الإثنين 08 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

حُجة مادلين علينا

الثلاثاء 10/يونيو/2025 - 02:15 م

أبدى البعض قلقًا لا معنى له بشأن راكبي السفينة مادلين التي باتت توصف بسفينة الخير خوفًا من تعرضهم للخطر أو مقتلهم أو ما شابه على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تفرض حصارًا خانقًا على مواطني غزة الأبرياء الذين لا حيلة لهم، ولا ناقة لهم ولا جمل فيما يظهره العالم من ترقب بشأن السفينة مادلين. فجميعنا كنا نعلم أن السفينة وما تحمله من حمولة ضئيلة من المساعدات لن تتمكن من الوصول إلى شواطئ قطاع غزة المنكوب، لكن لسان حالنا كان ينظر ويترقب وعقلنا الجماهيري غير السياسي وغير العسكري مثلهم يأمل أن تصل السفينة لا لشيء إذ لا تستطيع السفينة تقديم شيء سوى انتصار معنوي بكسر الحصار المفروض على القطاع، وهو انتصار لم تستطع دول التفكير في الإقدام عليه، وليس البدء فيه فقط.

منذ بداية رحلتها حظيت مادلين باهتمام جماهيري أوروبي أكثر منه عربي، وذلك قد يعود لكونها تحمل على ظهرها الصغير السياحي أشخاص يحملون جنسيات أوروبية، ويمكن أيضًا لكونها انطلقت من القارة الأوروبية، ويمكن أيضًا لكونها تحمل أوراق ثبوت وعلم دولة أوروبية عظمى كالمملكة المتحدة البريطانية. مادلين الصغيرة حجمًا مقارنة بالسفن الواصلة محملة بالمساعدات الإنسانية حقًا إلى قطاع غزة عبر بوابة معبر رفح حظيت باهتمام 8 مليار آدمي بما فيهم مستوطنين إسرائيل أنفسهم، لمعرفة وترقب ما سيجري بشأن تلك السفينة أمام قوة احتلال لا ترى في سكان غزة أنهم بشر يحق لهم العيش.

مادلين الصغير أقامت على الـ 8 مليار الحجة بأنه يمكنه تقديم أي شيء لسكان غزة سوى التظاهر والاحتجاجات والاكتفاء بترديد شعارات لساعات ثم الانصراف للنوم في منزل هانئ لطيف ومتابعة آلة القتل والموت في أجساد الفلسطينيين عبر شاشات التلفاز الفاخرة.

أقامت الحجة على حكومات الدول الأوروبية التي تخشاها إسرائيل وتعمل على كسب مودتها وتعاطفها في مواجهة المقاومة الفلسطينية بانه يوجد الكثير من الطرق لمد يد العون إلى غزة، غزة فقط حاليًا وليس كل فلسطين. فهل كنا سنرى اعتقال إسرائيلي لوزير أو مسؤول أوروبي إذا ما كان على متن السفينة وتوجه لتوصيل المساعدات بشخصه؟.

سواء وصلت سفينة مادلين إلى شواطئ غزة أم لم تصل وهو ما أرادته إسرائيل فإنها وصلت بالفعل إلى قلوب أهل غزة وغيرهم الكثير منذ اللحظة الأولى التي أبحرت فيها، فـ 12 متضامنًا في رحلة جريئة لكسر الحصار، أعادوا الأمل إلى قلوب المحاصرين الذين يقتلون يوميا بالقصف والجوع والحصار الظالم، فهذه السفينة لم تحمل مجرد مساعدات أو أشخاص، بل حملت معها صوتا مدويًا دفع كبرى وسائل الإعلام العالمية للحديث مجددًا عن المأساة التي يعيشها أهل غزة، بعد أن ساد صمت عالمي مؤلم تجاه معاناتهم. فركاب مادلين ونشطائها خطّوا برحلتهم ما عجز عنه الكثيرين، وذكّروا العالم أن غزة ليست وحدها، وأن الضمير الحي ما زال قادرًا على الإبحار.

أقامت الحجة أيضًا على إسرائيل نفسها، فما بالكم إذا ما سمحت إسرائيل للسفينة بإدخال المساعدات إلى قطاع غزة ولكن عبر ميناء لديها وطالبتهم بالوصول إليه مع تقديم ضمانات لإيصالهم إلى شمال القطاع بغطاء إسرائيلي ووسط قوة إسرائيلية وبأيدي إسرائيلية أيضًا، فكانت حينها ستكسب رضا الحكومات الأوروبية لا رضا الشعوب، لكنها على الأقل كانت ستكسب شيئًا. إلا أن الغباء السياسي الإسرائيلي المعروف عنهم منذ بداية الاحتلال طبع على قلوبهم وعقولهم ودفعهم إلى خسارة الرضا وإن كان ظاهريًا ودفعهم أيضًا إلى اعتراض السفينة واعتقال ركابها واجبارهم على الترحيل لبلدانهم. ليتضح لنا أن مادلين فرصة يمكن نجاحها بالتكرار والقوة ويمكن نسيانها بالخوف والسياسة.

تابع مواقعنا