السبت 06 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

مقترحات ويتكوف.. خدعة أمريكية - إسرائيلية تستهدف التهدئة لا إنهاء الحرب

الخميس 29/مايو/2025 - 02:56 م

بين ركام غزة وتعقد ملف الأسرى، خرج مبعوث الرئيس الأمريكي، ستيف فيتكوف، بـ كوكتيل مقترحات، يحمل عنوانًا ناعمًا: مبادرة جديدة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، لكن ما يبدو على السطح كخطوة نحو السلام، لا يخفي بين سطوره إلا فخًا سياسيًا مركبًا، يخدم التصور الإسرائيلي، ويعيد إنتاج العقلية الاستعمارية في ثوب دبلوماسي جديد، تتوسطه واشنطن التي لا تنحاز إلا لسلاح الاحتلال.

في خطوة جديدة تحمل في طياتها الكثير من الجدل والتساؤلات، كشف مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف فيتكوف، عن مقترح جديد يهدف إلى التوصل لاتفاق بين الاحتلال وحركة حماس، يتضمن الإفراج عن تسعة أسرى أحياء و18 جثمانًا على مرحلتين خلال أسبوع، مقابل وقف إطلاق نار مؤقت لمدة 60 يومًا.

هذا المقترح، الذي يُوصف بـ حل الوسط، لم يُعرض بعد على الأطراف المعنية، لكنه يثير تساؤلات حول مدى توازنه وجدواه، خاصة في ظل المواقف المتشددة لدولة الاحتلال وسياساتها العدوانية المدعومة أمريكيًا.

مقترح يتيم.. ومفخخ

مقترح فيتكوف، الذي لم يُعرض رسميًا بعد على الأطراف، يتحدث عن إطلاق تسعة أسرى أحياء و18 جثمانًا فلسطينيًا، على مرحلتين خلال أسبوع، مقابل هدنة مؤقتة لمدة 60 يومًا تُستثمر في مفاوضات غير مضمونة لإنهاء الحرب، لكنّ التفاصيل الدقيقة المخفية في دهاليز هذه المبادرة تكشف ما هو أبعد من مجرد اتفاق إنساني.

وبدلًا من وقف شامل للحرب، يتحدث الأمريكيون بوضوح عن وقف إطلاق نار مؤقت، أي هدنة مشروطة تتيح لدولة الاحتلال أن تعود إلى القتال في أي لحظة إن لم تحصل على ما تريده على طاولة المفاوضات، هكذا تُمنح تل أبيب تفويضًا ضمنيًا بالتصعيد، فيما يُطلب من الفلسطينيين الرضوخ تحت القصف، والقبول بشروط من لا يريد إلا فرض الاستسلام كبديل عن السلام.

انسحاب تكتيكي مشبوه

يشمل المقترح انسحاب جيش الاحتلال من بعض المناطق التي سيطر عليها خلال حملة «القوة والسيف، مع بقاء قواته متمركزة في محور فيلادلفيا، وابتعادها فقط عن محور موراج، الذي سمّاه نتنياهو فيلادلفيا 2، أي انسحاب إذًا؟ إنها إعادة تموضع عسكرية، لا تقلص من حجم الاحتلال، بل تعيد ترتيبه.
الإبقاء على السيطرة في محور فيلادلفيا لا يعني سوى إحكام الخناق على غزة، وتكريس وضع استعماري جديد تحت مسمى الانسحاب، في حين يبقى جيش الاحتلال مهيمنًا على القرار الأمني والحدودي، سواء عبر الطائرات أو وحدات النخبة أو منظومات المراقبة.

المساعدات.. أداة للابتزاز 

في خطوة تهدف إلى استعادة الثقة الدولية -أو على الأصح، التمويه على الجريمة المستمرة- أعلن فيتكوف عن إعادة توزيع المساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة، بدلًا من الشركة الأمريكية التي استخدمتها واشنطن سابقًا للالتفاف على القنوات الشرعية، لكنها ليست أكثر من لفتة شكلية، تعيد إنتاج السيطرة من بوابة أخرى، بعد أن تحولت المساعدات إلى أداة للابتزاز السياسي والتجويع الممنهج.

أمريكا لا تقدم المساعدات للفلسطينيين لأنها تعترف بحقوقهم، بل لأنها تريد أن تضمن استمرار القبضة الحديدية على سكان القطاع، عبر أدوات تجويع غير مباشر، تُمكّنها من التحكم في مسار البقاء ذاته.

حماس.. لا تقبل فخاخًا معلّبة

في ظل هذه الفوضى المنظمة، يبدو أن المقترح، يقلص عدد الأسرى الأحياء مقارنة بالمبادرة السابقة، ويمنح الاحتلال حقّ استئناف الحرب وفق مزاجها السياسي. المقترح يميل بوضوح لصالح الرواية الصهيونية، إذ لا يُقدم ضمانات حقيقية، بل يعيد إنتاج لغة الاحتلال تُقرر، والآخرون يُنفذون.
ليس مستغربًا أن يوصف المقترح بـ الحل الوسط، وهو في حقيقته ليس إلا خطوة ضمن سلسلة طويلة من الإملاءات التي تسعى أمريكا إلى تمريرها عبر مبعوثيها، بمنطق لا يختلف كثيرًا عن منطق الجنرالات في الحروب الباردة: خذوا ما نمنحه، أو استعدوا للمزيد من الدم.

