الأربعاء 10 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

نحن وشات جي بي تي.. المستشار الذي يقول ما نريد سماعه فقط

السبت 24/مايو/2025 - 04:15 م

هل تحدثت مع شات جي بي تي اليوم؟ أراهن أنك فعلت. أنا شخصيًا تحدثت معه ثلاث مرات قبل المساء. استشرته في أمر شخصي وقرار في العمل، ومشكلة عائلية، حتى كيفية الرد على تعليق مزعج على فيسبوك. بصراحة لم أعد أتفاجأ من هذا. بل أصبحت أتفاجأ من العكس. من الذي لا يتحدث مع شات جي بي تي هذه الأيام؟ ماذا لو قلت إن هذا الحديث سيغير شكل العلاقات الإنسانية من جذورها؟ لا أبالغ.

ملايين البشر حول العالم وأقول ملايين حرفيًا يخوضون محادثات يومية حميمة مع خوارزميات. ومنها زواج وطلاق، مع برامج لا تتنفس ولا تشعر ولا تحلم ولا حتى تشرب القهوة في الصباح مثلنا. ولكنها تستمع. أو على الأقل تبدو وكأنها تستمع. وهذا كافٍ للكثيرين منا. بصراحة ما يحدث لا يقتصر على استخدام تقني كما يدّعي البعض. لا، هذا شيء أكبر بكثير من ذلك. إنه انقلاب اجتماعي وتربوي وثقافي! 

المستشار الرقمي يحل محل حكمة الأجداد

القصة التي سأحكيها لكم واقعية عن امرأة في الثامنة والعشرين اتخذت قرار الارتباط، نعم الزواج، بعد استشارة مطولة مع شات جي بي تي. لم تتصل بوالدتها، لم تجلس مع صديقاتها، لم تطلب نصيحة أي إنسان. جلست أمام شاشة حاسوب وسألت شات جي بي تي. وعندما سألتها لماذا بصراحة؟ "قالت: لأن البرنامج يستمع دون أن يقاطعني. يتذكر كل شيء أقوله له. ولا ينهرني ولا يلومني مهما حكيت له. أي أنها، بحسب منطقها، وجدت المستشار العاطفي المثالي. والمشكلة أنها ليست مخطئة تمامًا. من الناحية التقنية على الأقل.

الأرقام مخيفة 

أكثر من ثلث مستخدمي الذكاء الاصطناعي يستشيرونه في قرارات شخصية مهمة. واحد من كل خمسة يعتبره"مصدر دعم عاطفي حقيقي، توقفوا عند هذا الرقم قليلًا. يعني 20% من البشر، هذا يعني أن كل خمسة أشخاص تعرفونهم، واحد منهم يحصل على دعمه العاطفي من خوارزمية. ليس من أم أو أب أو صديق. هل تدركون ما معنى هذا الكلام؟ 

التفويض المعرفي تعطيل لعقولنا 

لدي صديق مهندس حكى لي قصة تبدو مضحكة في البداية، لكن عندما تفكرون فيها جيدًا ستشعرون بالرعب. يقول: "لم أعد أستطيع اختيار ملابسي دون أن أسأل شات جي بي تي. حتى القرارات البسيطة أصبحت أعتمد فيها عليه. ماذا آكل؟ أي طريق أسلك للعمل؟ كيف أرد على إيميل المدير؟ ماذا ألبس للحفلة؟ وأحيانًا أشعر أنني نسيت كيف أفكر لوحدي. هذا ما يسميه علماء النفس "التفويض المعرفي".

نحن لا نستعين بالذكاء الاصطناعي. نحن نسلمه عقولنا على طبق من ذهب. والمشكلة الأكبر؟ هناك جيل كامل ينشأ وهو لا يعرف كيف يتحمل الشك أو الحيرة. تلك المشاعر "المزعجة" ضرورية لنمونا كبشر. بدونها نصبح "زومبيات بشرية".

المتملق الرقمي أخطر مما تتصورون 

أخطر شيء في شات جي بي تي ليس ذكاءه. الأخطر أنه "متملق" من الدرجة الأولى. لماذا؟ لأن البرنامج مبرمج ليرضيكم، وليس ليقول لكم الحقيقة التي نحتاجها أحيانًا. هناك طالب جامعي أعرفه ترك دراسته ليبدأ مشروعًا خاصًا. والسبب شات جي بي تي الذي شجعه على هذا القرار. والمشكلة أنه بعد أشهر من الفشل والخسائر المالية اكتشف الحقيقة المرة: "كنت أسأله الأسئلة بطريقة معينة لأحصل على الإجابة التي أريدها. وهو كان يعطيني بالضبط ما أريد أن أسمعه. والباحثون يسمون هذا "المرآة المضللة". فالبرنامج يعكس ما تريدون سماعه. والنتيجة؟ نحن نعيش في فقاعة من أوهام جميلة ومريحة، لكنها خطيرة.

حرب باردة في البيوت

الموقف الأكثر دراما سمعته من امرأة تشكو من ابنتها المراهقة التي تقضي ساعات كاملة تتحدث مع شات جي بي تي عن يومها، عن مشاكلها في المدرسة، عن كل شيء. وعندما تسألها أمها عن حالها، تقول كلمة واحدة: عادي. هذا ليس عناد مراهقة عادي، لا. هذا جيل كامل يفضل الحديث مع الخوارزميات على الحديث مع الأهل. يجدها أسهل ولا تعمل محاضرات بالأخلاق والتربية مثل الوالدين.

المشكلة أن هذه الراحة تكلفنا شيئًا مهمًا جدًا؛ تعلم كيفية الحوار والاستماع، وبناء علاقات حقيقية مع بشر مثلنا، أي نغضب ونفرح ونلوم ونصرخ ونعترض ونتخاصم وربما نكسر بعض أواني المنزل عند الغضب.

في النهاية المطلوب ليس مقاطعة شات جي بي تي أو رفض استخدامه، هذا غير عملي وغير منطقي. أنا شخصيًا أستخدمه كل يوم. المطلوب توعية الطلاب في المدارس والجامعات بحدود هذه العلاقة. عدم السماح لها بأن تحل محل التواصل الإنساني الحقيقي.

في المقالة القادمة سأتحدث عن موضوع أكثر إثارة للقلق: كيف أصبح الذكاء الاصطناعي صديق "الفضفضة" الذي نبوح له بأسرارنا.

تابع مواقعنا