رئيس قطاع البعثات بالتعليم العالي: آليات لزيادة أعداد الوافدين وتعاون مرتقب مع الصين.. وخطط لمنع هجرة العقول| حوار
مع الاقتراب من نهاية العام الدراسي الجاري، تبدأ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ممثلة في قطاع الشؤون الثقافية والبعثات في الاستعدادات الخاصة بقبول الطلاب الوافدين بالجامعات المصرية، إذ تسعي مصر من خلال وضع استراتيجية متكاملة لجذب الطلاب الوافدين لها لتكون مركزًا للتعليم العالي في الشرق الأوسط.
ومن هذا المنطلق نجري حوارا مع الدكتور أيمن فريد القائم بأعمال رئيس قطاع الشؤون الثقافية والبعثات بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومساعد الوزير للتخطيط الاستراتيجي والتدريب والتأهيل لسوق العمل، والذي كشف عن خطط الوزارة لزيادة أعداد الطلاب الوافدين وموقفها من سفر الطلاب وبعثات المصريين.
وكشف فريد في حوار لـ القاهرة 24، عن خطط الوزارة للتعاون مع الجامعات الصينية، فضلا عن التوجه للقارة الإفريقية، مؤكدا أن مصر لا تقف ضد التبادل العلمي ولكن ترفض هجرة العقول.
وإلى نص الحوار..
في البداية، ما هو عدد الطلاب الوافدين في مصر حاليًا؟ وما هو العدد المستهدف لهذا العام؟
أحدث الأرقام الرسمية تشير إلى أن عدد الطلاب الوافدين في مصر بلغ نحو 30 ألف طالب، ويعد هذا الرقم تطورًا ملحوظًا مقارنة بالأعوام السابقة، في ظل جهود مستمرة لتعزيز جاذبية التعليم المصري للطلاب الدوليين.
وتستهدف وزارة التعليم العالي خلال العام الجاري تحقيق زيادات جديدة في أعداد الطلاب الوافدين، خاصة من الذين يدرسون على نفقتهم الخاصة، باعتبار ذلك مؤشرًا على الثقة في جودة التعليم بمصر، كما تسعى الوزارة لرفع جودة المنح المقدمة من خلال البرنامج المصري للمنح وتوجيهها للطلاب المتفوقين في التخصصات المهمة، بما يعزز مكانة مصر التعليمية إقليميًا ودوليًا.
ما هي أهداف مصر من التوسع في جذب الطلاب الوافدين؟
الوزارة تعمل على تعزيز صورتها التعليمية من خلال استقطاب الطلاب الذين يختارون الدراسة في مصر على نفقتهم الخاصة، وهو ما يعكس ثقة هؤلاء في المنظومة التعليمية المصرية، ونركز أيضًا على تقديم منح للطلاب المتفوقين الذين يمكنهم تمثيل مصر كسفراء للتعليم في بلدانهم، إذ تقدم مصر منحا للطلاب من خلال البرنامج المصري للمنح.
كما تهدف مصر إلى الوجود الأكاديمي في مناطق متعددة حول العالم، خاصة في إفريقيا وآسيا، عبر برامج دراسية متعددة اللغات، أبرزها الفرنسية، وكذلك من خلال الشراكات الأكاديمية مع جامعات كبرى في الهند واليابان، ما يسهم في توسيع الانتشار الدولي للتعليم المصري.
وهل هناك إقبال على المنح الدراسية للطلاب الوافدين؟ وكيف يتم توزيعها؟
شهدت المنح الدراسية المقدمة من خلال برنامج المنح المصري إقبالًا واسعًا خلال السنوات الأخيرة، رغم أن عددها انخفض نسبيًا، وذلك بهدف رفع جودتها واستهداف التخصصات ذات الأولوية، ويتم تقديم المنح من خلال منصة إلكترونية، وفقًا لمعايير واضحة تضمن أن تذهب للطلبة المستحقين.

