أهي ماشية
كل يوم، بنقابل ناس كتير في الشغل، في الشارع، على السوشيال ميديا، أو حتى جوا بيتنا، ونسأل السؤال اللي بقى زي صباح الخير وهو عامل إيه؟.
وغالبًا الرد بيكون سريع، تلقائي، محفوظ: الحمد لله.. كله تمام، أو الجملة الأشهر "ماشي.. أهي ماشية".
لكن الحقيقة؟ محدش "كويس" طول الوقت، ومفيش حاجة اسمها "ماشية" من غير تمن.. اللي بيضحك قدامك ممكن يكون لسه من يومين قافل على نفسه وبيبكي، واللي بيقول الحمد لله يمكن بيقولها بصوت مكسور، مش شايف قدامه غير طريق مبهم بس مش عارف يمشي في طريق تاني غيره.
فيه جروح الناس مش بتتكلم عنها، وفيه صراعات داخلية محدش بيعرف عنها حاجة، لا أصحاب، ولا أهل، ولا حتى أقرب الناس.
وفيه ناس بتصحى من النوم كل يوم، تلبس وش "أنا تمام" اللي تقرر تفضل بتمثل بيه على نفسها وغيرها طول اليوم بيع، وتخرج للحياة تشتغل، تضحك، تقعد في قعدة، ترد على الماسنجر، تبين إن "عادي مفيش حاجة خالص"، لكن جواها حاجة مش كويسة!
حاجة بتنهار بالتدريج، ومحدش واخد باله، ولما بتيجي تقرر تحكي لغيرها، تسمع ردود من عينة "إنت دايمًا شكلك تمام!" أو "كنت فاكر إنك أقوى من كده!"، "هو أنت بتتأثر بالحاجات دي؟!"، وده بيزود وجعها وقتها، مش بيقلله.
ليه بقينا بنخاف نقول "أنا تعبان"؟.. ليه بنخاف نبين ضعفنا؟.. ليه كل ما حد يقول إنه منهار، الناس ترد عليه بجملة تحفيزية محفوظة، من نوعية: "شد حيلك"، "كله بيعدي"، "إنت أقوى من كده"، وأسوأهم: "فيه ناس حالها أسوأ منك!".
طب هو أنا مش من حقي أتعب؟ مش من حقي أشتكي؟ ولا لازم أستأذن قبل ما أنزف؟
يا صاحبي، فيه فرق كبير بين إنك "كويس"، وإنك "بتقاوم"... اللي بيقاوم مش ضعيف، ولا مهزوم، لكن جوه منه صوت بيصرخ بيقول: "أنا مش قادر، بس مش هاقف"، "أنا موجوع، بس مش هسلّم"، "أنا تايه، بس بحاول ألاقي طريقي".
المقاومة مش معناها إنك منتصر، المقاومة معناها إنك لسه هنا، رغم كل اللي بيحصل، وإنك رغم وقعاتك، لسه بتتمنى وقادر تقوم، ورغم فُقدك، لسه بتحب، ورغم الفشل، لسه بتحاول.
أنا بكتبلك المقال ده علشان أقولك مش لازم تكون كويس علشان تستحق الحب، مش لازم تكون قوي علشان الناس تفضل حواليك.
إنت تستحق تتحب حتى وإنت واقع، حتى وإنت مش فاهم نفسك، حتى وإنت مش قادر تضحك ولا تتكلم.
وصدقني، اللي بيحبك بجد، مش هيهرب من لحظة ضعفك، ولا هيشكك في مشاعرك، ولا هيطلب منك "تبقى طبيعي" وهو شايفك بتغرق.
لو لقيت نفسك بتقول "أنا كويس" وأنت مش كده… إدي لنفسك فرصة تقول الحقيقة.. حتى لو مرة واحدة بس، أو حتى اكتبها، قولها لنفسك في المراية، ابعتها لحد تثق فيه، بس ما تكتمش جواك.
لأن الكتم بيوجع أكتر من الألم نفسه، والصمت ساعات بيخليك تنفجر جواك من غير صوت.
كلنا بنعدي بأيام مش أحسن حاجة… بس مش معنى كده إننا ندفن مشاعرنا علشان نرضي الصورة اللي الناس رسموها لينا.
إوعى تكون بتغرق، وتقول للناس: "أنا بعوم كويس"... وإوعى تسمح لحد يقنعك إن تعبك "تفاهة"، أو إن حزنك "مش مبرر".
احكي، حتى لو صوتك بيترعش، اطلب المساعدة حتى لو أنت مش متعود، طبطب على نفسك حتى لو الناس كلها سابوك.
قول لنفسك: "أنا بتوجع… بس لسه واقف"، "أنا مش كويس… بس بحاول"، وصدقني، ده كفاية جدًا.


