الثلاثاء 18 مارس 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

لما كله رقم واحد مين الثاني؟

الجمعة 07/مارس/2025 - 08:38 م

كان لشهر رمضان طابعه الخاص في ذاكرة المصريين، ليس فقط من الناحية الروحية والاجتماعية، ولكن أيضًا من الناحية الفنية، إذ شكلت المسلسلات الرمضانية جزءًا أساسيًا من العادات الرمضانية لكل أسرة مصرية.

كانت الدراما الرمضانية مدرسة فنية متكاملة، يتبارى فيها العمالقة من نجوم التمثيل والتأليف والإخراج، لتقديم أعمال تليق بعظمة هذا الشهر الفضيل، وتحمل قيمًا ورسائل سامية تعكس روح المجتمع المصري وأصالته.

لكن مع الأسف، أصبح المشهد مختلفًا تمامًا في السنوات الأخيرة، إذ تحولت العديد من المسلسلات إلى عروض  خالية من أي مضمون فني حقيقي بل إن بعضها أصبح يعتمد بشكل أساسي على البلطجة والسباب والمشاهد العنيفة دون أي اعتبار لحرمة الشهر الكريم أو احترام لعقلية المشاهد، وهذا ليس معناه أيضا عدم وجود القليل من الأعمال الدرامية الاجتماعية المحترمة.

إن الدراما المصرية لها تاريخ طويل من الأعمال التي جمعت بين المتعة والرقي، أعمال خلدها الزمن بأسماء عمالقة مثل: نور الشريف، يحيى الفخراني، فاتن حمامة، محمود عبد العزيز وغيرهم، إذ كانت أعمالهم تحمل رسائل إنسانية عميقة، تتناول قضايا المجتمع بذكاء ودون ابتذال فاحترموا فنهم فاحترمهم المشاهد.

أما اليوم يتنافس البعض وليس الكل بالطبع من المسلسلات في عدد الشتائم ومشاهد العنف والإيحاءات غير اللائقة، أما النظيف منها تجده عملا هشا خاليا تماما من القصة الجيدة، والمفارقة المضحكة أن صُناع هذه المسلسلات يبررون هذا الاتجاه بأنهم يعكسون الواقع، وكأن المجتمع المصري كله يتحدث بذلك الأسلوب الشبحي للبطل الشبح صاحب العبارات السوقية، وكأن الشعب لم يعد فيه سوى هذا الشكل الفني المكون من البلطجية والمجرمين والمنحرفين!

ظهرت ظاهرة أخرى لا تقل إزعاجًا، وهي حالة الغرور والتكبر التي أصابت بعض نجوم المسلسلات الرمضانية، فبدلًا من أن ينشغل الفنان بتقديم عمل راقٍ يحترم الجمهور أصبح البعض منشغلًا فقط بالأرقام والإحصائيات والحديث عن كونه النجم رقم واحد، أو أن مسلسله هو الأكثر مشاهدة.

والمثير للسخرية، أن البعض يخرج ليؤكد أن عمله هو الأعلى مشاهدة مما يجعلنا نتساءل إذا كان الجميع في المركز الأول فمن هو الثاني؟

بالطبع الدراما ليست مطالبة بتقديم صورة وردية زائفة عن المجتمع، لكنها في الوقت ذاته ليست مطالبة بتكريس الإسفاف واللغة السوقية، أو الترويج لقيم الانحراف وكأنها هي السائدة فأصبح الضحية المشاهد !! 

وسط هذا الكم من القليل من الفن يظل هناك فنانون يقدمون محتوى يحترم عقل المشاهد وقيم المجتمع ويصلح لجميع أفراد الأسرة، مثل: أكرم حسني وهشام ماجد، اللذين استطاعا أن يقدما أعمالًا تجمع بين الكوميديا الراقية والذكاء الفني دون اللجوء إلى الألفاظ السوقية أو المشاهد غير اللائقة، وهي الأعمال التي  تُعيد إلى الأذهان زمن الكوميديا الذكية التي تضحك المشاهد دون أن تخدش حياءه وتصلح للمشاهدة العائلية وهذا ما يجعل لهما مكانة خاصة بين جمهور يبحث عن فن نظيف يحترم القيم والمبادئ.

وما لفت الأنظار أيضًا، الصاعد بسرعة الصاروخ في عالم الكوميديا مصطفى غريب بجانب بعض النجوم الذين يحافظون على مكانتهم بأدائهم المتمكن الراقي وخفة الظل، حتى وإن قدموا شخصيات تتسم بالشر، مثل: طارق لطفي وباسم السمرة والسقا وريهام حجاج النجمة التي استطاعت أن تفرض نفسها بقوة في الساحة الدرامية ليس بالصخب أو الضجيج بل بأدائها المتمكن واختياراتها الذكية.

ويبقى خالد صلاح الكاتب الصحفي والإعلامي الشهير مثالًا للكاتب الذي لا يخشى التحديات بل يتعامل معها بوعي ورؤية إبداعية تجعل من مسلسله معاوية محل اهتمام ومتابعة، وربما يكون الجدل الذي أثاره معاوية دليلًا إضافيًا على نجاحه في تقديم عمل يحفز النقاش ويجذب الجمهور

نحن بحاجة اليوم إلى استعادة هذا الإرث الفني المحترم، إلى دراما تعكس مجتمعنا بكل تفاصيله دون أن تروّج للعنف والإسفاف إلى أعمال تُعيد احترام الفن للمشاهد، ليعود المشاهد بدوره إلى احترام الفن، فهل نشهد قريبًا عودة الدراما الراقية؟ أم أننا سنبقى في دوامة كثير من السباب.. قليل من الفن؟!

تابع مواقعنا