وحاليًا، تشكل المنح الدراسية نحو 35 إلى 40% من إجمالي عدد الطلاب الوافدين في مصر، فيما يدرس الباقون على نفقتهم الخاصة وتهدف الوزارة إلى الحفاظ على هذه النسبة مستقبلًا، بحيث يكون نحو ربع الطلاب على منح، وثلاثة أرباع على تمويل ذاتي ونبحث أيضا عن الطلاب الذي يدرسون البرامج العلمية المهمة لمصر ولدولهم.
وكيف يتم الترويج الدولي للبرامج الدراسية المصرية؟
تعتمد الوزارة على عدة آليات لترويج التعليم المصري دوليًا، أبرزها الطلاب الوافدون أنفسهم الذين ينقلون تجاربهم الإيجابية لزملائهم في بلدانهم.
كما تُشارك الجامعات المصرية في معارض تعليمية دولية في فرنسا والهند والسويد وغيرها، بهدف عرض البرامج الجديدة والمتميزة.
وإلى جانب ذلك، تلعب المواقع الإلكترونية وحملات التسويق الرقمي دورًا كبيرًا، إضافة إلى الشراكات مع جامعات عالمية مرموقة مثل لويفيل وأريزونا، مما يعزز صورة مصر التعليمية على الساحة العالمية، ويجعل برامجها الأكاديمية أكثر جذبًا للطلاب من الخارج.
وكيف يتم التواصل مع العلماء المصريين في الخارج ودعمهم؟
نولي اهتمامًا كبيرًا بالعلماء المصريين في الخارج، ونعمل على تعزيز التواصل معهم عبر مبادرة "جسور" التي أطلقتها أكاديمية البحث العلمي، كما تلعب المكاتب الثقافية المصرية في الخارج دورًا رئيسيًا في التواصل مع المبعوثين والعلماء المصريين.
وإضافة إلى ذلك، تنسق الوزارة مع مراكز بحثية وهيئات تمويل علمي لتوفير فرص تعاون مشترك مع العلماء بالخارج، من خلال تنظيم برامج تبادل علمي للطلاب وأعضاء هيئة التدريس، مما يعزز من تبادل الخبرات والاحتكاك بالبيئات الأكاديمية الدولية.
والعلماء المصريين بالخارج لهم دور كبير في البرامج العلمية المختلفة التي تقدمها، كما يساهم العلماء في نقل الطلاب المصريين في رحلات علمية وبرامج دراسية بالخارج.
وما هي رؤية الوزارة للتوسع في برامج البعثات قصيرة المدى؟
تسعى الوزارة لتوسيع قاعدة المشاركين في البعثات العلمية قصيرة المدى، مثل زيارات بحثية أو تدريبية تمتد من 3 إلى 6 أشهر، بهدف تعميق الاحتكاك الدولي بين المعيدين والمدرسين المساعدين والباحثين المصريين مع الجامعات العالمية، وكذا تقدم الوزارة بعثات لدراسة الماجستير في الخارج.
وهذه البعثات تُعد فرصة للاطلاع على المعامل والمكتبات وثقافات الدول الأخرى، وتمثل نقطة انطلاق للحصول على منح ماجستير أو دكتوراه لاحقًا، وتأتي البعثات القصيرة ضمن رؤية شاملة لتوسيع قاعدة الباحثين المصريين الذين يمتلكون خبرات دولية.
وما هي التخصصات التي تركز عليها المنح الدراسية في الوقت الحالي؟
تركز المنح على التخصصات المستقبلية ذات الأولوية، مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، علوم البيانات، الطاقة، والتخصصات البينية مثل الطب والهندسة، والفيزياء والرياضيات المتقدمة، كما تولي الوزارة اهتمامًا كبيرًا ببرامج مثل التصنيع المتقدم والهندسة الطبية والزراعة الذكية.
وهذا التوجه يعكس سعي الدولة لتكوين كوادر علمية قادرة على الإسهام في تطوير العلوم والصناعة والاقتصاد، وخلق مدارس علمية مصرية متقدمة قادرة على المنافسة إقليميًا وعالميًا.
