب إلى قيدٍ جديد؛ ومع ذلك، فإن شروطها وملابساتها قد تفرض القبول بها، لتصبح الحرية المشروطة خيارًا لا مفر منه.

أما السجون، بجدرانها المنيعة وقضبانها الفولاذية، فهي كفيلة بأن تنهك الأجساد وتثقل النفوس، وربما تُقيد الأفكار. إما أن تخرج منها العقول أكثر وعيًا ونضجًا، أو أشد هشاشةً وانكسارًا، لكن سجون الاحتلال الإسرائيلي تبقى استثناءً فادحًا، إذ يقابل الأسرى الفلسطينيون قسوتها بانتصار من نوع آخر؛ يخرجون بأجساد أرهقها الاعتقال، لكن بعقول صُلبة وإرادة لم تُهزم مهما طال زمن الأسر أو قصُر.

ومن بين أكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني مرّوا بهذه التجربة، يقف اسم نائل البرغوثي في المقدمة؛ فهو "عميد الأسرى" وأقدم أسير في العالم، إذ قضى ما يقارب نصف قرن بين جدران السجون الإسرائيلية، وخرج منها وقد غزا الشيب رأسه، لكن ملامح الصمود بقيت كما هي على وجهه الذي وجهه صوب العاصمة المصرية القاهرة.

بعد ساعات قليلة من وصوله إلى القاهرة، حيث نجحت الجهود المصرية في إنهاء ملف الأسرى المؤجلين، حاورناه في "القاهرة 24"، واستمعنا إليه وهو يفتح لنا أبواب تجربته الممتدة لعقود، ليحدثنا عن تفاصيل حياة الأسر داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وعن رؤيته لعملية "طوفان الأقصى"، وعن انطباعاته تجاه الموقف المصري الرسمي والشعبي من القضية الفلسطينية ورفضه التهجير للشعب الفلسطيني، وفيما يلي نص الحوار… 

س/ نائل البرغوثي، أقدم أسير في العالم.. ما أول ما خطر ببالك فور أن تنفست عبير الحرية؟

أولًا حمدت الله على نعمة الحرية، وإن كنت أعلم أنها حرية ناقصة، فالحرية الحقيقية لا تكتمل إلا بتحرر فلسطين كلها، وإقامة دولتنا المستقلة، وخروج كل أسير وأسيرة من سجون الاحتلال، لأن حرّيتنا مرتبطة بحرية شعبنا وأمتنا، وعندما اقتربنا من معبر رفح ودخلنا أرض سيناء الحبيبة، تذكرت إخوتي وزملائي الذين دفعوا حياتهم ودماءهم وأحلامهم ثمنًا لهذه اللحظة، وتذكرت بيوتًا هُدمت، وأشجارًا اقتُلعت، ورفاقًا كانوا معنا في الزنازين ثم رحلوا شهداء؛ هؤلاء هم أول من حضر في خاطري، لأن حريتي مدينة لتضحياتهم.

س/ كيف كان شعورك عند دخولك الأراضي المصرية؟

منذ أن لامست قدماي رمال سيناء شعرت أنني عدت إلى بيت آخر من أوطان العرب، لحظة لا يمكن وصفها، اختلط فيها الفرح بالفخر، وتذكرت شهداء مصر الذين دُفنوا في هذه الرمال دفاعًا عن فلسطين، وتذكرت كل الحروب التي خاضتها مصر جنبًا إلى جنب معنا.

وعندما مررنا من نفق الشهيد أحمد حمدي، غمرني شعور خاص، فهو رمز خالد من رموز العزة في حرب أكتوبر، وطوال الطريق من رفح إلى القاهرة، كنت أسترجع تاريخ مصر ودورها الذي لم يتوقف يومًا: جيشها، شعبها، قيادتها، كلها جزء من قضيتنا، وأعلم أن عقيدة الجيش المصري منذ آلاف السنين أن وجهته شرقًا وليس إلى أي مكان آخر.

س/ الاحتلال أجّل الإفراج عنكم أسبوعًا كاملًا.. ماذا جرى خلال تلك الأيام؟

كان أسبوعًا ثقيلًا علينا؛ مارس الاحتلال فيه كل أشكال الضغط النفسي والجسدي، وهددونا بالقتل، وبالكلاب الشرسة وأطلقوها علينا، وأرادوا أن يسلبوا منا فرحتنا حتى قبل أن تكتمل، لكننا كنا نعلم أن لحظة الحرية قادمة، وأن هذه العقلية العنصرية التي تحكمهم ستظل عاجزة عن كسر إرادة الأسير الفلسطيني.

س/ بعد السابع من أكتوبر، هل شهد الأسرى الفلسطينيون انتهاكات جديدة داخل السجون؟

نعم، الاحتلال صعّد انتهاكاته بشكل لم يسبق له مثيل، من خلال الضرب والإهانات والإذلال، واستخدام الكلاب المسعورة ضد الأسرى كما لو كنا في العصور الوسطى، كل ذلك جرى تحت أنظار العالم وصمته، وبدعم من قوى غربية تغض الطرف عن معاناتنا، ونحن لسنا طلاب حرب، نطالب فقط أن ينال شعبنا ما تناله كل شعوب الأرض: حق العيش بحرية وكرامة.

