الصكوك والبحر الأحمر.. ولماذا لاتتحدث الحكومة؟!
فلنفترض عزيزي القارئ أن شخصا ما يواجه التزاما معينا يقتضي بموجبه أن يقوم بسداد مبلغ 10 آلاف جنيه شهريا لمدة عام، وهذا الشخص يمتلك شقة غير مستغلة من جانبه ولا تدر أي دخل عليه، وقيمة إيجار هذه الشقة حال تأجيرها 10 آلاف جنيه شهريا وقيمتها حال رغبته في بيعها مليون جنيه، فأي السيناريوهين تفضل؟:
1 – أن يقوم بإيجار الشقة للغير واستخدام القيمة في سداد التزاماته الشهرية
2 – أن يقوم ببيع الشقة وسداد الدين
بالطبع سيفضل الجميع الاحتفاظ بالشقة واستخدام عائدها في سداد التزاماته
هذا ما فعلته الحكومة تقريبا في المُثار إعلاميا مؤخرًا (دون أي توضيح من الحكومة للأسف سوى بيان مقتضب في عدة سطور تم نشره اليوم، وبعد يومين كاملين أكلت فيهما الشائعات الأخضر واليابس من عقول المصريين) نحو ملف أراضي البحر الأحمر.
41 ألف فدان تقريبا أراضٍ غير مستغلة بمنطقة البحر الأحمر قررت الدولة استخدام عوائدها في خفض الدين العام (عن طريق آلية الصكوك السيادية).
وبدلًا من أن يخرج متحدث الحكومة ليوضح للناس ما يلي:
1 – أن الصكوك السيادية وفقًا للقانون رقم 138 لسنة 2021 تمثل حصصًا شائعة في (حقوق منفعة الأصل) وليس (الأصل نفسه).
2 – أن عائد تلك الصكوك بالكامل سيتم استخدامه في خفض الدين العام.
3 – أن القوات المسلحة ستظل محتفظة بملكيتها للأراضي الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية داخل الأراضي موضوع القرار الجمهوري رقم 303 لسنة 2025 (والمثار عليه الجدل مؤخرًا).
4 – أن ذلك القرار لا يعني ترتيب ديون جديدة على الدولة، وإنما تخفيض الدين العام عن طريق استخدام عائد إصدار الصكوك السيادية.
5 – أن المساحة موضوع القرار تعادل تقريبًا مساحة مشروع رأس الحكمة (مساحة مشروع رأس الحكمة 170 كم²)، ولكن بدلًا من بيع تلك الأراضي لمستثمرين سيتم استثمارها بآلية مختلفة عن طريق إصدار صكوك سيادية لحقوق الانتفاع على المشاع للأراضي موضوع القرار (174 كم² تقريبًا)، مع بقاء كامل قيمة الأرض مملوكة للدولة.
بدلًا من أن يخرج أي مسؤول من الحكومة يوضح للناس طبيعة هذا النوع من التمويل، وأن خلق إيرادات من حقوق انتفاع هذه الأراضي أفضل من بقائها بلا عائد طوال قرون، وأفضل من الاستغناء عن الأصل نفسه وبيعه بالكامل لمستثمر، وأن حتى حقوق الانتفاع لا تمس ولا تقترب من المواقع العسكرية الاستراتيجية بهذه المنطقة.
بدلًا من كل ذلك، تركت الحكومة الشعب فريسة للشائعات، يبثها الكثيرون عن عمد و/أو عن جهل لتزيد من فجوة الثقة بين الشعب والحكومة.
فأي استثمار أو تمويل يُترجمه العقل مباشرة إلى بيع أصول، وأي خفض للدين العام يعني ترتيب ديون جديدة، وأي محاولة للإصلاح تعني تراجعًا آخر.
وتلك النتائج جميعها تتحملها الحكومة التي أفسحت المجال أمام تغييب العقول، وأطلقت العنان لنيران الشائعات، ثم ستأتي الحكومة (بعد خراب مالطا) كالعادة لتحاول أن تُطفئ نيرانًا هي التي تسببت في إضرامها (وليْتها تستطيع).
ليس دائمًا أن تأتي متأخرًا أفضل من أن لا تأتي... فالعقل الجمعي للمصريين يميل دائمًا إلى نظرية المؤامرة، وبعد حشوه طوال يومين بكل الشائعات الممكنة، لن يتمكن بعدها أي مسؤول في الحكومة من فعل شيء سوى البكاء على اللبن المسكوب.


