التعليم الفني مشروع التنمية المؤجل
في الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إلى تطوير الاقتصاد المصري وخلق فرص عمل حقيقية للشباب، لا يزال التعليم الفني يُعامل باعتباره عبئًا لا جدوى منه، بل وتحول في نظر الكثيرين إلى مجرد شهادة لا تُغني ولا تُسمن من جوع.
لم يعد مستغربًا أن نشهد عزوفًا متزايدًا عن هذا النوع من التعليم، مقارنة بأعداد الطلاب الذين التحقوا به في سنوات مضت.
المفارقة أن هذا التراجع لا يعود فقط إلى فقدان الثقة في مخرجاته، بل أيضًا إلى تدهور مستوى التعليم بشكل عام، لا سيما بعد انتشار حفلات الغش الجماعي في المرحلة الإعدادية، والتي مكنت أعدادًا كبيرة من دخول الثانوية العامة، رغم تدني مستواهم الفعلي.
في هذا السياق، أصبحنا أمام مشهد عبثي: طلاب بقدرات متواضعة يتدفقون نحو الثانوية العامة، ثم الجامعات، دون جدارة حقيقية، ليشكلوا عبئًا جديدًا على كليات كانت تُعرف بـ"كليات القمة"، والتي أصبحت تستقبل أعدادًا متزايدة دون أن تكون مؤهلة فعليًا لهذه الأعداد أو لمستواهم.
هذا الوضع، إن استمر، يُنذر بأزمة متعددة الأبعاد في المستقبل، تشمل التعليم، وسوق العمل، وكفاءة الكوادر التي يُفترض أن تقود قطاعات الدولة المختلفة.
في المقابل، لدينا قطاع كامل يمكنه أن يكون قاطرة للتنمية، لو أُحسن استغلاله: إنه التعليم الفني.
هذا القطاع المهمل قادر، إذا ما أُعيد تنظيمه وتطويره، أن يوفر الآلاف من فرص العمل الحقيقية، ويساهم في إنعاش الاقتصاد الوطني، وتحويل شهادة التعليم الفني من مجرد ورقة مهملة إلى مستند يسعى كثيرون للحصول عليه.
ولتحقيق ذلك، نحن بحاجة إلى إرادة حقيقية وتخطيط منهجي، يبدأ بربط التعليم الفني بسوق العمل، من خلال التركيز على التخصصات المطلوبة، وعقد بروتوكولات تعاون مع المصانع والشركات لتدريب الطلاب تدريبًا عمليًا حقيقيًا، يضمن تأهيلهم لسوق العمل مباشرة بعد التخرج. ويمكن للدولة أن تخطو خطوة إضافية، بإنشاء مصانع صغيرة داخل المدارس الفنية التي تتوفر على مساحة كافية، على أن تكون هذه المصانع متخصصة بحسب طبيعة التخصصات التعليمية في المدرسة.
هكذا نكون قد خلقنا فرص عمل حقيقية للخريجين، وفتحنا بابًا واسعًا أمام إعادة إحياء الصناعة المصرية.
ولا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة للتعليم الزراعي، فهذه المدارس يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تنمية الثروة الحيوانية والزراعية، خاصة في ظل المشاريع القومية الزراعية الكبرى التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
فقط نحتاج إلى دمج هذا النوع من التعليم ضمن خطة وطنية شاملة للنهضة الزراعية، بحيث تتحول المدارس الزراعية إلى مراكز إنتاج وتدريب تسهم فعليًا في الاقتصاد القومي.
ملف التعليم الفني ليس ملفًا هامشيًا، بل هو بوابة حقيقية لنقلة نوعية شاملة في بنية الدولة الاقتصادية والاجتماعية.. فقط، ما نحتاجه هو الإرادة الحقيقية والتصميم على إنفاذ الرؤية.


