زيارة البابا تواضروس.. رعوية بروح التجديد
تابعت عن كثب الزيارة الرعوية المهمة التي أجراها قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، لإيبارشية وسط أوروبا.
لم تكن هذه الزيارة مجرد رحلة رعوية تفقدية عادية، بل كانت ذات طابع روحي وإنساني خاص، وتحمل في طياتها دلالات عميقة قد تمتد آثارها لسنوات طويلة.جاءت هذه الزيارة قبل أيام قليلة من انعقاد جلسات المجمع المقدس للأساقفة، وهي جلسات تحمل أهمية خاصة، لا سيما وأنها تُعقد للمرة الأولى بعد إلغاء سينودس شهر نوفمبر الماضي.
وخلال زيارته، حرص البابا تواضروس على الالتقاء بشعبه، منصتًا إليهم، مفكرًا في كيفية إدارة شؤون الكنيسة في ظل التغيرات العصرية.لقد تغيّرت إدارة الكنيسة كثيرًا في السنوات الأخيرة، خاصة مع دخولنا عصر التكنولوجيا الحديثة وانتشار الكرازة في مختلف بقاع الأرض.
ولهذا كانت لقاءات البابا مع الشباب تركز على احتضانهم ودمجهم في كنيستهم، وتحفيزهم ليكونوا طاقة إيجابية تدفع الكنيسة إلى الأمام، مع الحفاظ على هويتها القبطية الأرثوذكسية، ولكن بروح معاصرة تواكب الزمن، كما أن هذه الزيارة تأتي قبيل سيامة عدد من الآباء الأساقفة الجدد للخدمة في عدة أبرشيات مثل دير مواس، جنوب المانيا، والبحيرة.
وهي مهمة شاقة وصعبة، يشفق قلبي الصغير على البابا الكبير في عظمته ومحبته وأبوته، الذي يحمل على عاتقه مسؤولية اختيار الأصلح لقيادة هذه الأبرشيات، لما يتطلبه الأمر من حكمة ومحبة وروح تمييز روحي.
اللافت أن البابا خلال زيارته لم يكتفِ بالتأمل الشخصي، بل ذهب ليستمع إلى الشعب، وينصت إليهم بعناية، حتى يتدبر الأمر بروية عند اختيار الأساقفة الجدد.وهنا أستعيد ذكرى حكمة قداسة البابا تواضروس الثاني عندما اختار نيافة الأنبا سيداروس، الأسقف العام، لخدمة منطقة كنائس عزبة النخل والمرج، وهي منطقة تقع في ضواحي القاهرة، وكانت مهمشة، وبعيدة عن الرعاية والخدمة، ولكنها كانت في قلب وعقل البابا تواضروس.
لقد اختاره من بين مئات الرهبان، ومن قلب الصحراء، ليقود هذه الأبرشية الناشئة ويعيد الحياة الروحية فيها رغم كل التحديات والعقبات.لقد واجه الأنبا سيداروس منذ بداية خدمته الكثير من الصعوبات، سواء من بعض الخدام أو المخدومين، أو من العثرات التي لم تتوقف، ولكنه قرر أن يسير في درب سيده، حاملًا صليبه في منطقة مكتظة بالسكان، فنجح في إعادة المسيح إلى قلوب الجميع.عندما تزور مقر إقامته في كنيسة السيدة العذراء بعزبة النخل، تجد الأب الأسقف جالسًا وسط شعبه، يحنو عليهم، يستمع إليهم، يحل مشاكلهم، يصلي معهم ومن أجلهم، وقد كرّس حياته بالكامل لخدمتهم، كما أوصاه أبوه الروحي، قداسة البابا تواضروس الثاني.ونجح الأنبا سيداروس أيضًا في بناء جسور تواصل فعالة مع مؤسسات الدولة، بفضل صدقه وأمانته وإخلاصه لوطنه وكنيسته وشعبه.
ولهذا أصبحت كلمته مسموعة بين الجميع، ونال محبة الناس كبارًا وصغارًا، رغم ما تعرّض له من ضيقات ومحاربات من عدو الخير.
وأعلم أن مهمة اختيار الأساقفة الجدد ليست سهلة على قداسة البابا، خاصة بعد أن بات الشعب يطالب بسيامة أساقفة يسيرون على نهج الأنبا سيداروس.
ولكنني واثق أن يد الله سترشده وتعينه على اختيار الأفضل لرعاية الكنيسة والشعب.