س: رفضتَ في البداية الخروج مقابل الإبعاد.. لماذا؟

المنفى مرّ، والبعد عن فلسطين أشد قسوة من السجن نفسه، لكن عندما علمت أن الوجهة إلى مصر، تبدّد جزء من هذه المرارة لأن مصر ليست غريبة، بل هي بلدي الثاني، وشعبها أهل لنا، وتاريخها شاهد على دعمها الدائم، ودماؤها امتزجت بدمائنا في معاركنا المشتركة، لذلك لم أشعر أنني أُبعد، بل شعرت أنني في حضن شقيق يخفف بعضًا من قسوة الفقد وهونت عليّ ألم البعد.

س/ كيف تصف تحريركم اليوم؟

هو صفعة قاسية على وجه الاحتلال، وكسر لغروره الذي اعتاد أن يرى الفلسطينيين أسرى إلى ما لا نهاية، وهو أراد أن يُبقيَنا عبيدًا لهذه الفاشية المريضة التي لا تعرف إلا العنصرية، لكن خروجنا كان إعلانًا أن هذا وهمٌ لن يتحقق، لأن الحرية أقوى من قضبانهم والكرامة أثبت من جدرانهم.

س/ كيف تنظر إلى عملية "طوفان الأقصى"؟

طوفان الأقصى كان نقطة تحول، ويمكنم وصفها بأنها أشبه "بسفينة نوح" التي حملت قضيتنا في مواجهة الطوفان الآخر من الدماء والدمار، دماء الشهداء فيه دين في أعناقنا، ورسالة أن فلسطين لن تُترك وحيدة.، الطوفان أكد أن هذه الأرض ليست مجرد جغرافيا بل قضية أمة كاملة.

س/ برأيك.. هل الوطن والحرية يستحقان كل هذه التضحيات؟

الحرية أثمن ما في الوجود ولا حياة بدونها، وهي حق طبيعي لكل إنسان لكنها لا تُمنح بل تُنتزع، ومن المؤكد أن الحرية ثمنها باهظ وغالبًا ما يُدفع بالدماء، وكل الشعوب التي تحررت من الاستعمار والاستعباد سارت في هذا الطريق، وفلسطين ليست استثناءً؛ نعم الحرية والوطن يستحقان كل تضحية.

س: حملت ألقابًا عدة: عميد الأسرى، أبو النور، أقدم أسير في العالم.. أي منها الأقرب إلى قلبك؟

أحب الألقاب إليّ هي نائل البرغوثي مناضل صغير في جيش الأمة، فأنا مجرد جندي من الجنود الذين قدموا حياتهم عبر التاريخ، مثل أي جندي آخر سواء مصري أو سوري أو عراقي لا أكثر، وغيري قدم أكثر مني لوطنه وقضيته.   

س/ أسرتك صبرت كثيرًا وناضلت معك طوال هذه العقود.. ماذا تمثل لك؟

أحمل في قلبي فلسطين الكبرى فهي الوطن والهوية، وأعيش في كنف فلسطين الصغرى وهي زوجتي التي أجد فيها سكني ورفيقتي، وفي ملامح أولادي أرى انعكاس الوطن وأمضي به معهم، فالأسرة عندي هي العنوان الأصدق لحياتي ومعناها الأجمل.

س/ كيف ترى موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي من القضية الفلسطينية، خاصة رفضه تهجير الشعب الفلسطيني ودور مصر منذ 7 أكتوبر؟

هو موقف مشرف، يليق برئيس يحترم شعبه وأمته لأن أي قائد يحترم نفسه وأمته لا يمكن أن يقبل بتهجير شعب آخر، فما بالك بالشعب الفلسطيني الذي يعاني التهجير منذ 1948؟، ومصر لم تكن يومًا ملجأً بديلًا لنا، بل سندًا  كي نبقى على أرضنا ونتمسك بحقنا في تحرير ما تبقى من وطننا.

س: ما رسالتك اليوم وأنت رمز للأسرى في فلسطين والعالم؟

رسالتي أن الاحتلال زائل مهما طال الزمن، والتاريخ شاهد على ذلك والشعوب التي قُهرت تحررت والظلم لا يمكن أن يدوم، والشعب الفلسطيني لن يرضخ ولن يقبل بالاحتلال، وأوجه ندائي لكل الأحرار في العالم: أن يتحول تضامنكم من شعور إلى فعل، لأننا لا نقاتل من أجل فلسطين وحدها، بل من أجل كرامة الإنسانية كلها.

س: بعد أكثر من أربعة عقود في سجون الاحتلال.. هل ترى أن القضية الفلسطينية تستحق كل هذه التضحيات؟

نعم، وأكثر من ذلك، هذه ليست قضية أسرى فقط، بل قضية حرية وأرض ونحن جنود طحن السجن أعمارنا، لكن دماءنا ودماء إخوتنا في مصر وسوريا والعراق والأردن امتزجت دفاعًا عن فلسطين، والتضحية ليست خيارًا بل قدر كل شعب يرفض العبودية، وفلسطين تستحق، كما استحقت السويس والسد العالي ودماء المصريين التي صانت أرضهم، الحرية ثمنها غالٍ والشعوب الحرة لا تساوم عليها.

تابع مواقعنا