السبت 06 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

منابر الوعي في خطر

السبت 24/مايو/2025 - 10:21 ص

وضعت الدولة رؤيتها للتنمية المستدامة 2030، كذلك وضعت استراتيجيات طموحة في غالبية القطاعات، المفترض أن تكون خريطة وبوصلة المسؤولين المنوط بهم تحقيقها، مع توالي الحكومات، أو تغيير المعنيين بالتنفيذ.

 لكن للأسف الشديد، مع كل تعديل وزاري أو حكومي، ينتهج هؤلاء الجدد سياسة مغايرة، وهذا حدث في وزارة التربية والتعليم الفني على سبيل المثال، بل وكل القطاعات الحكومية، فالمسؤول الجديد يسير بأستيكة على خطى سابقه، وكأنه يريد أن يخترع العجلة من جديد.

وأشعر بالأسى أن تكون تصريحات المسؤول مهما كان موقعه، أنه سيبدأ بإعادة الهيكلة للتطوير، والتصحيح، وإعادة البوصلة إلى الاتجاه الصحيح، ليشعر المواطن بالتغيير، ويدرك أن اهتمامنا منوط برعايته، وإيصال الخدمة إليه، ويدلي بتصريحات وردية كبيرة، وكأن الحياة كانت متوقفة قبل قدومه، ونسي أن هناك خطة واستراتيجية يجب استكمالها لتحقيق معدل إنجاز متفق عليه.

فموضوع الإيجارات القديمة رمى بظلاله على وزارة الثقافة على سبيل المثال، وانتشرت معلومات عن قيام الوزارة بغلق عدد كبير من قصور وبيوت الثقافة، بدعوى أن غالبية تلك الأماكن مؤجرة، ويجب تسليمها طبقًا لحكم المحكمة الدستورية لعقود الإيجار القديم، والبعض الآخر مغلق بالفعل ولا يقوم بدوره لأسباب عديدة، وأن هناك لجنة من الوزارة رأت أن الغلق أنسب من إعادة الهيكلة، وأن فتح قصور جديدة هي خطة أساسية الوزارة في الفترة القادمة.

بالنظر إلى عدد بيوت وقصور الثقافة المراد إغلاقها، وأن أحد مبررات الوزارة أنها لا تعمل، برغم أن بها موظفين يتقاضون مرتباتهم، والسؤال الأهم لمعالي الوزير: لماذا توقفوا عن العمل، بل ولماذا تقاعست الوزارة عن تطويرها لتقوم تلك الدور بدورها؟

بل وأين الرقابة والمتابعة والمحاسبة عن خطة الإنجاز؟

فمنذ الإعلان عن الغلق والصدمة أصابت الجموع من المثقفين والمهتمين بحركة التنوير في وطن يسعى ليضيء شمعة تبصر المواطنين.

في قريتنا كنا نتمنى أن يكون لدينا حجرة 20 مترا لتكون مكتبة تغذي العقول وتمحو الجهل، لم نطمع في قصر ثقافة، بل مكان تشع منه المعرفة ويتألف فيه القرناء لتكبر شجرة المعرفة والحوار لنبني وطننا، ولأننا مؤمنون أنها خطوة يتبعها خطوات أفضل.

فغلق قصور الثقافة يعتبر جريمة في حق المجتمع، ويجب على الدولة أن تنتبه لخطورة غلق مراكز الوعي والتنوير، فمبررات الوزارة ليست منطقية، إنما تتخذها ذريعة للهروب من مسؤولياتها.

وقد اطلعت على تطمينات رئيس الهيئة، أو الوزير، لكنني لن أثق في مسؤول يبدأ حديثه بضرورة إعادة الهيكلة والتطوير، وأننا سنضع خطة خمسية لتفعيل تلك القصور للقيام بدورها، فكل تلك الجمل الدبلوماسية لا تغني ولا تسمن من جوع، وإن كان هناك تقصير متواصل من السابقين فيجب أن يُحاسَبوا على تقاعسهم وتخاذلهم.

نحن في أمس الحاجة إلى زيادة تلك البيوت في كل ربوع مصر، وتتكامل مع الوزارات المعنية لتكون المكان الأنسب لخلق التوعية في كل المجالات، وتكون مركزًا يجتمع فيه أهالي كل منطقة، وطبقًا لجغرافيتها وخصوصيتها، لتكون مركزًا لتعليم الحرف اليدوية، والتراثية، والشعبية، وللحفاظ على الهوية المصرية، وترسيخ الوعي، ناهيك عن اكتشاف ورعاية المواهب وإقامة المسابقات الأدبية والشعرية، وإقامة ندوات التوعية السياسية، ولتكون مراكز لتوعية المرأة والفتيات والشباب بعد توغل الذكاء الاصطناعي وانتشار التحرش وغيرها من الأمور التي تنير بصيرتهم وتوعيهم، ومركزًا لتعليم الحياكة والتريكو وكل ما يساعد المرأة المعيلة، وكثير من المجالات التي تضيف للمجتمع قوة جديدة، فتلك البيوت تستطيع أن تكون قوة مصر الحقيقية.

فبدلًا من زيادتها، ووصولها إلى كل الأحياء والمدن والقرى، سنقوم بالغلق بدعاوى واهية.

أيها السادة المحترمون، مبرر ضعف التفاعل المجتمعي دليل على فشلكم في التطوير والإدارة واستهداف الأمور التي تجذب كل منطقة، واختيار المواضيع التي يصغي لها.

لقد شرفت بالاستضافة في قصر ثقافة الزاوية الحمراء في ندوة عن التحرش الجنسي، وكانت القاعة عن آخرها من بناتنا وأمهاتنا، وقد شكرونا على الاستفادة العائدة عليهم من خلال اللقاء. نحن في حاجة إلى زيادة جرعة الوعي، وفي حاجة إلى موظفين ليسوا كسالى، وفي حاجة إلى أن تتناغم كل الجهات لتوصيل رسالتها من الدعم لأهالينا.

المجلس القومي للأمومة والطفولة، والمجلس القومي للمرأة، وكل المجالس والجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، يجب أن تكون تلك القصور لهم منابر لتوظيفها في توصيل رسالتهم الداعمة للمعرفة والتعلم وتنمية المجتمع بكل صوره وأشكاله.

الحل سيدي الوزير ليس أبدًا في الإغلاق، الحل في التطوير والاستدامة، والرقابة، والمحاسبة للمقصرين، الحل في التوسع في الدور المنوط بها دور الثقافة، الحل في أن تعمل الجهات الحكومية في حالة من التناغم والتواصل لخدمة المجتمع، فتلك خدمة عامة يجب أن تصل لجموع المواطنين، ودوركم ليس البحث عن المكاسب المادية، أو التوقف بسبب قلة الموارد المالية، نحن نبني أمة، وتلك منابرها.

وعليكم أن تراجعوا أنفسكم، أن الغلق بدعوى عدم الفاعلية هو تقصير منكم وتخاذل، وليس بسبب المواطنين.

كانت متعتي وأنا جالس في المكتبة العامة، قضيت فيها أسعد أوقاتي، وما زلت مواظبًا على حضور الحفلات في المسرح، والندوات المختلفة، والمعارض، وسعادتي تكبر عندما أرى الشباب الصغير في تلك اللقاءات. وقتها كتبت أن هذا الشعب لن ينكسر، فمصر ولادة طالما فيها هذا النشء الذي يعلم يقينًا معنى المعرفة، والهوية، والمواطنة، وأهمية الثقافة والتعليم، والأهم الانتماء والولاء لوطن يعيش فينا.

تابع مواقعنا