السيد سعيد.. الصوت اللامع و«ملك القرار»
صوت فطري اجتمعت فيه كل مقومات الجاذبية والإبهار، يسيطر على أذنك من الاستعاذة وحتى التصديق، وكأن به آلة موسيقية تسيطر على مشاعرك لما تفوح به من شجن ونغم.
على تنوع الألقاب التي حظي بها الشيخ سيد سعيد والتي من أشهرها "سلطان القراء"، إلا هناك لقبًا قد يكون هو الأجدر به من بين القراء الحاليين غير الإذاعيين، وهو "ملك القرار"، فالصوت البشري يتكون من طبقتين رئيسيتين إحداهما هادئة تمهيدية وتسمى "القرار"، والأخرى حادة مليئة بالحيوية تسمى "الجواب".
وعلى عكس الكثير من قراء الأرياف الذين يستهدفون إبهار جمهورهم والاستحواذ على مشاعرهم من خلال طبقة الجواب -فقط-، نجد أن الشيخ سيد سعيد يبدع بل وينفرد بحصيلة نغمية من القرارات التي تعكس هيبة ورزانة واتزان وتمكن هذا الصوت الشجي والجميل بالفطرة، وخير مثال على ذلك تلاوته الأشهر على الإطلاق في سورة يوسف وأيضا في سورة المائدة.
القارئ الراحل سيد سعيد أثبت أن جمال التلاوة ليس بكثرة المقامات، وإنما بإتقان ولو جزء يسير منها، فبالرغم من أن معظم أرشيف الشيخ الراحل يكاد يقتصر على مقامات "البياتي" و"الراست" و"الحجاز" إلا أن المستمع لا يمل أبدا طوال تلاوته، والسر في ذلك أنه يستخدم كل طاقاته الإبداعية في استخدام المقام بجمله النغمية المتنوعة قرارًا وجوابًا، فتشعر معه وكأنك دخلت واحة من الجمل النغمية لا نهائية.
طريقة تلاوة الشيخ سعيد وأداؤه يشعرانك وكأنه لم يدرس علم النغم والمقامات من الأساس، وهذا إحساس شخصي لا أعلم مدى حقيقته ولكني أشعر به في جميع تلاوات "سلطان المقارئ"، فالرجل كما ذكرت يعتمد على مقامين أساسيين لكنه هرس جميع جملهما النغمية وهضمها هضمًا، بالإضافة إلى صوته الفطري وذكائه النغمي الذي لا يحتاج معه إلى هذه المحسنات التي لا فائدة منها إذا لم يكن الصوت جميلا من الأساس.
فحبكته النغمية ولمسته الخاصة في مقام كالبياتي العادي مثلًا إذا ما قرنه بالبياتي الشوري، بالإضافة إلى لمعة صوته وزهوته وبريقه الذي لا يخفت أبدا مهما طالت التلاوة وخشوعه، ونفسه الطويل الذي يصل إلى 22 كلمة في طبقة الصوت العليا، كل هذه العوامل صنعت من الشيخ سيد سعيد أسطورة خالدة عصيّة على التقليد، تقف أمامها إجلالا واحترامًا لهذا الصوت اللامع «سلطان المقارئ» و«ملك القرار».


