آية في الصبر
أنا معرفش إنسان مر على الدنيا بدون ما يكون في حياته أيام متعكرة كان الاكتئاب هو اللي مسيطر فيها عليه!.. من أول الأنبياء لحد أبسط الناس الكل مر بكده.. الحياة الرغدة السهلة المنعشة اللذيذة دي موجودة في أفلام الكارتون بس لكن لما نتكلم عن البشر اللي من لحم ودم وعايشين على الأرض هتكون حياتهم عبارة عن مطبات نفسية يوم فوق ويوم ويمكن أكتر تحت!
المواقف الصعبة هي النار اللي بيستوي الإنسان تحت شعلتها نفسيًا، وإنسانيًا، وبتزيد صلابته وقدرته على التحمل بعدها.. زيه زي أي أكلة حلوة مش بتبان حلاوتها غير لما تمر على مرحلة التسوية فوق النار سواء هادية أو مشعللة.. عشان كده بتعرف معدن الشخص الفلاني صح لما بتعرف إنه مر بمواقف صعبة وتصرفه تجاهها كان عامل إزاي.. هل نخ واستسلم وسلّم النِمر، ولا وقف وقاوم وحط راسه براسها لحد ما غلبها؟
من القصص المُلهمة اللي تفاصيلها بتتكلم عن المعنى ده قصة آية أنور البنت المصرية اللي في أول العشرينات من عمرها.. في 2018 ولما كانت عندها 18 سنة والدها اتوفى فجأة!.. اتوفى وساب زوجة عندها ظروف صحية صعبة شوية وولدين صغيرين غير آية.. الأب -الله يرحمه- كان عنده محل إيجار في الزمالك بيبيع فيه فاكهة.. بس لما اتوفى كانت رفوف المحل فاضية وعليها تراب ورصيده في البنك 50 جنيه بس وعليه ديون بـ 100 ألف جنيه!
الوضع رخم وفيه ديون محتاجة تتسدد.. هنا حست الأسرة الصغيرة إن حياتهم في مرحلتها الأخيرة.. بصة صغيرة على الحال وقتها هتحس أنت كقاريء إنهم انتهوا.. حط نفسك مكان الوالدة اللي ظروفها الصحية كانت عائق إنها تعمل أي مجهود.. أو حط نفسك مكان آية البنت المتدلعة اللي والدها ماكنش حارمها من حاجة وفجأة لقت ده كله اختفى.. أو حتى حط نفسك مكان الولدين الصغيرين اللي مش فاهمين إيه اللي بيحصل حوالينا ومش قادرين يستوعبوا غير إن حياتنا اتغيرت للأسوأ!.. وضع صعب محدش يقدر يتخيل نفسه مكانهم فيه.. وطبعًا كل ده كوم، ومطاردة الناس اللي ليهم فلوس كوم تاني خالص.
هنا وبعد ما فات 3 شهور كاملين من الضغط المتواصل والحال اللي بينهار يوم بعد التاني قررت آية تنزل تفتح محل والدها وتشتغل فيه بطولها ولوحدها.. لأ لحظة!.. هو إنتي عندك خبرة؟.. لأ.. طب خلي حد من إخواتك يساعدك؟.. لأ هما لسه صغيرين وعندهم مذاكرة.. طب هاتي عامل يساعدك!.. برضه لأ عشان مفيش فلوس تتدفع له كمرتب.. ماكانتش بتعرف تتعامل مع الناس، وبتتكسف!.. اتنصب عليها!.. أخدت فترة الدنيا ملطشة معاها يمين وشمال من كل اتجاه بس لما كانت بترجع البيت وتفتكر إن فيه فواتير شهرية محتاجة تتدفع للبيت وللمحل، وفيه مصاريف تعليم أخّين غير تعليمها + مصاريف الأكل والشرب والاحتياجات اليومية كانت بتقف على رجليها وتنزل تعافر وتكمل تخبيط ولا أجدعها راجل.. والنهاردة؟.. آية سددت ديون والدها من وقفتها في المحل، واتخرجت من كلية التجارة قسم محاسبة والتمويل جامعة عين شمس وكانت بتجيب تقدير ثابت في الـ 4 سنين هو جيد جدًا.
كمان إخواتها الاتنين واحد دخل هندسة، والتاني دخل حقوق.. لو حصل إن آية استسلمت لحظة واحدة بس قدام أي شيء كانت شايفاه صعب كانت حياة الأسرة دي اتدمرت.. لكنها بثباتها وبقوتها وبجدعنتها زي أي سيدة أو بنت مصرية قدرت تتجاوز كل ده وتحس بقيمة النجاح وطعمه.. ليه؟.. عشان شافت الصعب بعينيها، وعشان شافت قوتها كمان بتتولد من عز لحظة الضعف.
محدش حياته خالية من صعوبات، ومفيش صعب بيستمر للأبد، ومش هتحس بطعم العوض غير لما تدوق قبله مرارة الخذلان.. فيه جملة بتقول: الأشياء تُدرك بأضدادها.. يعني هتعرف قيمة الشيء الكويس إلا لما تشوف عكسه الأول.. قبل ما توصل هتضيع، وقبل ما تطمئن هتخاف، وقبل ما تقف هتقع، وقبل ما تتجبر هتتكسر، وقبل ما تتأكد هتشك.. إنك تتكسر النهارده، مش معناه إنك مش هتتبني بكرة بشكل أقوى وأجمل!.. في لحظة الوجع مش شرط نفهم ليه حصل اللي حصل، بس غالبًا بعدين هنشكر ربنا إنه حصل.


