حلم ولا تُقل
في يوم من الأيام، كان فيه ولد صغير بيقف على سور البلكونة ويبص للنجوم… كان كل ما حد يسأله "نفسك تطلع إيه لما تكبر؟"، كان يرد بحماس: "عايز أبقى كبير… ناجح… مختلف". كان بيحلم حلم كبير، وأكبر من سنه بكتير.
كبر الولد… الحلم كبر معاه. وبقى شايفه في كل تفصيلة من يومه… في مذاكرته، في تعبه، في سهره، في المحاولات اللي بيحاولها لوحده… في اللحظات اللي كان فيها نفسه يعيط، بس كان بيقوم يقول "ماينفعش… أنا عندي حلم".
بس في لحظة ما… بعد سنين من الجري، ومن المحاولات، ومن التنازلات… الحلم ما بقاش حلم. الحلم بقى عبء.
بقى بيصحى الصبح، مش علشان متحمس يحققه، لكن علشان خايف يفشل فيه. بقى يشتغل كتير مش لأنه بيحب ده، لكن لأنه مش قادر يتقبل إنه "مايوصلش". بقى شايف إن قيمته كلها مربوطة بحاجة لسه ما حصلتش!.. وبدل ما الحلم يبقى نور، بقى زي سلسلة في رجليه كل يوم.
وأنا قاعد من كام يوم على السرير بالليل، سألت نفسي سؤال مخيف جدًا: "هل أنا فعلًا لسه بحب حلمي؟ ولا أنا بس مش عايز أكون حاسس بخيبة أمل؟" ولقيتني ساكت… ومرعوب من الإجابة.
فيه فرق كبير بين إنك تسعى لحاجة بتحبها، وبين إنك تفضل تجري ورا حاجة علشان بس تثبت لنفسك والناس إنك مش فاشل. فيه فرق كبير بين إن الحلم يكون طوق نجاة، وإنه يتحول لسجن محكم مبني من توقعات، من ضغط، ومن وهم المثالية.
اللي محدش بيقوله لنا، إن أحيانًا الحلم نفسه بيتغير!..، وأحيانًا الحاجة اللي كنت بتحلم بيها زمان، ممكن ماتبقاش مناسبة ليك دلوقتي، وأحيانًا كمان، بتكتشف إنك كنت بتحلم بحاجة علشان تهرب، مش علشان تبني.
بس مين فينا عنده الشجاعة يقول: "أنا تعبت… وأنا محتاج أراجع الحلم ده من أول وجديد"؟ مين فينا يقدر يعترف إن فيه أحلام محتاجة تتفك، أو تتساب، وتتنسي، علشان نقدر نعيش؟ وده على فكرة مش استسلام… لكن نضج.
الوجع مش إنك تغيّر حلمك. الوجع الحقيقي إنك تفضل عايش على حلم مابقاش يشبهك، بس علشان شكلك قدام نفسك يفضل متماسك. والصعب إنك تتعلم إن قيمتك مش في وصولك، لكن في حضورك، في نيتك، في تعبك بصورة مشرفة، في إنك إنسان بيجرب، بيغلط، ولما بيقع بيقوم من تاني.
النهاردة، لو تعبت من حلمك… خده على جنب واتكلم معاه. اسأله: "أنت لسه شبهي؟ لسه بيسعدني التفكير فيك؟ ولا بقيت بتخنقني؟".. ولو لقيت إنك محتاج تبني حلم جديد… إبني.
ما تخليش حلمك يبقى سجن... ولا تخلي النجاح يمحيك من جواك. لأنك أهم من أي حاجة كنت عايز توصلها… وأجمل حاجة فيك إنك بتتغير، وبتتعلم، وبتسمح لنفسك تبدأ من جديد مهما وقعت.


