السبت 06 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

المواطن السيد في الوطن السيد

الأربعاء 30/أبريل/2025 - 07:47 م

من بين الشعارات التي خلّدها التاريخ وارتبطت بشخصية الزعيم جمال عبد الناصر، يتبادر إلى ذهني دائما شعار "المواطن السيد في الوطن السيد" كعنوان لمرحلة فارقة من الوعي الوطني والعدالة الاجتماعية.

الجميل في الأمر أن الشعار لم يكن مجرد كلمات رنانة، بل كان مشروعًا حقيقيًا لترسيخ كرامة المواطن المصري، خصوصًا أبناء الطبقات الكادحة الذين رأوا في عبد الناصر نصيرًا لهم، ومنحوه ولاءهم وانتماءهم، فصنعوا معه مجدًا لا يزال حاضرًا في وجدان الأمة حتى اليوم.

قال عبد الناصر: "إن حرية الوطن لا تنفصل عن حرية المواطن، وكرامة الوطن لا تنفصل عن كرامة المواطن".

بهذا المعنى، آمن أن الوطن لا يكون سيدًا بحق إلا حين يكون مواطنوه سادة، شركاء حقيقيين فيه، لا رعايا تحت سلطة أو طبقة.
من هنا جاءت سياساته التي منحت الفلاح أرضًا، والعامل مصنعًا عمل فيه كأنه يملكه، والفقير أملًا في تعليم وصحة ومكانة كان لا يستطيع تخيلها.. شعر المواطن البسيط، للمرة الأولى، أن الوطن يخصه، وأن له كرامة محفوظة لا يملك أحد أن ينتقص منها.

قال أيضا: "لقد كانت ثورتنا من أجل المواطن.. من أجل الفلاح والعامل والموظف الصغير والطالب".
بهذا الخطاب، خاطب قلب الأمة لا عقلها فقط، ورسّخ مفهوم الشراكة الشعبية في بناء الدولة، فما كان إلا أن التفّت حوله الجماهير، ليس بدافع الخوف أو القهر، بل انطلاقًا من شعور داخلي بالكرامة والانتماء.

ولعلنا نجد أن كل خصومات عبد الناصر لم تكن أبدًا مع الشعب وإنما جماعات وكيانات وأفراد ذات أيديولجيات وأفكار تختلف عن أفكاره منها حسن النية ومنها ما يهدف لمصالح خاصة.

وحين جاءت نكسة يونيو 1967، كانت مصر تقف على حافة الهاوية حرفيًا، منهكة من هزيمة عسكرية مفجعة. لكن ما لم يسقط حينها هو الروح المعنوية التي تنطلق من إيمان راسخ بالله والوطن والزعيم. لم تَنْهَرِ البلاد كما كان متوقعًا، ولم تنقلب الجماهير على زعيمها، بل خرجت تطالبه بالبقاء عندما أعلن التنحي في خطابه الشهير، لأنها لم تكن ترى فيه فرددا، بل رمزًا لفكرة، تجسيدًا لكرامتها ذاتها.

قال يومًا: "إذا لم يكن المواطن شريكًا في القرار، فإنه لن يكون مستعدًا للتضحية من أجل وطن لا يشعر بملكيته له".
وقد كان بالفعل.. فلولا هذا الانتماء، وتلك العلاقة المتجذرة بين المواطن والوطن، لتفككت البلاد تحت وطأة النكسة المؤلمة وخسارتها المريرة.

لقد كانت الحالة المعنوية آنذاك على شفا الانهيار، لكن الكرامة الوطنية التي زرعها عبد الناصر في قلوب المصريين وإحساسهم بأن هذا بلدهم بمعنى الكلمة أنقذتهم من السقوط. فقد أدرك المواطن بفطرته أن الهزيمة ليست نهاية الطريق، بل اختبارا لقيمة الانتماء. كما قال عبد الناصر: "لا حرية لشعب يأكل من مزبلة غيره، ولا كرامة لمواطن يشعر بالغربة في وطنه".

لقد علمتنا تلك المرحلة أن الكرامة الوطنية تبدأ من كرامة المواطن، وأنه لا يمكن أن نحمي وطنا لا يشعر أبناؤه بأنهم ملاكه الحقيقيون.. كما قال أيضا: "الوطن ملك لمن يدافع عنه، وليس لمن ينهبه". في رسالة واضحة بأن الملكية للوطن مرتبطة بالتضحية من أجله وليس فقط الانتفاع منه.

إننا اليوم، ونحن نواجه تحديات من نوع جديد، بحاجة لاستدعاء هذا الدرس، لا في الشعارات فحسب، بل في السياسات والممارسات.. فالمواطن السيد في الوطن السيد ليست عبارة تاريخية، بل رؤية مستقبلية يجب أن نتمسك بها، ونبني عليها، كي نصنع وطنا لا ينكسر، ولا يهزم، وإن طال الطريق.

تابع مواقعنا