الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

عيد الأضحى.. «مش لحمة وبس!»

الأحد 01/يونيو/2025 - 03:29 م

ونحن على أعتاب عيد الأضحى المبارك، وتحديدًا حين تشرق شمس العاشر من ذي الحجة، تستيقظ الناس على صوت تكبيرات العيد.

وتبدأ طقوس الأضحية في البيوت والشوارع والمزارع، لكنها في جوهرها ليست مجرد ذبح، ولا مناسبة موسمية عابرة، بل هي شعيرة تعبّر عن قيم أعمق من ذلك بكثير، إنها عبادة وتضحية وتكافل ودروس راسخة في الوجدان.

يعود أصل الأضحية إلى قصة النبي إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، لحظة التسليم الكامل والثقة المطلقة في أمر الله، تلك القصة لم تكن عن الذبح لذاته، بل عن طاعة تتجاوز المنطق البشري كله، وعن تضحية بمعناها الواسع.. أن تقدم أغلى ما تحب في سبيل من تحب.

وهنا، تحتفظ الأضحية برمزيتها حتى اليوم، كفعل يربط الإنسان بخالقه، ويوقظ فيه معنى الإيمان المتجدد كل عام.

ما يميز الأضحية أنها تجمع بين العبادة الفردية والمسؤولية المجتمعية، فحين يذبح المسلم أضحيته، لا يحتفظ بها لنفسه فقط، بل يوزعها ويشارك بها الآخرين، وخاصة من هم في حاجة إلى ذلك، فهي توزيع للخير، ومساهمة في صناعة فرحة جماعية، تتخطى حدود البيوت لتصل إلى قلوب لا تجد اللحوم إلا في مثل هذه المناسبات.

ومن اللافت أن تقاسم لحوم الأضاحي ليس فقط مظهرًا للتكافل، بل هو تطبيق عملي لفكرة العدل الاجتماعي، الذي أوصت به الشريعة، فتقسيمها بين صاحب الأضحية وأقاربه والمحتاجين يخلق توازنًا دقيقًا، لا يجعله يغفل عن الدائرة الإنسانية، يدل على ذلك إجازة الشريعة السمحاء إعطاء منها غير المسلمين من الزملاء والجيران والمحتاجين.

في كثير من البيوت، يُشارك الأطفال بجوار الكبار في مشاهدة الأضحية والترتيب لها، وهنا تبرز فرصة نادرة لغرس قيم الإيمان والرحمة والعطاء في النفوس الصغيرة، فهي طريقة تطبيقية أكثر تأثيرًا بجانب الحديث معهم عن قصة الأضحية، وعن معنى التقرب إلى الله، وعن الفقراء الذين ينتظرون نصيبهم، يفتح لهم أبوابًا للفهم والتأمل، بعيدًا عن مجرد المشهد الخارجي.

إن تحويل الأضحية إلى درس تربوي هو أحد أجمل ما يمكن أن تصنعه تلك الشعيرة، خاصة في عالم تتسارع فيه القيم وتختفي فيه عبادة التفكر في المعاني.

وأختتم كلماتي بالتأكيد على أن الأضحية ليست مناسبة تُؤدى ثم تُنسى، بل هي لحظة تذكير بأننا لا نعيش لأنفسنا فقط، وأن من معاني العيد أن يسع غيرك بما في وسعك، وهي دعوة لنتأمل في العطاء، وفي الطاعة، وفي القرب من الناس.

قبل أن تذبح أضحيتك هذا العام، تذكّر أنها ليست فقط لحمًا، بل شعورٌ، وذكرى، ورسالة، وتربية، إنها فرصة نادرة ليكون الدين فعلًا حيًا، يمشي بيننا بلطف، ويطرق أبواب المحتاجين بقلب رقيق، ويد ممدودة بالخير والحب والتآلف والتكافل.

تابع مواقعنا