وهل مصر تشجع على التبادل العلمي من خلال سفر الطلاب أم أن هناك تخوفًا من هجرة العقول؟
تدعم الدولة المصرية مفهوم التبادل العلمي، وترى فيه ضرورة لتطوير القدرات البحثية والأكاديمية للعلماء والباحثين، وتشجع سفر العلماء للدراسة والتدريب، طالما أنهم يحافظون على علاقة مستمرة مع المؤسسات المصرية ويشاركون في مشروعات تعاون علمي.
أما هجرة العقول بمعناها السلبي، أي الانفصال الكامل عن الوطن، فهو ما تسعى الدولة لتقليله عبر توفير فرص علمية داخل مصر، من خلال افتتاح أفرع لجامعات دولية وجذب برامج أكاديمية رفيعة المستوى إلى الجامعات الحكومية والخاصة.
لدينا العديد من الطلاب المصريين بالخارج بعضهم بمناطق صراع.. هل تتابع الوزارة هؤلاء الطلاب؟
بالفعل الوزارة ترصد وتتابع الطلاب المصريين في الخارج، والوزارة لديها قاعدة بيانات للطلاب الدراسين بالخارج وتهتم بالبرامج التي يدرس بها الطلاب كما تتابع الأزمات التي يمر بها الطلاب في الخارج بما فيها أزمات دول الصراع.
وما هي خطة الوزارة لتطوير المكاتب الثقافية المصرية في الخارج؟
بالفعل نعمل على تنفيذ التوجيهات الرئاسية فيما يخص تطوير المكاتب الثقافية، وتولي الوزارة تطوير المكاتب الثقافية أولوية قصوى، بتوجيه من وزير التعليم العالي، ويجري حاليًا العمل على دمج المكاتب ضمن تكتلات إقليمية تشمل دول إفريقيا، وشرق أوروبا، وغرب أوروبا، وآسيا وأمريكا، وذلك لتوحيد الجهود وتحسين الأداء.
كما يتم تطوير أداء المستشارين الثقافيين والملحقين الإداريين، وتوسيع دور المكاتب في الترويج للتعليم المصري، وجذب الطلاب الوافدين، والتنسيق مع الجامعات الأجنبية، بما يعزز من دور المكتب الثقافي كقوة ناعمة للدولة في الخارج.
وهل هناك دول جديدة تدخل ضمن شراكات استراتيجية مع التعليم المصري؟
نعم، فمصر تسعى لفتح شراكات استراتيجية جديدة مع عدد من الدول، على غرار ما جرى مع فرنسا بحضور الرئيس الفرنسي والذي زار جامعة القاهرة، وألمانيا بحضور الرئيس الألماني الذي زار الجامعة الألمانية بالعاصمة الإدارية، وإنجلترا، مؤخرًا، زارت وفود من جامعات بريطانية مرموقة، كما تركز الوزارة على التعاون مع الجامعات الإفريقية وذلك لجذب الطلاب للدراسة في مصر لخدمة القارة وعملنا على ذلك من خلال دعم برامج اللغة الفرنسية.
هذه الشراكات تمثل جسورًا ممتدة بين التعليم المصري ونظيره العالمي، وتُسهم في نقل برامج أكاديمية حديثة إلى مصر، إضافة إلى فرص تبادل طلابي وأكاديمي، مما يعزز من التدويل الحقيقي لمنظومة التعليم العالي المصري.
وهناك اتجاه الفترة المقبلة للتعاون مع الدول الأسيوية، وعلى رأسها الصين، إذ نعمل الآن على إعداد شراكة كبرى في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي بجهود من الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي الذي يخطط أن تكون مصر مركز عالمي للتعليم العالي في الشرق الأوسط، لذا بعد فرنسا وبريطانيا وألمانيا هناك تعاون مرتقب مع الصين، إذ سيتم توقيع بروتوكولات تعاون قريبا.
