نحن وشات جي بي تي: هل واتساب وجوجل يعرفونك أكثر؟
هل تخاف من اختراق حسابك في واتساب؟ أم اكتشاف محادثاتك مع شات جي بي تي أكثر؟ يبدو السؤال في ظاهره بسيطًا، لكنه يحمل في جوهره إشكالية شخصية ونفسية أكثر منها تقنية. لأن الفرق أن واتساب يحفظ محادثاتك مع الآخرين، صور شخصية ومقاطع صوتية وفيديو. أما شات جي بي تي يحفظ حوارك مع نفسك، وكيف تنظر لنفسك وهواجسك النفسية وغيرها، فهو أخطر بألف مرة من اختراق واتساب، لأنه لا يعرف أسرارك فقط، بل يعرف من أنت من الداخل.
ولكن ماذا عن محرك البحث العملاق جوجل، هل يعرف عنك المعلومات نفسها مقارنة بشات جي بي تي؟ عندما تفتح جوجل وتبحث عن "كيف أعثر على وظيفة" أو "أفضل موبايل في 2025" أو "أرخص تذكرة سفر" فأنت تطلب معلومات فقط. لذلك غوغل يعرف ما يهمك، وما تريد شراءه وأين تريد الذهاب.
لكن عندما تكتب في شات جي بي تي: "أشعر بالوحدة" أو "أعاني من القلق ولا أستطيع النوم" أو "أفكر في ترك عملي لكن خائف من رد فعل أهلي" فأنت لا تطلب معلومات وإنما تكشف نفسك. والفرق أن غوغل يجمع بياناتك السلوكية، بينما شات جي بي تي يجمع خريطتك النفسية. فالأول يعرف كيف تنفق، والثاني يعرف لماذا تشعر بالندم بعد أن تنفق.
مع شات جي بي تي، تشعر أنك تتكلم مع صديق، وتنسى أنه برنامج ذكاء اصطناعي مربوط بسيرفرات تحفظ كل حرف تكتبه، كما تنسى أن وراءه شركة تجمع أرباحًا من مشاركة معلوماتك. فالعلاقة تبدو شخصية وحميمية وآمنة. وهذا بالضبط ما يريدونه منك.
هل أدركت الفرق! انظر للجدول لتعرف الفرق
| شات جي بي تي | غوغل | التصنيف |
|---|---|---|
| مخاوفك ومشاعرك | اهتماماتك | نوع البيانات |
| شديد الحساسية | متوسط | مستوى الحساسية |
| شبه معدوم | عالي | وعي المستخدم |
| صديق وهمي | أداة بحث | نوع العلاقة |
| قرارات الحياة | قرارات الشراء | مجال التأثير |
عندما يجتمع ما تبحث عنه في غوغل مع ما تستشير به شات جي بي تي، تحصل الشركات على قوة التحكم الكاملة في قراراتك. وأنت لا تزال تظن أن أخطر شيء لخصوصيتك هو اختراق واتساب!!
اختراق الأنظمة النفسية: من التسوق إلى الهوية
من منظور علم النفس الاجتماعي، نواجه مستويات مختلفة جذريًا من "الكشف الذاتي"، وهو مشاركة المعلومات الشخصية مع الآخرين التي لا يعرفونها عادة، ويختلف في العمق من السطحي إلى الحميم جدًا. فمثلًا محرك غوغل يجمع عمليات البحث والتفضيلات التي تعكس اهتماماتك الواعية، أي "الكشف السلوكي السطحي"، هذا النوع من البيانات يؤثر بشكل أساسي على ما يسميه المختصون "النظام الأول" في التفكير، وهو النظام السريع والتلقائي المسؤول عن القرارات الاستهلاكية الفورية.
أما شات جي بي تي فيحصل على "الكشف الذاتي العميق"، وهو مصطلح علمي محدد يشير إلى مشاركة المعلومات الشخصية والعاطفية شديدة الحساسية، مثل المخاوف الشخصية والمعتقدات الدينية العميقة أو المعلومات التي قد تسبب الخجل.
والخطورة أن البحث العلمي يؤكد أن الكشف الذاتي يُفعّل نفس المناطق العصبية في الدماغ التي تُفعّلها المكافآت الأساسية مثل الطعام (خاصة السكر والدهون) والنوم والماء والحب لإفراز الدوبامين والأوكسيتوسين. وهذا يعني أن دماغك يُفرز هرمونات السعادة والثقة عندما تبوح بأسرارك لشات جي بي تي، مما يخلق إحساسًا كاذبًا بالأمان والراحة.
إذا كنت تقرأ هذه الكلمات الآن وتفكر في فتح شات جي بي تي بعد قليل لتسأله عن شيء شخصي، توقف واسأل نفسك: هل هذا سؤال أم اعتراف؟ وإذا كان اعترافًا، فهل تريد حقًا أن يُباع في مزاد علني؟


