سليمان عيد.. أحزنت الجميع
بلا مقدمات أو حتى توقعات حيث إنه في بعض الأحيان تكون للموت دلالات، رحل فنان من القلائل جدا الذين لا يختلف عليهم اثنان، من حيث الموهبة، والحضور، وخفة الظل الطبيعية دون مبالغة، والأهم من كل ذلك من ناحية الإنسانية والاحترام.
فهو الجميل أسمر اللون الذي ولد بتاريخ 17 أكتوبر 1961 في حي إمبابة بمحافظة الجيزة لأسرة ذات أصول صعيدية، ولأنه وجد في نفسه حبًّا للفن توجه إلى دراسته بالمعهد العالي للسينما، ثم بدأ مشواره حاملًا بداخله قيمًا ومبادئ تمسك بها طيلة هذه الرحلة، وهو ليس بالأمر السهل أبدًا خصوصًا أن الوسط الفني يحتاج إلى مواصفات معينة، ربما تكون الطيبة والأخلاق السوية والحفاظ على ضوابط معينة ليست أهمها، بل في أحيان كثير تصبح معطلة وعبئًا على صاحبها، وربما يفسر ذلك عدم وجود هذا الفنان المبدع ضمن نجوم ما يسمى بالصف الأول رغم أنه يستحق بجدارة، ومع هذا فلا يوجد مشاهد إلا ويعرف "سليمان عيد" الذي حفر اسمه في قلوبنا قبل ذاكرتنا بتلقائيته الرائعة، وحضوره الذي يجعله لا يقل أهمية داخل كل عمل يوجد فيه عن نجمه الأول مهما كان الدور الذي يقدمه.
ومن عجيب الأقدار التي هي دائما ويقينًا الاختيارَ الأفضل لنا كونها من عند الله، أن سليمان عيد خلال الفترة الأخيرة كان قد بدأ يضع قدمه على أعتاب مكانة يستحقها من زمن وتوقعت أن تكون الفترة القادمة بالفعل، هي مرحلة حصاد سنوات كثيرة من العمل والمكابدة والرضا بما قسمه الله له وكان ذلك يبدو دائما من حديثه في اللقاءات التليفزيونية، فلم يشكُ يومًا أو يلوم، ولم نسمع أنه أثار خلافا أبدًا مع أحد، وربما كانت تلك الخاتمة الحسنة هي المكافأة الحقيقية لهذا الرجل الطيب، حيث توفاه الله وهو في كامل صحته يقف على قدمية لا يحتاج لأحد ولم تكسره الحاجة، فقد رحل كما قلت وهو في عز تألقه الفني بأزمة قلبية مفاجئة، داهمته ليلة الجمعة المباركة التي يغفر الله لمن مات فيها، فكان ذلك موعده مع السماء لتفيض روحه النقية أثناء نقله إلى المستشفى داخل سيارة الإسعاف، في هدوء وصمت كما عاش طيلة حياته.
ولأن الجنائز أيضا تكون من علامات حسن الخاتمة إذا لم تكن لرياء أو تملق، ولا يوجد ذلك في حالة سليمان عيد ذلك الرجل الذي قرر أن يعيش سهلا بسيطا لم تغيره الشهرة أو تفتنه، فدائمًا يشعر من يشاهده أنه جاره في المنزل أو زميله بالعمل.. فكانت جنازته حاشدة ومن كرم الله أنها خرجت عقب صلاة الجمعة، وحضرها أغلب نجوم الفن الذين رأينا دموعهم وانهيار بعضهم بشكل لم نشهده في جنازة فنان من قبل، وقد ضجت السوشيال ميديا بمنشورات العزاء والترحم، وربما لا يوجد فنان في مصر لم يكتب نعيًا على صفحته الشخصية بكلمات مؤثرة تدل على نقاء هذا الفنان الرائع والإنسان الجميل صاحب 63 ربيعًا، بينما كنا نشعر أنه شاب أربعيني ليس أكثر ولكنه نقاء السريرة وصفاء القلب.
رحل سليمان عيد إلى جوار ربه راضيًا مطمئنًا وآحزن الجمع فراقه، سواء زملائه أو جمهوره ومحبيه الذي طالما رسم الابتسامة على وجوههم بكوميديا طبيعية تتسل إلى القلب دون تكلف مثل صاحبها رحمه الله.


