الإثنين 08 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

الحياة بين المغامرة والمسار الآمن

الثلاثاء 27/مايو/2025 - 04:50 م

الحياة، كما تبدو لي، طريقان لا ثالث لهما؛ أحدهما مغامرة خطرة، والآخر مسار آمن محسوب.. وبين هذا وذاك تتكون اختيارات الناس، وتتشكل معها مصائرهم.

المغامرون هم أولئك الذين دفعهم طموحهم للسير في طريق غير ممهد، محفوف بالمخاطر، ومليء بالاحتمالات المفتوحة. 
أحدهم يترك الوظيفة المستقرة من أجل حلم يراوده، وآخر يسافر إلى بلد لا يعرفه بحثًا عن فرصة تستحق المحاولة، وثالث يقرر أن يكتب  بلغته الخاصة، بعيدًا عن النمط  الدارج والمألوف.

هم لا يضمنون شيئًا، وقد لا يجنون ما تمنوه، لكنهم يعرفون أنهم جربوا، وساروا، ولم يتراجعوا. وبعضهم يخرج من التجربة مثخنًا بالخيبات، وبعضهم يخرج منها مكللًا بالنجاح وقد حقق الكثير وربما أكثر مما تمنى، لكن ما يجمعهم هو أنهم لا يلومون إلا أنفسهم، ولا يندمون على ما خاطروا به من أجل حلم.

وغالبًا ما يكون أصحاب هذا الطريق من الموهوبين؛ أولئك الذين يشعرون أن بداخلهم شيئًا لا يُشبه السائد، ولا يهدأ إلا إذا خرج للنور. هم لا يغامرون عبثًا، بل لأنهم يؤمنون أن الطريق العادي لا يناسبهم.
معاناتهم قاسية، وإجهادهم النفسي والعقلي مستمر. كثيرًا ما يتملكهم التعب، وتساورهم فكرة التراجع، ويجلسون مع أنفسهم يتساءلون: هل كان القرار صائبًا؟ هل كان يمكن أن نحيا حياة أكثر راحة؟
لكن شيئًا ما، أشبه بصوت داخلي لا يُسمع ولا يُفهم، يدفعهم للاستمرار، كأن التراجع عن الطريق يعني الفناء.. ليس فناء الجسد، بل الروح.

وهؤلاء، رغم قلة عددهم، نجد أنهم من يتغير العالم على أيديهم، وهم من تُبنى الأفكار وتُكتب القصائد وتُخترع الأشياء بفضلهم.

أما أصحاب المسار الآمن، فليسوا بالضرورة أصحاب وظائف حكومية أو مكاتب رسمية، بل هم كل من يختار عملًا محددًا يضمن له دخلًا مستقرًا، وحياة بلا اضطرابات، سواء كان موظفًا أو صاحب حرفة أو تاجرًا بسيطًا أو حتى أصبح كبيرا بغير قصد أو سعي لذلك، وكثيرا ما يحدث.. فكما أنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، هناك من يدرك مالم يكن قد تمناه يوما.
هؤلاء يميلون دائمًا إلى فكرة العيش المستقر في ظل استقرار أسري، وعلاقات اجتماعية متوازنة، وغالبًا ما تكون العائلة هي مركز اهتمامهم، وراحة أبنائهم هي المقياس الأول للنجاح لديهم.
هم لا يكرهون الطموح، لكنهم لا يحبون المغامرة.. لا يرون في العالم ملعبًا للتجربة، بل مكانًا يحتاج إلى الانضباط أكثر.

و أود أن أوضح هنا أن حديثي ليس عن الطمع أو القناعة، فتلك صفات 
يمكن أن توجد بين الفريقين.. قد يكون المغامر قنوعًا إلى حد الزهد، ويكون الآمن طماعًا لا يشبع.
الفرق هنا أعمق.. يتعلق بطبيعة الروح، بشكل الابتلاء، ونوع الطريق الذي يشعر الإنسان أنه خُلق ليمشيه.

وفي نهاية القول، لا أحد يملك الحقيقة الكاملة، فكل إنسان يعرف نفسه، ويستطيع إدراك هل هو من الذين خُلقوا ليراهنوا ولو خسروا؟ أم من الذين يطلبون راحة البال حتى لو لم يجنوا المجد؟
المهم أن تختار طريقك عن وعي، وترضى به، وتمضي فيه إلى آخره دون أن تلتفت لما اختاره الآخرون. فكلٌ ميسرٌ لما خُلق له.

تابع مواقعنا