أمين الفتوى: المصريون القدماء اعتبروا العمل عبادة فبنوا حضارة
أكد الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الشرع الشريف وسّع من مفهوم العبادة ليشمل كل فعل يقوم به الإنسان إذا قصد به وجه الله، موضحًا أن العمل حينها يتحوّل إلى عبادة حقيقية.
أمين الفتوى: المصريون القدماء اعتبروا العمل عبادة فبنوا حضارة
وأضاف أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال حلقة برنامج "مع الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الأربعاء، أن المصريين القدماء عندما كانوا يقولون "العمل عبادة"، لم يكونوا يرددون مجرد شعار، بل كانوا يعيشونه واقعًا يوميًا، فهم فهموا أن النية هي أساس تحويل العمل إلى عبادة، سواء كان الفلاح في أرضه، أو النجار في ورشته، أو المعلّم في فصله.
وأشار الورداني إلى أن هذا الفهم العميق لدى المصريين ظهر جليًا في احترامهم لفكرة الواجب الموسع، فكانوا يؤدون أعمالهم بإتقان دون تقصير في عباداتهم، إيمانًا منهم بأن أداء الإنسان لعمله بإخلاص وإتقان هو في حد ذاته عبادة تقربه إلى الله.
وانتقد ما وصفه بمحاولات "التدين الكمي" التي تختزل العبادة في الشعائر فقط، مؤكدًا أن هذا الفهم الناقص أفرز مشكلات عديدة، مثل الفهلوة وعدم إتقان العمل.
وشدد على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه" لا يُفهم بمعزل عن العبادة، بل هو جزء منها.
وأضاف أن الشرع جعل من العمل بابًا للترقي والاستمرار في التنمية، مشيرًا إلى أن مفهوم "التنمية المستدامة" هو في حقيقته كاشف عن وسع كرم الله في الحياة.
وقال إن الله أمرنا بالعمل في قوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"، لافتًا إلى أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، لأن الاستمرارية في العمل تكشف عن نية الإنسان في تعمير الأرض والارتقاء بالحياة.
ودعا لإعادة الاعتبار لمفهوم العمل باعتباره عبادة تُبنى بها الحضارات، وتُحفظ بها الكرامة الإنسانية، وتُواجه بها آفات الفقر والجوع.
عمرو الورداني: مفهوم العمل تعرض للاختزال والاحتلال.. وده سبب اختلال في وعينا
وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن مفهوم العمل تعرّض لظلم كبير في وعينا الجمعي، إما عن طريق الاختزال أو الاحتلال، وده اللي أدى إلى الاختلال في فهمه وتقديره.
وأضاف: "الناس اختزلت العمل في مجرد وسيلة للكسب وتحقيق المال، وناس تانية حاصرته في إطار ضيق جدًا، وربطته فقط بالأعمال ذات المرجعية الدينية زي التبرعات والصدقات، وبالتالي ضيّقنا المعنى واتحول العمل من قيمة إنسانية إلى أداة تنافس مادي فقط".
وأكد أن العمل مفهوم شريف ومقدس، عظّمه الله عز وجل، وجعله مفتاحًا من مفاتيح الحضرة الإلهية، بل وجزءًا من هوية الإنسان، موضحا: "العمل لما يتمكن من الإنسان، بيخليه مختلف، بيخليه راجل حقيقي، لأنه مش بس بيشتغل، لكن فاهم إن العمل صلة بين الأرض والسماء، وبينه وبين ربنا".
وتابع: "العمل مش مرتبط بس بعيد العمال، إحنا محتاجين نعيد تموضعه في وعي الإنسان، لأنه مرتبط ببناء الشخصية، وبالروح، وبالتزكية، وحتى بالعمران".
وأشار إلى أن الإنسان خُلق من أجل ثلاثة مقاصد: العبادة، والعمران، والتزكية، وكلهم أشكال من العمل، موضحا: "لو الإنسان فقد عمله، أو فقد وعيه بالعمل، بيتحوّل من كونه إنسان إلى مجرد شيء، لأن العمل هو اللي بيدي لحياته معنى".
وتابع: "إحنا عايزين نعيد الاعتبار للعمل باعتباره حياة، مش بس وسيلة للكسب. نحتاج نغرس في أولادنا إن العمل هو مفتاح للجنتين: جنة الدنيا، وجنة الآخرة".
الورداني: عقوق الآباء للأبناء لا يجوز شرعًا.. لكن الإحسان للوالد واجب حتى لو أساء
فيما، أكد الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن العقوق لا يقتصر فقط على الأبناء تجاه الآباء، بل قد يقع من الآباء تجاه الأبناء أيضًا، وهو أمر مرفوض شرعًا ومخالف لأدب الإسلام، موضحًا أن إيذاء الوالد لابنه نفسيًا أو لفظيًا، كأن يقول له "أنت ميت بالنسبالي" أو "أنا أخدت عزاءك"، يُعد نوعًا من أنواع الظلم وكسر الخاطر المحرم.
وأضاف الورداني، أن حكم الشرع واضح: لا يجوز أن يهين الأب ابنه أو يكسر نفسه، لأن "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، حتى ولو كان الابن، مؤكدًا أن عرض الابن ليس مباحًا للأب، ولا يحق له أن يظلمه أو يهينه تحت أي مبرر.
وشدد الورداني على أن واجب الابن يبقى كما هو، بالإحسان إلى أبيه مهما بدر منه، مستشهدًا بقول الله تعالى: "وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا"، موضحًا أن حتى في أشد حالات الظلم، يبقى البر مطلوبًا والصحبة بالمعروف واجبة.
ودعا الأبناء إلى الصبر والإحسان، مشيرًا إلى أن المعاملة الطيبة قد تكون بابًا لإصلاح العلاقة وتهدئة النفوس، قائلًا: "الولد يدفع الأذى بالإحسان.. وده باب من أبواب رضا الله والإصلاح".


