د. بولا وجيه يكتب: صفحة جديدة

فيه لحظة كده في حياة كل واحد فينا بيبقى لازم يقف فيها ويقرر: "هبدأ من جديد؟ ولا أكمّل في اللي أنا فيه حتى لو مش مرتاح؟"، ولحظة القرار دي، صدقني، أصعب من أي انهيار.

البدايات الجديدة، مهما كانت حلوة في خيالنا، إلا إنها مرعبة لما تيجي بجد… ليه؟.. لأنك هتسيب اللي كنت متعود عليه، حتى لو كان بيكسر فيك، علشان تدخل على حاجة مش واضحة لسه… صفحة بيضا… فيها احتمالات كتير: النجاح، الفشل، الوحدة، الأمل، الخوف، الأمان، أو حتى الفراغ.

الناس بتفتكر اللي بيبدأ من جديد ده شجاع على طول الخط… بس محدش بيفكر إن الشجاعة دي ممكن تكون طالعة من قلب خايف ومرعوب وبيعرق وهو بياخد الخطوة. فيه فرق كبير بين إنك تبقى جاهز للبداية… وإنك تكون مضطر ليها.

فيه ناس بتبدأ من جديد بعد وجع… ناس خرجت من علاقة سمّمت روحهم، أو سابوا شغل كانوا بيحبوه بس تعبهم، أو غيروا مكان، أو حتى رجعوا يعيدوا اكتشاف نفسهم من الأول.

بس ليه البدايات الجديدة مرعبة؟

علشان هي ضد كل اللي إحنا اتربينا عليه: "امشي جنب الحيط"، "خليك في المضمون"، "اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفوش". والنصايح دي، رغم نيتها الطيبة، خليتنا نرتاح للقديم حتى لو مش مريح، ونخاف من الجديد حتى لو فيه روح حلوة بندور عليها.

فيه صوت جواك ممكن يقولك: "وإيه اللي يضمن إن الجديد هيبقى أحسن؟" والرد البسيط هو: مافيش حاجة مضمونة… بس على الأقل جربت. الخطر الحقيقي مش في الفشل… الخطر في إنك تفضل واقف مكانك، بتشوف حياتك بتعدي، وأنت لسه بتفكر تبدأ ولا لأ.

البداية الجديدة مش لازم تكون نقلة كبيرة… أوقات بتكون كلمة، قرار، خطوة صغيرة… زي إنك تسامح، أو تطلب مساعدة،
أو تقول "كفاية كده"، أو حتى تعترف قدام نفسك إنك تعبت.

ومش لازم الناس تفهم أنت بدأت ليه، ولا تقدملك ضمانات أنك تمام ماشي صح وبالتوفيق، يكفي إنك تسمع صوتك… وتمشي وراه حتى لو خطواتك بترتعش.

أنا عارف إنك خايف… بس اللي جوه قلبك يستحق فرصة. اللي جاي مش لازم يكون مثالي، بس ممكن يكون أصدق، أهدى، وأحنّ عليك.

البدايات الجديدة بتخوف علشان إحنا بشر، لكن ساعات الخوف ده بيبقى العلامة إنك على الطريق الصح، لأن التغيير الحقيقي مش بيحصل وإنت قاعد مرتاح… بيحصل وإنت بتتحرك رغم ارتباكك.

قول لنفسك: "أنا هبدأ من جديد، مش علشان ضامن اللي جاي،لكن علشان تعبت من اللي فات". "هبدأ حتى لو همشي لوحدي في الأول". "هبدأ لأني أستحق حياة تبسطني، مش بس أعيشها".

البدايات الجديدة مش للناس الأقوى، لكن للناس اللي عندها الشجاعة تسأل: "هو أنا مستاهل أكتر من كده؟" وتجاوب: "أيوه… وأكتر كمان".

ابدأ… حتى لو خايف.
ابدأ… حتى لو اتكسرت قبل كده.
ابدأ… حتى لو كل حاجة جواك بتقولك "خليك مكانك".
وصدقني…اللي بيمشي أول خطوة، هو أكتر واحد بيقدر نفسه بعدين.