صقور دولة الاحتلال يعترضون

ورغم انحياز المقترح الواضح لتل أبيب، لم يرقَ لمستوى تطلعات اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يُمثل اليوم قلب القرار داخل حكومة نتنياهو، فها هي الوزيرة أوريت ستروك تهاجم المقترح معتبرة أن حماس بدأت تركع، وتدعو لمنع أي انسحاب من الأراضي المحتلة أو تسليم الحكم لـ الإرهاب.، وزير المال الصهيوني، بتسلئيل سموتريتش يذهب أبعد، ويرى في المقترح طوق نجاة لحماس يجب منعه بأي ثمن، والوزير شيكلي يُطالب بالسماح للمقاتلين بـ إكمال المهمة حتى النهاية، على حد تعبيره

هؤلاء لا يريدون صفقة، بل إبادة سياسية وجغرافية كاملة لغزة. إنهم يرون في أي وقف للقتال، حتى لو مؤقتًا، تراجعًا غير مقبول. وهكذا يُحاصر القرار الصهيوني  بين نارين: عدم القبول بأي تنازل، حتى وإن كان هشًا، والإصرار على الحسم العسكري، ولو على جماجم عشرات الآلاف من الأبرياء.

الأسرى.. تجميد دون حل

تفيدت المعطيات التي نشرها الصحفي الصهيونى، نوآم أمير، بأن الصفقة المحتملة التي يجري التفاوض حولها قد تتضمن الإفراج عن 125 أسيرًا من المصنّفين بـ ذوي الدم على الأيدي، إلى جانب 1،111 معتقلًا من قطاع غزة تم اعتقالهم بعد السابع من أكتوبر 2023، إضافة إلى تسليم 180 جثمانًا لمقاتلين فلسطينيين.

لكن هل يكفي ذلك لتبرير هدنة مشروطة تسمح باستئناف الحرب؟ وهل يمكن الوثوق بصفقة لا تضمن وقفًا نهائيًا للعدوان؟ الاحتلال يتعامل مع قضية الأسرى كأوراق ضغط، لا كمأساة إنسانية، أما أمريكا فتغلف ذلك كله بخطاب دبلوماسي بارد يخفي قنابل موقوتة.

خدعة وقف العدوان

المقترح الأمريكي يتحدث عن وقف إطلاق نار، وليس عن إنهاء الحرب. وهنا جوهر المأزق. وقف إطلاق النار هو مجرد تعليق مؤقت للعنف، لا يُنهي الاحتلال، ولا يُعيد الإعمار، ولا يُحقق العدالة. أمريكا استخدمت هذا التكتيك سابقًا في يناير، ولم يؤدِ إلا إلى إعطاء دولة الاحتلال الوقت لإعادة ترتيب أوراقها ومواصلة عدوانها، وهذه لعبة سياسية قذرة، حيث يتحوّل الصمت الميداني إلى فرصة لصفقة أمنية جديدة، لا تنهي المعاناة بل تؤجل الانفجار.

واشنطن ليست وسيطًا نزيهًا

ليست واشنطن وسيطًا نزيهًا، فهي مَن سلّحت، ومَن موّلت، ومَن غطّت، ومَن أعطت الضوء الأخضر منذ اللحظة الأولى. واليوم، تسعى إلى تلميع صورتها عبر مقترحات وسطية، لا تُقابل في الميدان إلا بالمزيد من الاحتلال والمزيد من الموت.

الدم الفلسطيني لا ينتظر صفقات مجتزأة. ما تحتاجه غزة ليس هدنًا مؤقتة، بل حرية دائمة. ليس قوافل غذاء مشروطة، بل سيادة كاملة. ليس مقترحات أمريكية غامضة، بل قرارًا دوليًا يُنهي الاحتلال ويُعيد الحقوق لأصحابها.

فلسطين الخاسر الأكبر

المقترح الجديد لستيف فيتكوف ليس سوى محاولة أخرى لتمرير أجندة "إسرائيلية-أمريكية" تهدف إلى إضعاف المقاومة الفلسطينية وإطالة أمد الصراع. الشعب الفلسطيني، الذي يعاني من حصار ظالم وعدوان مستمر، يستحق حلًا عادلًا يضمن حقوقه في الحرية والكرامة. إن أي اتفاق لا يتضمن إنهاء الحصار، وانسحابًا كاملًا لجيش الاحتلال، وإعادة إعمار غزة، لن يكون سوى فخ آخر يُضاف إلى سلسلة المحاولات لكسر إرادة الفلسطينيين.

المقترح الجديد لا يقدّم حلولًا، بل يُعيد إنتاج الأزمة بمفردات أكثر خداعًا. وبينما تتغنّى دولة الاحتلال بالمرونة، وتُراوغ أمريكا بالمبادرات، يبقى الفلسطيني في غزة عالقًا بين أنقاض البيوت وقبور الأطفال، يحلم بسلام حقيقي لا تصوغه واشنطن على مقاس آلة القتل الإسرائيلية، لقد حان الوقت لإسقاط أقنعة الوساطة الزائفة. ما لم تُكسر منظومة الاحتلال، وتُفكّك بنية الدعم الأمريكي له، فإن أي مبادرة مهما تجملت لن تكون إلا فصلًا جديدًا في رواية القتل المؤجل.

تابع مواقعنا