الدين معاملة وليس شعائر ومظاهر
كثيرًا ما نخطئ أحيانا حين نختزل الدين في مجموعة من الشعائر الظاهرة، كالصلاة، والصيام، والحج، ونتناسى أن الدين الحقيقي ما يظهر في تعاملات الإنسان اليومية مع الناس في صدقه وأمانته، في رحمته وعدله في حفظه للحقوق وصونه للأمانات.
يقول بعض السلف: لا تُعرف أخلاق الناس في صلاتهم وصيامهم، بل تُعرف عند الدرهم والدينار، وعند المخاصمة، وعند الغضب.. وهذا قول صادق فكم من مُصلٍّ حسن المظهر يخدع ويغش في البيع والشراء؟ وكم من صائم لا يدع قول الزور والعمل به؟
الدين الحقيقي يظهر حين يُختبر الإنسان، لا حين يؤدي الشعائر.. يظهر في الأسواق حيث يغلب الطمع وتكثر الفتن ويظهر عند المصاهرة حين يُكرم الرجل زوجته ويصونها أو يُهينها ويُضيّع حقها، ويظهر في السفر حين تسقط الأقنعة، وتتكشف الطباع على حقيقتها ويظهر في مراقبة الله في الخلوات حين لا يراك أحد إلا الله.
كما يظهر الدين في بر الوالدين وصلة الأرحام والعفو عن الناس والتواضع والرحمة بالفقراء والضعفاء.. هذه هي الموازين التي بها يُوزن التدين الحقيقي.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فجعل الغاية من بعثته ترسيخ الأخلاق، لا مجرد أداء الطقوس، بل قال: "أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا"
ولذلك، ليس كل من صلى وصام تقيًا، فالله سبحانه وتعالى قال: "أرأيت الذي يُكذّب بالدين؟ فذلك الذي يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، فقرن التكذيب بالدين بالتقصير في المعاملة.
إن الدين ليس مجرد عبادة بين العبد وربه بل علاقة بين العبد والناس.. فإن كانت عبادتك لا تنهى عن الفحشاء والمنكر ولا تظهر في سلوكك فهي ناقصة وتحتاج إلى مراجعة.. فالدين في جوهره معاملة بحرفية، بعدل، برحمة، وبأخلاق عالية، حتى أن ظلم العبد لأخيه المسلم لا يغفرها الله إلا إذا تحرر منها الظالم وطلب السماح من المظلوم والعزم الصادق على رد المظلمة إلى صاحبها، أما الذنب والخطيئة التي تتعلق بالتقصير في طاعة الله فمجرد توبة العبد الصادقة يغفرها الله له.