تحدثت قبل ذلك عن مراكز التوظيف الجامعية.. ما هو المستهدف خلال المرحلة المقبلة؟
نحن نعمل حاليًا على توسيع نطاق مراكز التوظيف لتغطي أكبر عدد ممكن من الجامعات الحكومية إذ بلغ عددها بلغ نحو 39 مركزًا حاليًا، وبدأنا أيضًا في تنفيذ الخطة داخل الجامعات الأهلية والتكنولوجية، المستهدف ليس فقط زيادة العدد، بل أن تكون هذه المراكز فاعلة وقادرة على ربط الطلاب بسوق العمل وتأهيلهم مهنيًا بما يتناسب مع احتياجاته.
وفلسفة مراكز التوظيف لا تقوم على التوظيف المباشر، وإنما على تأهيل الطالب وتدريبه على المهارات المطلوبة في سوق العمل، وتعريفه بالفرص المتاحة، وبناء شبكة علاقاته المهنية، هي مراكز تهدف إلى بناء قدرات الطالب المهنية، وتسهيل عملية الانتقال من الدراسة إلى سوق العمل.
وما دور القطاع الخاص في هذا الإطار؟
القطاع الخاص هو شريك رئيسي وأساسي، لا يمكننا تأهيل الطالب للوظائف دون معرفة دقيقة باحتياجات سوق العمل، وهذا ما يوفره التعاون مع رجال الصناعة والشركات، ومن خلال هذا التعاون نحدد المهارات المطلوبة ونصمم البرامج التدريبية بناءً عليها، لضمان توافق مخرجات التعليم مع متطلبات السوق.
وبدأنا التواصل مع الجامعات الخاصة، وهناك ما لا يقل عن 10 جامعات خاصة تقدمت بطلبات رسمية للانضمام إلى المنظومة، ونحن بصدد دراسة هذه الطلبات والعمل على تنفيذها بالتنسيق الكامل مع تلك الجامعات، لضمان جودة التنفيذ وتحقيق نفس الأهداف.
حدثنا عن مبادرة "كن مستعدًا".. وما الذي يميزها؟
مبادرة كن مستعدًا تُعد نقلة نوعية في العمل على ملف التوظيف، إذ تعمل المراكز الجامعية لأول مرة في شكل تحالفات تضم أكثر من جامعة في كل إقليم، على سبيل المثال، تحالف يضم جامعات القاهرة، عين شمس، حلوان، وبنها، يعمل بشكل مشترك ومنسق، المبادرة تستهدف تنمية مهارات الطلاب في مختلف الأقاليم، من خلال تدريبات موحدة ومتكاملة.
وجرى إطلاق المنصة بالفعل العام الماضي، ونحن الآن في طور تطويرها وتوسيع سعتها التقنية بعد أن شهدت إقبالًا كبيرًا في نسختها الأولى، نستهدف في نسخة 2025 أن تكون المنصة قادرة على خدمة ما يقرب من مليون طالب على مدار العام، وهو رقم طموح لكنه يعكس حجم الجهد المبذول، وسيتم الفتح التقدم على مباردة تأهيل مليون مبتكر خلال أسبوعين من الآن.
وهناك تعاون دولي خلال المبادرة مثل منصة كورسيرا، وجيني، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، بالإضافة إلى التعاون مع مراكز في الإمارات، كل هذه الشراكات تؤكد على الثقة الدولية في قدرات الدولة المصرية ورؤيتها المستقبلية لربط التعليم بسوق العمل.
ننتقل إلى ملف فرص العمل في الخارج وتحديدًا في السوق الألماني والأسواق الأوروبية.. هل هناك تحركات فعلية؟
نعم، هناك جهود حقيقية ومستمرة في هذا الملف، بالتنسيق مع وزارة الهجرة، ووزارة الخارجية، ومنظمة العمل الدولية، والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى صندوق تطوير التعليم، نعمل على تحديد المهارات التي تحتاجها تلك الأسواق، ثم تدريب الشباب المصري عليها لتمكينه من الحصول على فرص عمل حقيقية وآمنة في الخارج، وندرس احتياجات الدول الأوربية من الخريجين وبناء على ذلك نوصي بتصميم البرامج الدراسية وفقا لتلك الاجتياحات.


