الأحد 07 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

الجنازة حارة والميت لجنة

الخميس 22/مايو/2025 - 04:25 م

في رحاب نقابة الصحفيين التي كان يُفترض أن تُعلي راية الحقيقة، وتُحصِّن كرامة المهنة، لا أن تتحول إلى ساحة للكمائن الصغيرة والصراعات المبتذلة، اشتعلت معركة لا تشبه شيئًا من هموم الصحفيين، بل تُشبه عوادم السياسة، وضيق الأفق، وعُقد السلطة.

المسرح هذه المرة لم يكن ميدان التحرير، ولا قاعة برلمان، بل كان ما يُفترض أنه أبسط أدوات العمل النقابي وأكثرها فنيّة: اللجنة.
ليست لجنة واحدة، بل مجموعة لجان انقلبت على غايتها، وتحوّلت من وسيلة للبناء إلى ساحة للتناحر،
وكأن الجنازة حارة والميت لجنة.
خاض الصحفيون معركة انتخابات التجديد النصفي بكل ما فيها من زخم، بشغف العودة إلى النقابة كبيت جامع لا كجدار للفرقة.

ظنّوا، أو لعلهم تمنّوا، أن تكون النتيجة بداية لعصر مختلف، يعيد النقابة إلى قلب مشهدها الطبيعي: مدافعةً عن الحقوق، راعيةً للمهنة، صادحة ببرامج تعالج ثقوب البدلة الصحفية. 
ما إن انتهت الانتخابات حتى بدأت المعارك الحقيقية بين أعضاء المجلس أنفسهم، شيوخهم بشبابهم وحديثهم بقديمهم. 
عضو يغير موقعه، فتتبدل خرائط الولاء، ميزان القوى ينقلب لا بحساب المصلحة العامة، بل بمكر التكتلات والانشقاقات، ستةٌ مقابل ستة، ثم ثمانيةٌ ضد خمسة، ثم لا أحد ضد أحد، بل الجميع ضد الجوهر. 
صفحات فيسبوك تتحول إلى ساحات لتصفية الحساب، والبيانات تُطلق كطلقات طائشة لا تجرح خصمًا بقدر ما تنحر صورة العمل النقابي في وجدان الصحفيين.
أيّ عبثٍ هذا الذي يجعل من تشكيل لجنة، لا تزيد عن كونها أداة تنفيذية، ميدانًا لحروب المواقع؟ أيّ خفّة تُدار بها النقابة؟ حتى يبدو فيها التوافق مهمة مستحيلة، والتباين سببًا للفُرقة، لا للثراء؟.
العجب كل العجب، أن ترى بعض الأعضاء – ممن ظنّ الناس فيهم حكمة وتجردًا – وقد تشبّثوا بلجان بعينها، وكأنما هي حقٌ مقدّس أو غنيمة لا يجوز التفريط فيها. 
لجانٌ يُروَّج لها في الكواليس كما لو كانت مناجم نفوذ، تُمنح للأقرب فكرًا أو عهدًا، بينما تُطرح لجانٌ أخرى – لا تقل أهمية – على باقي الأعضاء وكأنها "كُخّة"، لا يُرجى منها نفع ولا تُدرّ مكسبًا، وكأننا بصدد بورصة مناصب لا منظومة عمل!
فهل هذا هو التصوّر الحقيقي لبعض أعضاء المجلس عن العمل النقابي؟ أن يُقاس بالسطوة لا بالمسؤولية، وبالعائد لا بالعطاء؟
أي مفارقة مؤلمة أن تتحول أدوات خدمة الصحفيين إلى سلّمٍ للتفاضل، ومعايير الخدمة إلى معادلة للترضيات والصفقات.

إن اللجان، في جوهرها، ليست مغانم، ولا كراسي للمباهاة، بل أدوات لخدمة مهنة تنزف، أدوات لإنقاذ ما تبقى من فرص تدريب، ومن عدالة في توزيع الموارد، ومن صوت حر لا يُكتم.
لكن حين تُختزل الوظيفة في التمثيل، والمهمة في الترضية، يغدو الانشغال باللجنة ضربًا من الجهل الوظيفي والانتحار المؤسسي.
لسنا بحاجة إلى وجوهٍ تجلس على مقاعد المجلس لتخوض معارك جانبية، أو تنفث مراراتها في منشورات فاشلة، هي للأسف رصيدها الوحيد طوال فترة خدمتها النقابية. 
لسنا بحاجة إلى “مُعارضين” بملامح نقابية، ولا إلى “ممثّلين” لا يتقنون إلا تمثيل دور الضحية.
نحن بحاجة إلى من يعيد الهيبة للمهنة، من يُدرك أن معركة الصحافة لم تعد على الورق، بل في كل مساحة تتآكل من استقلالها، وكرامتها، ومستقبل أبنائها.
نريد مجلسًا لا ينشغل بـ"لجنة" بل ينهمك في سؤال: كيف نُنقذ الجيل القادم من فقدان الإيمان بالمهنة؟ كيف نُحصّن الحريات الباقية؟ 
يبدو أن الصراع على لجنة واحدة قادر على فضح هشاشة البُنية، وضآلة الرؤية، وعجز بعض من ظنّوا أنفسهم كبارًا عن إدراك جوهر العمل العام.
فإن لم تُعد النقابة تعريفها لنفسها، فقد تفقد آخر ما تبقى لها من معنى.

تابع مواقعنا